منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الميتافيزيقا بين الدين والعقل عند الغرب

الميتافيزيقا بين الدين والعقل عند الغرب \ ادريس الكنبوري

0

الميتافيزيقا بين الدين والعقل عند الغرب

ادريس الكنبوري

ادعت الفلسفة الغربية أنها طرحت الميتافيزيقا جانبا ولم تعد تؤمن إلا بالعقل؛ وشرط هذا الاطراح أن لا تخوض في الميتافيزيقا؛ لكن الفلسفة الغربية لم تلتزم هذا الشرط. فقد خاضت في الميتافيزيقا خوضا كبيرا؛ ما يعني أنها لم ترفض الميتافيزيقا؛ بل رفضت فقط أن تصدق ما يقوله النص المقدس عنها. وإحدى التناقضات العظمى لهذه الفلسفة أنها أكدت أننا لا يمكن أن ندرك الماوراء؛ لكنها في نفس الوقت تحدثت في الخالق والموت وما بعده وفسرت الوجود؛ كل ذلك بالعقل؛ ما يعني أنها رفضت ميتافيزيقا الدين ووضعت مكانها ميتافيزيقا العقل. نفس الأمور التي خاض فيها النص المقدس خاضت فيها الفلسفة؛ فأين رفض الميتافيزيقا؟.
هيغل نفسه قال إن الدين والفلسفة يتقاطعان في نفس الاهتمامات؛ وإن دور الفلسفة أن تجيب عن القضايا التي يطرحها الدين. لقد رفض إجابات الدين عن نفس القضايا لكنه قبل إجابات الفلسفة عنها.
ولأن العقل الإنساني عقول فقد وجدنا مئات الإجابات عن نفس الأسئلة؛ الإله عند كانط؛ الإله عند هيغل؛ الإله عند ليبنز؛ الإله عند… الخ. آلهة متعددة بتعدد العقول؛ لا يوجد أي تشابه بينها.
من هنا كانت مواقف الفلسفة الغربية من الميتافيزيقا هشة هشاشة مضحكة؛ فلم تقدم إجابة صلبة؛ ومع ذلك هناك الكثير ممن يؤمن بها. ولو فحصنا الأمر فحصا قويا لوجدنا في الفلسفة الغربية نزعة فرعونية “لا أريكم إلا ما أرى”؛ بل لوجدنا نزعة وثنية؛ ترسم لك طبيعة الإله من خلال حذلقات كلامية وسفسطة عقلية؛ والفرق بينها وبين الوثنية أن الوثنية ترسم لك الإله على شكل صنم؛ بينما ترسم لك الفلسفة الإله على شكل فكرة فلسفية.
لذلك كانت الفلسفة الملحدة التي تنفي الإله أفضل من الفلسفة المؤمنة التي تثبته.
في المقابل كانت الفلسفة الإسلامية أكثر صلابة لأنها انطلقت من مرجع؛ وقيدت العقل بالمرجع ولم تتركه آلة تعمل في كل تجاه بدون هدف؛ لذلك كان مفهوم الإله مفهوما واحدا منذ نزول الوحي إلى اليوم؛ فلا تجد مفهوما عند الغزالي وآخر عند ابن رشد وثالثا عند الفارابي مثلا؛ بل هو مفهوم واحد؛ وإن اختلفوا ففي الأسماء والصفات فحسب. لقد ادعت الفلسفة الغربية أنها ستحل مشكلة الميتافيزيقا؛ لكنها ضاعت في أسئلة لا نهاية لها ولا جواب إلى يوم القيامة. فهي رياضة عقلية لا تقدم جوابا. إنها رياضة تعلمك كيف تخوض المنافسات لكنها لا تعلمك كيف تفوز.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.