منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الصلاة قرة عين المؤمن

الصلاة قرة عين المؤمن/ عبد الغني الخنوسي

0

الصلاة قرة عين المؤمن

بقلم: عبد الغني الخنوسي

 

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[[1]]

جعل الله عز وجل قرة عين رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الصلاة «وجُعِلتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ»[[2]]، فالصلاة معراج الروح من تثاقل الأرض وحظ ودعة دنياها، إلى حضرة نعيم الله عز وجل ومعية الأنس به سبحانه، حيث الراحة والسكينة الربانية، «يَا بِلاَلُ، أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنَا بِهَا»[[3]].

وما أبلغ وأدق قول الناصح الأديب عباس محمود العقاد: ”دعوة تلتقي فيها الأرض والسماء، ويمتزج فيها خشوع المخلوق بعظمة الخالق، وتعيد الحقيقة الأبدية إلى الخواطر البشرية في كل موعد من مواعد الصلاة، كأنها نبأ جديد.

الله أكبر، الله أكبر. تلك هي دعوة الأذان التي يدعو بها المسلمون إلى الصلاة، وتلك هي الدعوة الحية التي تنطق بالحقيقة الخالدة ولا تومئ إليها، وتلك هي الحقيقة البسيطة غاية البساطة، العجيبة غاية العجب؛ لأنها أغنى الحقائق عن التكرار في الأبد الأبيد، وأحوج الحقائق إلى التكرار بين شواغل الدنيا، وعوارض الفناء.

المسلم في صلاةٍ منذ يسمعها تدعوه إلى الصلاة؛ لأنه يذكر بها عظمة الله، وهي لب لباب الصلوات“[[4]].

وقد أبدع الحكيم الرافعي حين وصف أثر روحانية الصلاة بقوله: ”وبالجلسة في الصلاة وقراءة التحيات الطيبات، يكون المسلم جالسا فوق الدنيا يحمد الله ويسلم على نبيه وملائكته ويشهد ويدعو.

وبالتسليم الذي يخرج به من الصلاة، يقبل المسلم على الدنيا وأهلها إقبالا جديدا من جهتي السلام والرحمة.

هي لحظات من الحياة كل يوم في غير أشياء هذه الدنيا؛ لجمع الشهوات وتقييدها بين وقت وآخر بسلاسلها وأغلالها من حركات الصلاة، ولتمزيق الفناء خمس مرات كل يوم عن النفس؛ فيرى المسلم من ورائه حقيقة الخلود، فتشعر الروح أنها تنمو وتتسع. هي خمس صلوات، وهي كذلك خمس مرات يفرغ فيها القلب مما امتلأ به من الدنيا“[[5]].

وقد أنعم الله عز وجل على أمة الإسلام فرزقها فريضة الصلاة بروحانيتها وسكينتها، فربت عليه نشئها وأولادها وبناتها، فحافظت على هذه الأمانة والرابطة النبوية القلبية والركن الأساس من أركان الإسلام، وهو ما يفسر محدودية حالات الانتحار والأمراض النفسية والسلوكية في مجتمعاتنا مقارنة مع المجتمعات الأخرى؛ هذا الاطمئنان والاستقرار الروحي مبعثه نور الصلاة وسكينتها، الذي يطرد خيالات النفس ووساوسها، ويحصن المسلم من مكايد الشيطان وعقده.

تلا رسولُ اللهِ  ﷺ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ﴾[[6]]، فقالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ انْشِرَاحُ صَدْرِهِ؟ قَالَ ﷺ: إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ، قَالُوا: فَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال ﷺ: الإِنَابَةُ إلَى دَارِ الخُلودِ، والتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرورِ، والاسْتِعْدَادُ لِلْمَوتِ قَبْلَ نُزُولِهِ»[[7]].

ويتحقق الانشراح والانفساح القلبي لمن يفزع إلى الصلاة، خاشعا محبا نشطا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِ، وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[[8]].

يروى أن الإمام أبي الحسن الشاذلي رحمه الله كان يحضره فقهاء الإسكندرية فسألهم مرة فقال لهم: ”هل صليتم قط؟ فقالوا: يا شيخ وهل يترك أحدنا الصلاة؟ فقال لهم: قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾[[9]].  فهل أنتم كذلك؟ إذا مسكم الشر لا تجزعوا، وإذا مسكم الخير لا تمنعوا؟ فسكتوا جميعا، فقال لهم: فما صليتم قط هذه الصلاة“[[10]].

وصلاتنا وجميع عباداتنا قد تكون ناقصة، فيحس العبد وهو منطرح في محراب العجز والتبأس والافتقار بضعفه وحاجته، لكن فضل الله أعم وعطاؤه أوسع، وقد عبر الإمام ابن عطاء الله السكندري عن هذه الحقيقة في حكمه البليغة حين قال: ”إنك تُصلي على قدر وسعك وهو سبحانه يُصلي على قدر ربوبيته“[[11]].

”إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها إن قل عملك، فإنه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك، ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك، والأعمال أنت مهديها إليه، وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك“[[12]].

فليحرص كل منا على الاستقامة عبادة وأخلاقا وعملا صالحا نافعا خالصا، وعلى دوام اللبث في محراب بيت الله عز وجل، فهو الباب الموصل إلى خير الدنيا والآخرة، كما أوصانا سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه حيث قال: ”إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا، فإنه يمر بك على نصيبك من الدنيا فيتنظمه لك انتظاما، فيزول معك أينما زلت“[[13]].

قال الله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَّحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾.[[14]]


[1]– الأنعام، الآيتان 162، 163.

[2]– أخرجه الإمام النسائي (3939)، والإمام أحمد (14069) باختلاف يسير، والإمام البيهقي (13836) واللفظ له.

[3]– أخرجه الإمام أبو داود في سننه (4985).

[4]– عباس محمود العقاد، داعي السماء: بلال بن رباح مؤذن الرسول، ص 71.

[5]– الرافعي، مصطفى صادق، وحي القلم، ج 1، ص 8.

[6]– الأنعام، الآية 125.

[7]– أخرجه الإمام ابن أبي الدنيا في “ذكر الموت”؛ تفسير الطبري، ج 12، ص 99.

[8]– البقرة، الآية 45.

[9]–  المعارج، الآية 19، 20، 21،22.

[10]– ابن عطاء الله السكندري، تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس، ص 104.

[11]– نفس المصدر، ص 108.

[12]– ابن عجيبة الحسنى، إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ص 27.

[13]– مصنف الإمام ابن أبي شيبة، ج 8، ص 186.

[14]– طـه، الآية 132.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.