منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مقاصد الحج

مقاصد الحج / عثمان أولادموح الصديق 

0

مقاصد الحج

بقلم: عثمان أولادموح الصديق 

الحج ركن من أركان الإسلام، لهذا أكد القرآن الكريم على مكانته العظيمة، وبينت السنة النبوية أهميته شارحة ومؤكدة على هذه المكانة الجليلة في الإسلام.

وإذا عدنا إلى السنة النبوية نجد نصوصا شاهدة على هذه الأهمية منها ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ».

وجاء عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ»، قَالَ: وَمَا بِرُّهُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ».

كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: «خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، أَوْ كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ».

وإذا كان للحج كل هذه المكانة والأهمية في الإسلام، فإن له مقاصد جليلة، “فالحج اختيار وتقوية وتدريب لقدرة المؤمن على ضبط شهواته وجوارحه، أشد ما يكون الجسم تحملا لمشقات التنقل، وأشد ما تكون النفس حرجا من الغربة والزحمة.”[1] فإليك يا أيها المومن الحاج بعض مقاصده:

المقصد الأول: ذكر الله عز وجل

في آيات الحج الأمر بذكر الله خمس مرات، حيث يتكرر الأمر بذكر الله واستغفاره في هذا السياق من سورة البقرة قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} إلى أن قال عز من قائل: {إِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضالين ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً }. إلى أن قال عز وجل من قائل: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. (البقرة، الآيات: 203-197). الذكر الشامل دعاء، صلاة، طواف، سعي بين الصفا والمروة، قراءة القرآن، النظر إلى الكعبة….

الحج شرعه الله لشهود المنافع ولذكر الله في تلك الأيام المعلومات أيام المحبة والفرح بالله وبأخوة الإسلام.

المقصد الثاني: التقوى ومراقبة الله الذي إليه نحشر

قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (203) غاية العبادة للمكلف حصول التقوى في كل عبادته يقول الله تبارك وتعالى “يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون” البقرة الآية 21.

المقصد الثالث: تربية للروح الجماعية، لرابطة الأمة الواحدة

يقول الإمام عبد السلام ياسين “ويجمع الحج في مكان وزمان محدديْن كافة المسلمين ليُشعِرهم أولا أنهم في الدنيا عابرو سبيل، يذكرهم لباسُ الإحرام بكفن الموت، ويذكرهم شظف الحياة وشَعَثُ الحالة الجسدية وتعب التنقل والحمْل والحط أن الدنيا دار امتحان وتَعب لا دار استرواح ومتعة..” [2]الوقوف بعرفة في بقعة واحدة وفي يوم واحد وفي اتجاه إيماني واحد. من بلدان شتى بلغات وألسنة شتى اجتمعت على كلمة التوحيد، توحيد القلوب والعقول بألسنة شتى في خط واحد مركزه الكعبة طوافا، وسعيا بين الصفا والمروة، وإرواء لضمأ القلوب بماء زمرزم بلباس واحد كأنه يوم الحشر، مشهد للتاريخ والعبرة.

المقصد الرابع: تحصيل منافع التعارف والصحبة

قال تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍلِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) والمقصود بالمنافع منافع الدنيا والآخرة، أي منفعة أعظم للمسلمين من جمع شملهم ليتأتى لكل منهم ذكر الله ومعرفته ليتأتى للأمة أن تسمع رسالة ربها للعالم، وتكون بوحدتها من القوة بحيث يحترم صوتها ويقدر. ويقول جل في علاه أيضا “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “الحجرات الآية13.

المقصد الخامس: التدريب على الصبر

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في “من قرأ الإسلام وفِقْهَهُ الدقيق في شؤون الطهارة وحركات الصلاة وأوقات العبادات وطواف الحج وضَبط الصيام وآداب الفطرة ومعه ثقافة وثنية راسبة سائبة عائبة لا يفهم هذا التهمم البالغ بالجسم البشري إلا كما يتصور قيودا بالية على جسم الإنسان “[3] يتدرب الحاج على امتلاك خصلة الصبر في تؤدة مستعينا بها على أداء ما افترضه الله عليه يقول الله تعالى “واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين “ البقرة الآية 45 فالأمر بالاستعانة بالصبر، لأن الصبر ملاك الهدى، فإن تدرعوا بالصبر سهل عليهم إتباع الحق.

المقصد السادس: نشر الدعوة

من مقاصد الحج إفشاء روح التجديد في الشعوب الإسلامية الممثلة في الموسم بمستضعفيها يقول عبد السلام ياسين: “هذه الوحدة الشعبية في الحج ومسجد التبليغ، وتلك المحاولات المؤتمرية نبضات غائضة للشعور الإسلامي النائم الضبابي. ولن تكون لنا وحدة إلا بقيادة دعوة منظمة تؤمن بالغيب وتعبد الله وتسبحه ويقرأ باسم ربها جامعة الربانية من أطرافها، عالمة مربية رفيقة، ليس مطية العاطفية الساذجة ولا ضحية العقلانية والاحتراف”[4].الحج موسم تلتقي فيها الأمة الإسلامية وهو فرصة لنشر دعوة الله الناصحة الفاضحة، ناصحة لأهل الخير على السلوك مع طريق الحق، تثبيتا ونصحا وإرشادا لأداء مناسك الحج، وفضحا للباطل بالكلمة الطيبة وحسن الخلق للباطل وجنوده، الذين يغرسون اليأس في الأمة والانبطاح.

إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها فردا وجماعة شيبا وشبابا، نساء ورجالا، بوسائل الرفق، فما أتى الرفق على شيء إلا زانه، زينه وحببه للناس بالوجه الباش والكلمة الصادقة، كان عليه الصلاة والسلام البشر على وجهه والحزن في قلبه.

المقصد السابع: الجهاد بالنسبة للنساء

قاتلت الصحابيات رضي الله عنهن جنبا إلى جنب مع الصحابة. قاتلن وليس القتال عليهن فرضا. استأذنتْ عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: «جهادكن الحج». رواه عنها البخاري. وروي عنها أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه عن الجهاد فقال: “نعم الجهاد الحج”.

وأسمى هذه المقاصد تحرير الحرمين من مظاهر الترف الذي يصنعه المستبدون، فيعود إلى الحج معناه الذي كان له في حجة رسول الله صلى الله وعليه وسلم وفي حجات خلفائه الراشدين. كل هذه المقاصد التي ذكرنا يغشاها ويحجبها رماد التنافس على الدينا، ومظاهر السياحة المترفة، التي تبذر الأموال على الموائد الفاخرة فيما يسمى الحج من الدرجة الأولى، مع غياب شروط الكرامة تحت الخيام المكدسة بباقي الحجاج المستضعفين.

يبقى الحج هو الركن الركين الذي جمع كل العبادات، ومنه وإليه تجتمع الأمة الإسلامية في صعيد واحد متضرعين إلى المولى عز وجل.


[1] ـ عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 442.

[2] عبد السلام ياسين، كتاب الشورى والديمقراطية، ص 152.

[3] عبد السلام ياسين، كتاب الإحسان، الجزء الثاني، ص 113.

[4] عبد السلام ياسين، كتاب الإسلام غذا، ص 928.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.