لماذا التيامن بالسلام في الصلاة يكون عند النطق بالكاف والميم من “عليكم” عند المالكية؟
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد؛ فقد سئلتُ عما اشتهر في كتب المالكية المتأخرين؛ من أن التيامن بالسلام في الصلاة إنما يكون عند النطق بالكاف والميم من “عليكم”؛ فما دليلهم على ذلك؟ أم هذا مجرد اجتهاد ورأي لا غير؟
- الجواب وبالله التوفيق:
التيامن هو: الميل إلى جهة اليمنى عند الخروج من الصلاة بالسلام بقدر ما تُرى صفحة وجهه تنبيها على الخروج من الصلاة(1)؛ وهو من مستحباتها، وليس فرضا ولا شرطا؛ فلو تياسر ثم تيامن لم تبطل صلاته؛ لما روى أبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال : قال رسولُ اللهﷺ: «مفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(2)، وهذا ليس شرطا؛ إذ لم يقلﷺ وتحليلها التيامن، هذا هو المشهور عند المالكية؛ وقال ابن شعبان: تبطل؛ لأنه غَيَّر السلام المعهود من النبيﷺ(3).
وقد اشتهر في كتب المتأخرين من المالكية -كما جاء في السؤال- أن التيامن إنما يكون عند النطق بالكاف والميم من “عليكم”، ولعل أول من قال بذلك هو الإمام الكبير أبو محمد صالح الهسكوري الفاسي المغربي المالكي(ت653هـ)؛ لأن جل الكتب الفقهية إنما تنقل ذلك عنه(4).
ودليله في ذلك أمران:
- الأول:
إذا علمنا أن الالتفات في الصلاة مكروه؛ بل يعتبر جرحة في صاحبه؛ قال الشيخ خليل في سياق تعداد قوادح الشهادة: “وبالتفاته في الصلاة”؛ لأن ذلك يؤذن بالاستخفاف بقدرها(5)؛ لما أخرج البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: قالت: «سألتُ النبيَّﷺ عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد»(6)؛ قال ابن عاشر في منظومته:
وكرهوا بسملة تعـــــوذا***………………. إلى أن قال:
وعبث والالتفات والدعاء*** أثنا قراءة كذا إن ركعا
فإذا علمنا ذلك فإن من تيامن قبل الانتهاء من النطق بالسلام يخشى عليه الوقوع في الالتفات المكروه الذي يكون جرحة في صاحبه.
- الثاني:
إذا علمنا أن التيامن هو من مستحبات الصلاة كما سبق؛ فإن من تيامن بعد الانتهاء من النطق بالسلام يخشى عليه أن يوقع أحد مستحبات الصلاة خارجها وذلك أيضا مكروه.
والمخرج من الأمرين إنما يكون في التيامن المصاحب للانتهاء من السلام، وآخر السلام هو الكاف والميم من “عليكم”. والله أعلم.
الهوامش:
(1) الذخيرة للقرافي: (ج2 / ص175)، والثمر الداني شرح رسالة القيرواني لصالح بن عبد السميع الآبي: (ج1 / ص125).
(2) جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير: (ج5 / ص429).
(3) الذخيرة للقرافي: (ج2 / ص201).
(4) حاشية العدوي على شرح الرسالة: (ج1 / ص352)، وشرح مختصر خليل للخرشي: (ج1 / ص288).
(5) الشرح الكبير للدردير: (ج4 / ص182)، وحاشية محمد الطالب على شرح ميارة: (ج1 / ص175)
(6) جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير: (ج5 / ص494).