منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التجارة في حليب المواشي؛ هل تزكى زكاة الماشية أو زكاة التجارة؟ |سلسلة يسألونك

الشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي

0

التجارة في حليب المواشي؛ هل تزكى زكاة الماشية أو زكاة التجارة؟ |سلسلة يسألونك

بقلم:الشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي

نص السؤال
شخص مقيم في “أوروبا” اتخذ لنفسه الاتجار في حليب النعاج وعنده منها (500 نعجة) ليست معروضة للبيع؛ بل هي للقنية يعلفها ثم يبيع حليبها؛ فهل يزكى زكاة الماشية شاة لكل مائة، أو زكاة التجارة (2.5 %)؟ وورد علي نفس السؤال من تعاونية تعمل في الاتجار بحليب الأبقار وتملك (35 بقرة)؟
نص الجواب
البهائم التي تجب الزكاة في عينها وذاتها ثلاثة أنواع: الإبل والبقر والغنم: (الضأن والمعز)؛ فهي بالنسبة لزكاة الماشية والتجارة على قسمين:

1) إذا امتلكها صاحبها من أجل بيعها حية، أو بيع لحمها بعد ذبحها، أو بيع نسلها؛ لأن النسل يتبع أصله، وحول النسل حول أصله؛ فتجب فيها زكاة الماشية حسب أنصبتها.

2) إذا امتلكها صاحبها من أجل بيع كل ما ينفصل عنها مع بقائها؛ من حليبها، أو سمنها، أو جبنها، أو صوفها، أو شعرها، أو كراء فحولها لتوليد إناث الغير(1)؛ ففيه قولان:

● الأول: المالكية: قالوا بوجوب زكاة الماشية في عينها، وزكاة التجارة في نتاجها؛ من حليبها وسمنها وجبنها وصوفها وشعرها وكراء فحولها.

• أما زكاة ماشية؛ فهي شاة من كل مائة؛ لأنهم يقولون بوجوب الزكاة في الماشية؛ معلوفة كانت أو سائمة(2)؛ إذا بلغت النصاب وحال حولها.

• وأما زكاة التجارة؛ فهي: (2.5 %) فيما حصل من حليبها أو سمنها أو جبنها أو صوفها أو شعرها أو كراء فحولها، ولم يصرفه على نفسه؛ إذا بلغ نصابا(3) ودار الحول على تجارته؛ ولا يدخل هذا في الازدواجية الممنوعة في أخذ الزكاة مرتين في عام واحد وبسبب واحد وفي شيء واحد؛ لأنها تجارة مستقلة عن عين الماشية؛ وإنما منعت الازدواجية في الزكاة؛ لأنه لا تجتمع زكاتان في شيء إجماعا؛ وفي المدونة: “‌لا ‌يزكى مال واحد في حول واحد ‌مرتين”(4)، ولحديث: «لا ثِنَى(5) في الصَّدقة»(6)؛ أي: لا تؤخذ مرَّتين في السَّنة؛ وليست مسألتنا هنا منها.

قال الإمام مالك: “‌وصوف ‌الغنم إذا اشتراها للتجارة؛ فجزها، ولبنها وسمنها فائدة، يستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه(7)، وقال أيضا: “‌ليس ‌في ‌رسل(8) الغنم صدقة، وأن عليها الحول، وذلك ما يباع من صوفها ولبنها وسمنها وجبنها وشعرها ووبرها، وشبه ذلك، ويؤتنف بثمنه حولا”(9).

وقال سحنون في الغنم: “وإن اشتريت للتجارة؛ فما بيع من صوفها فائدة مثل غلة الدور للتجارة؛ إلا أن يبيع الغنم وصوفها عليها، فليزك الثمن كله للحول من يوم زكى ثمنها، ولو باعه معها بعد أن جزَّه لم يزك ‌حصة ‌الصوف ‌من ‌الثمن”(10)

● الثاني: جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة: قالوا: تجب زكاة التجارة (2.5 %) فيما حصل من حليبها أو سمنها أو جبنها أو صوفها أو شعرها، ولم يصرفه على نفسه، إذا بلغ نصابا ودار الحول على تجارته؛ ولا تجب فيها زكاة الماشية إلا إذا كانت سائمة؛ لأن الزكاة عندهم لا تجب في المعلوفة؛ واختصت ‌السائمة بالزكاة لتوفر مؤنتها بالرعي في كلإ مباح من غير مصاريف(11)؛ استدلالا بمفهوم المخالفة(12) لصفة “السائمة”؛ فقد روى الإمام مالك: «أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة؛ قال: فوجدت فيه…: وفي ‌سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة، شاة»(13).

ولكن في هذا العصر إذا أخذنا بهذا المذهب سنضيع زكاة الماشية، فأصحاب السرح المباح المجاني قليل جدا، وجل (الكسَّابة) مربي المواشي يتخذون من العلف اليومي أمرا أساسا لتربية المواشي؛ بل هناك شركات وتعاونيات كبرى بمئات بل بآلاف المواشي وكلها معلوفة؛ ولهذا فالأولى؛ بل الواجب الأخذ بقول المالكية بوجوب الزَّكاة في ‌المعلوفة والعاملة؛ كوجوبها في ‌السائمة؛ ولا اعتبار بفهوم المخالفة في صفة السائمة في المذهب المالكي(14).

● الخلاصة والنتيجة: في المذهب المالكي بالنسبة للسؤال الأول يجب عليه أن يعطي خمس نعاج؛ لكونه يملك (500 نعجة)، ويالنسبة للسؤال الثاني يعطي عجلا تبيعا(15)؛ لأنه بلغ النصاب وهو (30 بقرة)، أو ينظر كل منهما إلى ثمن ذلك يوم دفع زكاتها فيعطي ثمن خمس نعاج، أو ثمن التبيع؛ ودفع القيمة عن الماشية جائزة عند المالكية مع الكراهة؛ قال أبو زيد الجشتيمي:

وَدَفْعُ عَيْنٍ عَنْ مَوَاشٍ وَحُبُوبْ * مُجْزٍ بِكُرْهٍ وَسِوَاهُ لَا يَنَوبْ(16)

وعند جمهور الفقهاء غير المالكية: لا يزكي الماشية لأنها معلوفة؛ وإنما يزكي التجارة بالحليب مثله مثل أي تاجر آخر؛ والمذهب المالكي في هذه المسألة أحوط للدين وأوفق للواقع. والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.


الهامـــــــــــــــــــــش:
(1) قال القاضي عبد الوهاب في “عيون المسائل” (ص418): “يجوز عندنا ‌كراء ‌الفحل مدة معلومة؛ لينزو على الإناث، ومنع منه أبو حنيفة والشافعي”.
(2) السائمة ‌هي: الغنم الراعية؛ سامت: إذا رعت الكلأ والحشائش المباحة. التنبيهات للقاضي عياض: (3/1508).
(3) النصاب إذا قدرناه بالفضة -وهو الأحوط والأصح- فهو تقريبا من (5000 درهم مغربية).
(4) المدونة لسحنون: (1/320)، وتهذيب المدونة للبرادغي: (1/415).
(5) «ثِنَى» بالكسر والقصر بوزن “إِلَـــى”: أن يُفْعل الشيء مرّتين. النهاية لابن الأثير: (1/650)، وفقه الزكاة ليوسف القرضاوي: (1/328)، والموسوعة الفقهية الكويتية: (23/269).
(6) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: (6/401): (رقم: 11044)، وأبو عبيد ابن سلام الهروي في كتابه الأموال: (ص: 465)؛ كلاهما من حديث فاطمة بنت الحسين بن علي وهو مرسل؛ لأن ‌فاطمة تابعية. تقريب التهذيب لابن حجر: (ص:751).
(7) تهذيب المدونة للبرادعي: (1/420).
(8) الرسل: المسترسل من الشعر من رسِل الشعر يرسَل رسلا بوزن فرح: كان طويلا مسترسلا. لسان العرب لابن منظور: (11/282 و283)، والمعجم الاشتقاقي المؤصل لمحمد حسن حسن جبل: (2/799).
(9) النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني: (2/134).
(10) نفسه.
(11) تبيين الحقائق للزيلعي الحنفي: (1/268)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي الشافعي: (3/66)، والمغني لابن قدامة: (2/430).
(12) مفهوم المخالفة في علم أصول الفقه هو: “إثبات نقيضِ حكم المنطوق للمسكوت”؛ وهو عشرة أنواع، نظمها ابن غازي رحمه الله في بيت فقال:
صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثُنْيَا * وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْراً إِغْيَا
وقوله: ثُنْيَا؛ أي: الاستثناء، وقوله: إِغْيَا، أصله إغياء من باب قصر الممدود لضرورة الشعر، وهو مصدر أغيا؛ أي: بلغ الغاية. انظر: الفروق للقرافي: (2/37) وشفاء الغليل في حل مقفل خليل لابن غازي: (1/120).
(13) موطأ مالك: كتاب الزكاة: ‌‌باب صدقة الماشية: (رقم: 889).
(14) «عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب: (ص176)، وشرح المختصر للخرشي مع حاشية العدوي: (2/148)، والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي: (1/432).
(15) والعجل التبيع هو الذي استوفى سنتين، وقيل: سنة. الدر الثمين شرح المرشد المعين لميارة: (ص432).
(16) المنهل العذب السلسبيل شرح نظم الجشتيمي للأزاريفي: (1/133).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.