منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

هل يجب على الإمام أن يخبر المأمومين ببطلان صلاتهم إذا صلى بهم مُحدثا متعمدا؟ | سلسلة يسألونك

الشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي

0

هل يجب على الإمام أن يخبر المأمومين ببطلان صلاتهم إذا صلى بهم مُحدثا متعمدا؟ | سلسلة يسألونك

للشيخ عبد الله بنطاهر التناني السوسي

نص السؤال:

هل يجب على الإمام أن يخبر المأمومين ببطلان صلاتهم إذا صلى بهم مُحدثا متعمدا؟

نص الجواب والله الموفق للصواب:

هذه المسألة يختلف حكمها حسب حال الإمام:

إذا انتقض وضوء الإمام في الصلاة صحت صلاة المأمومين بشرطين:

1) أن يحدث له ذلك غلبة أو سهوا.

2) أن ينصرف فورا ويقطع الصلاة ويستخلف ولا يتمادى في الإمامة.

ومفهوم الشرطين هنا أمران:

أ) إذا انتقض وضوؤه عمدا أو جهلا بطلت صلاة المأمومين مطلقا؛ سواء قطع فورا، أو تمادى؛ والجهل في حكم العمد للقاعدة: “الجهل في باب العبادات كالعمد”

ب) إذا انتقض وضوؤه ولم ينصرف فورا وتمادى عمدا بطلت صلاته أيضا مطلقا؛ سواء كان ذلك غلبة أو سهوا.

وفي هذه الحالة؛ إذا بطلت صلاة الإمام وصلاة المأمومين معا؛ فهل يجب عليه أن يخبرهم بذلك حتى يعيدوا الصلاة؟

اختلف المالكية في ذلك إلى قولين:

الأول: قال الإمام مالك وجمهور أصحابه بأن صلاتهم باطلة، كما بطلت على إمامهم؛ فيجب عليه إخبارهم بذلك، وإلا أثم زيادة على إثمه بإمامتهم عمدا وقد علم ببطلان صلاته؛ لقولهﷺ: «الإمام ضامن»(1).

الثاني: لا إعادة عليهم وصلاتهم صحيحة؛ قال به تلميذ الإمام مالك: أشهب بن عبد العزيز، وتلميذ أشهب: محمد بن عبد الحكم، ورُوي أيضا عن ابن نافع الصائغ وهو قرين أشهب في الأخذ عن الإمام مالك (2)؛ وابن القاسم أيضا وإن قال بالمشهور؛ بيد أنه استثنى من ذلك حالة ما إذا أبطل الإمام الصلاة في التشهد الأخير قبل أن يسلم فقال بصحة صلاة المأموم مراعاة للخلاف؛ لأن الحنفية لا يعتبرون السلام ركنا بل واجبا لا تبطل الصلاة بتركه(3)؛ مستدلين بما روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أن النبيﷺ قال: «إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم؛ فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة»، وفي رواية الترمذي وضعفه: «إذا أحدث… وقد ‌جلس ‌في ‌آخر ‌صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته»(4)؛ قال ابن رشد الجد: “وقد راعى ابن ‌القاسم قولهم… فقال: إن الإمام إذا أحدث بعد ‌التشهد، فتمادى حتى سلم بهم متعمدا أن صلاتهم مجزئة؛ يريد: وتبطل عليه هو”(5).

والقول بصحة صلاة المأموم ولو بطلت صلاة الإمام هو أيضا رواية عند الحنابلة(6)؛ ووجه ذلك: أن الأصل صحة صلاة ‌المأموم، ولا يمكن أن نُبْطِلها إلا بدليل صحيح؛ فالإمام بطلت صلاتُه بمقتضى الدليل الصحيح؛ لكن ‌المأموم دخل بطاعة الله، وصلى بأمر الله، فلا يمكن أن نُفْسد صلاته إلا بأمر الله؛ والارتباطات بين صلاة الإمام وصلاة المأموم لا تستلزم أن تبطل صلاة ‌المأموم ببطلان صلاة الإمام وأن كلا منهما يصلي لنفسه؛ وفائدة الائتمام في تكثير الثواب بالجماعة(7).
وبناء على هذا القول؛ فلا يجب على الإمام إخبارهم ببطلان صلاته؛ لأن صلاتهم صحيحة.

الخلاصة: قال ابن عبد البر ملخصا المسألة: “‌‌فيمن صلى بقوم وهو جنب عامدا؛ قال مالك وجمهور أصحابه أنه تبطل عليهم صلاتهم، وذكر محمد بن ‌عبد ‌الحكم عن ‌أشهب أنه لا إعادة عليهم، وقد روي عن ابن نافع مثل ذلك، ولم يختلفوا أنه إن كان ناسيا أنهم تجزئهم صلاتهم ويعيد هو وحده”(8).
وبناء عليه؛ فإن الإمام إذا أبطل صلاته عمدا، أو سهوا فتمادى فيها واستمر عمدا؛ فقد أثم وساء ما فعل ولا ينفعه هنا الاستحياء؛ {وَٱللَّهُ لَا ‌يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّ}(9)؛ ووجب عليه الاستغفار والتوبة لأنه ارتكب كبيرة.

أما حكم إخبار المأمومين ببطلان صلاتهم فهو على نوعين:

1) إن استطاع أن يخبرهم بذلك وجب عليه ما وجد إليه سبيلا؛ أخذا بالمشهور في المذهب، وهذا ممكن في المساجد الصغيرة التي يصلي بها عدد محدود من الناس ومعروفون، أو في المساجد الكبيرة قبل مغادرة الناس المسجد.

2) إن لم يستطع بأن كان ذلك في مسجد كبير ممتلئ بالناس وقد خرجوا من المسجد وتفرقوا شذر مذر؛ بحيث يكون من الصعب أو من المستحيل إيصال الخبر إليهم؛ فيكتفي -مراعاة للخلاف- بالأخذ بقول أشهب وابن نافع ومحمد بن عبد الحكم ورواية عند الحنابلة بصحة صلاتهم دونه، وهو آثم في العمد على كل حال.

والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.


الهامش:

(1) رواه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت: (رقم:517)، والترمذي في سننه: كتاب الصلاة: باب ما جاء أن ‌الإمام ‌ضامن والمؤذن مؤتمن: (رقم: 207)، وهو حديث صحيح.
(2) اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر: (ص126)، والبيان والتحصيل لابن رشد: (2/116)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب: (2/97).
(3) اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للمنبجي الحنفي: (1/218 و219).
(4) سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة: (رقم 617)، وسنن الترمذي: كتاب الصلاة: باب ما جاء في الرجل يحدث في التشهد: (رقم: 408).
(5) البيان والتحصيل لابن رشد: (2/116)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب: (2/97).
(6) الإنصاف للمرداوي: (4/ 96)، والمسائل الفقهية من الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى الحنبلي: (1/141).
(7) الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين: (2/322).
(8) اختلاف أقوال مالك وأصحابه لابن عبد البر: (ص126).
(9) سورة الأحزاب: (الآية: 53).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.