استراتيجية الإقناع في الحوار السياسي -كتاب «ذاكرة ملك» أنموذجا-
استراتيجية الإقناع في الحوار السياسي -كتاب «ذاكرة ملك» أنموذجا-/ إبراهيم الطاهري
استراتيجية الإقناع في الحوار السياسي
-كتاب «ذاكرة ملك» أنموذجا-
The persuasion strategy in political discourse: “A king’s memory” book as a case study
ذ. إبراهيم الطاهري
باحث بسلك الدكتوراه – جامعة القاضي عياض – مراكش – المغرب
ملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى استقصاء معظم الأدلة الإقناعية التي اعتمدها الملك الحسن الثاني في العملية التحاورية التي وردت في كتابه «ذاكرة ملك» والتي وظفت بهدف التأثير في المتلقي وإقناعه من جهة، وإبراز قدرته على الانفتاح على سياقات معرفية أخرى سواء تعلق الأمر بالشواهد اللغوية، أو الدينية أو التاريخية، فضلا عن الحجج العقلية والعاطفية وغيرها من تلك الحجج التي شكلت في مجملها موادا بيانية إيضاحية، وهو الشيء الذي سنبرزه من خلال تحليلنا لأمثلة تطبيقية متعلقة بهذا الصدد تحت ما يسمى باستراتيجية الإقناع في الحوار السياسي.
كلمات مفتاحية: الإقناع، الحوار، السياسة، ذاكرة ملك.
Abstract:
The critical goal of this study is to investigate most persuasive evidence that King Hassan the Second used in the dialogic process appeared in his book “King’s memory”. On the one hand, it is used to influence the receiver and convince him, and on the other hand, it is used to bring out his capability to be open on many other knowledge contexts whether it is related to linguistic, religious, or historical arguments in addition to rational or sentimental arguments that in whole shape rhetorical tools. This study, then, analyses persuasion strategy in political discourse through practical examples from this book.
Keywords: Persuasion, Discourse, Policy, King’s Memory, Hassan the Second, Morocco.
تقديم:
تتعدد الخطابات الإنسانية كما تتعدد أشكالها ومضامينها التي تجتمع فيها تقنيات التخاطب جملة واحدة، وتبقى اللغة والأسلوب من أهم عناصر كل خطاب متسق قابل للتأويل والممارسة النقدية من جهة، وللتلقي و????????الاقتناع به من جهة ثانية، والخطاب الحواري السياسي من الخطابات التي تبنى وفق آليات وتقنيات تسمح للمتكلم باستمالة السامع والتلاعب بإدراكه وبالتالي إقناعه والتأثير فيه؛ خصوصا إذا ما تفاعل فيها ما هو لغوي بما هو فكري ثقافي وما هو نفسي واجتماعي وتاريخي أيضا.
ويشكل الخطاب الحواري السياسي-انطلاقا من هذه الأسس-ممارسة إقناعية تزخر بأشكال تواصلية لغوية وغير لغوية تتسم بالحركية والتفاعل مع الآخر؛ أي المتلقي الذي يعد عنصرا مهما في تأسيس نوع الخطاب، لتنطلق هذه الدراسة من إشكالات أهمها: ما الإقناع وما هي آلياته؟ وكيف استطاع الراحل الحسن الثاني استثمار هذه الآليات في عملية التأثير على إدراك المتلقي؟
تكمن الغاية من هذه الدراسة إذن؛ في محاولة الإجابة عن الإشكالية السالفة وفق منهج وصفي تحليلي يسعى إلى تحليل الكتاب تحليلا موضوعيا من خلال دراسة بعض مضامينه التي تتخذ من حجِّية الدليل والبرهان استراتيجية إقناعية وفق محورين كبيرين، تماشيا مع ما يصبو إليه الموضوع المدروس؛ ففي المحور الأول عينا مجموعة من المفاهيم النظرية التي تعتبر الركيزة الأساس التي تقوم عليها الدراسة.
ويأتي المحور الثاني ساعيا إلى إبراز بعض العناصر الإقناعية التي تضمنها النص الحواري قيد الدراسة؛ أولها يكشف عن بعض الآليات البلاغية التي استعان بها المخاطب في حواره، وثانيها: يبرز جملة من عناصر الاستدلال الحجاجي التي توسل بها الملك الراحل في حواره، أما ثالث هذه العناصر فيبرز بعض وسائل الإقناع عن طريق أساليب التناص المختلفة باختلاف سياقات التخاطب، وعلى العموم فقد شكلت كل العناصر المعتمدة دعامة إقناعية في الحوار أماط من خلالها المتحاور اللثام عن حقائق تاريخية وسياسية هامة.
أولا: الإطار النظري
يعد الحوار السياسي فعلا تناظريا؛ إنه عبارة عن بنى لغوية تواصلية مرتبطة بما هو واقعي، بُنى لا تخلو من أبعاد جمالية ودلالية تحتاج إلى مرسل ومتلق بارعين لفك شفراتها، إذ كل واحد منهما يحاول استجلاء ما يخفيه الآخر من أفكار وآراء وتصورات ومشارب فكرية وثقافية وسياسية من ناحية، ومن ناحية ثانية ما يمتلكه من قدرات في نسج المادة الخطابية الذاتية والموضوعية.
وتتفق النظرة اللغوية والاصطلاحية على أن الحوار يعني المراجعة في الكلام؛ أي إنه «نوع من الحديث بين شخصين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر..»[1]. عتمد فيه على الفاعلية بين المتحاورين إذ يمكن لأحد أطرافه أن يكون في وضع مُستفسِر أو مبَرْهِن أو داحِض، وقد يكون العكس حسب ما يقتضيه مقام التجاوب بينهما.
هذا؛ ويعتبر الحوار-أيضا-أسلوبا من أساليب التواصل الرامية إلى الوصول إلى حقيقة شيء ما وتبيانها بالاعتماد على العقل والعلم والمعرفة وغيرها من أساليب الإقناع الأخرى، يقول الدكتور صالح حميد: «الحوار مناقشة بين طرفين أو أطراف يقصد بها تصحيح كلام، وإظهار حجة، وإثبات حق، ودفع شبهة، ورد الفاسد من الرأي والقول.»[2].
ويمكن أن يقترن فعل الحوار بفعل السياسة التي تعتبر بعدا إنسانيا، وشكلا من أشكال الخطاب؛ فهي مفهوم يتسع نطاق استعماله قديما وحديثا؛ فساس بمعنى قاد ودبر شؤون الحكم والسلطة وفق آليات وعناصر استراتيجية، تسمح باستمالة الآخر واستقطابه، وبالتالي كسب قبوله وتأييده، وهذا لا يتأتى للسياسي إلا إذا كان يمتلك ناصية الإقناع الذي يدل على الرضا والقبول والاكتفاء، وجعل المرء يقبل ويطمئن إلى الفكرة أو الرأي المعروض، نقول أقنعه بالحجة والدليل أي: «جعله يطمئن ويسلم بما أراده له، وأقنع بصدق نياته أو رأيه كسب وضم شخصا إلى صفه بالإقناع، واقتنع بصحة رأي خصمه، أي رضي بعد نقاش.»[3].
إذن فالإقناع «واحد من الحالات الأساسية للتواصل، وذلك تبعا لكون القصد هو إحساس أو حالة أو نظرة خاصة إلى العالم أو إلى الذات، أو الإخبار أي الوصف الموضوعي إلى أقصى درجة لمقام ما، بالإضافة إلى ذلك فالإقناع؛ يعني التوجه إلى المستمع بالمبررات المقبولة لتبني رأي ما»[4]، وجعله يدعن لما يلقى عليه من أفكار مختلفة.
يحتاج السياسي إذن؛ إلى آليات إقناعية لا تخلو من معرفة ودراسة، بل ويحتاج إلى نهج خطة تبين كيفية تناوله للموضوع، وتبرز طريقة تعامله مع مختلف الخطابات ككل، خطة استراتيجية «تختلف فيما بينها اختلافا نسقيا، تختلف في حصر الموضوعات ووصلها وفصلها وربطها، وتفريع بعضها من بعض، كيفيات تختلف في أشكال العبارات في اختيارها وتنصيبها وإنشاء مجموعات وتركيبها في وحدات بلاغية كبرى(..) بل هي أساليب مسطرة وقابلة لأن توصف من حيث هي كذلك للشروع في توظيف إمكانيات الخطاب واستثمارها.»[5].
إذن فهو يحتاج إلى آليات لسانية وأخرى سيمائية تتجاوز مراحل التعبير العادي إلى التعبير المقنع المبنى على الأدلة والحجج الدامغة؛ «فالسياسة لعبة الكلمات، فيتقلد السياسيون السلطة من خلال تلاعبهم بالكلمات ودرجة الإقناع عندهم(..) يوظفون بذكاء أو بدهاء الرموز اللفظية في لغتهم السياسية، وهي ليست سياسة بألفاظها بل بالمعلومات التي تنقلها، وبالمحيط الذي يحدث فيه الاتصال.»[6].
ويأتي كتاب ذاكرة ملك-أنموذج هذه الدراسة-ليكشف عن بعض الأسس الإقناعية التي استقت مادتها من معارف مختلفة هي بمثابة «رؤية فلسفية منتقاة؛ ذات بعد فكري، ونهج سياسي ومنحى اقتصادي واجتماعي وفضاءات ثقافية يعجز عنها أبدع الذين فاقوا غيرهم في تبسيط النظريات ولم تُواتهِمْ الفرصة للتطبيق.» [7].
ونجد صاحب المدونة – الملك الحسن الثاني(ت1999م) في هذا النص التخاطبي – بموسوعيته الثقافية وقدرته على تطويع اللغة، نجده «يجول في سماء العالم بمداه الواسع ودهاليزه، ويجمع تحليل المنظر، وحصافة المجرب، وإدراك رجل الأقدار، فلا تخونه عبارة ولا تعجزه مسألة، ولا توقفه شاردة، ثم مع ذلك كله يرسم لك خطا بيانيا من الأفكار والرؤى.»[8]، بمختلف الألوان اللغوية والمعرفية المفعمة بالتصوير الآليات الإقناعية المعززة بالوقائع والمرافعات القانونية والأرقام وغيرها من الوسائل التي تجعل المتلقي يعيش الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل بأسلوب شائق رائق.
ثانيا: الإطار التطبيقي
1- أساليب بلاغية في الحوار السياسي:
تعتبر اللغة وعاء واسع الدلالات والأبعاد، والاستعمالات والوظائف التي تختلف حسب السياق أو الوضعية التلفظية، أما البلاغة فعنصر لغوي هام لا يمكن للعملية التواصلية القائمة بين المرسل والمتلقي أن تقوم إلا بوجودها، لتكون بذلك من مقومات لغة التخاطب، ووسيلة من وسائل الإقناع التي يعتمدها المتكلم في تعبيره، قال العسكري: «البلاغة كل ما تبلغ قلب السامع فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك، مع صورة مقبولة ومعرض حسن.»[9].
ويأتي الناظر في متن كتاب ذاكرة ملك على عدة أدلة إقناعية بلاغية توسل بها المحاور في حواره السياسي؛ فجماع البلاغة كما قال الجاحظ(ت255ه): «البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة.»[10]. ولعل ما اتخذه المحاور من أساليب مختلفة؛ سياسة بيانية حجاجية تتفق-جملة-في دورها الوظيفي القائم على الإقناع والتأثير، وإظهار الحقائق وتوضيحها أو تفسيرها بما ينسجم وسياق التحاور.
أ- أسلوب التشبيه:
يؤدي أسلوب التشبيه دورا كبيرا في إبراز المعاني، كما يؤدي -أيضا- دور إشراك أمر لأمر في معنى؛ إنه لون من الألوان التعبيرية التي يمكن أن تعمد إليها نفوس المتلقين «بالفطرة حين تسوقها الدواعي إليه يستوي في ذلك العرب والعجم، والخاصة والعامة، فهو من الصور البيانية التي لا تختص بجنس ولا لغة، لأنه من الهبات الإنسانية والخصائص الفطرية والتراث المشاع بين الأنواع البشرية جميعا، ذلك أن أساسه هذه الصفات المشتركة، أو المتشابهة، أو المتضادة التي يراها الإنسان في الأشياء، ويترتب على ذلك استساغته استعمال الألفاظ بعضها مكان بعض تجاوزا.»[11].
ويهيمن هذا الأسلوب بشكل قوي على مدونة الكتاب؛ فهو استراتيجيات إقناعية تسهم في البيان والإفهام والتأثير، ومن الأدلة التي استثمرها صاحب المدونة-أنموذج الدراسة-قوله: «لقد كنتُ في وضع التلميذ الذي يطبق على نفسه عقوبة مدرسية.»[12]، وقوله في موضع آخر: «وأصبحتُ ضائعا ككرةٍ وسط ميدان يقدف بي من اليسار إلى اليمين ومن أعلى إلى أسفل.»[13]. ففي هذه الشواهد يصور المتكلم للمتلقي مشهدا يعكس ظرفا زمنيا نفسيا عاشه في لحظة زمنية بفعل عوامل مختلفة قد لا يسعنا الحديث عنها في هذه الدراسة، وتكمن حجاجية هذا الأسلوب في هذا الموضع في كونه قائم على التشبيه والتمثيل، حيث جعل منه المتكلم مقياسا لغيره، فصارت وظيفته لا تنحصر فيما هو بياني فقط «وإنما أن يميل بخاطر الإنسان أبدا كما هو قارٌّ عنده، والمثل ينتصب بقوة كالشاخص على القضية المطروحة في الخطاب.»[14].
ويحضر هذا الأسلوب الإقناعي في مواضع أخرى متصلا ببعض القضايا السياسية التي شهدها الملك الراحل، ومن أمثلته ما قاله حول ارتقائه عرش الحكم: «أما ارتقاء العرش فشبيه بوضع صاروخ ذي طابقين، بحيث يجب على المرء أن ينسحب من الطابق الأسفل طالما أنه يستهدف الوصول إلى المدار والتأهب للتخلص من الجاذبية.»[15]. وتتجلى إقناعية الدليل البلاغي في هذه الصورة التشبيهية في كونه قد حقق أثرا في ذهن السامع لاسيما وأن الصورة تشكلت بنيتها من طرفي تشبيه-مشبه ومشبه به-مما أسهم في توسيع دائرة التأثير اللغوي، وذلك لأن اللغة هي الركيزة الأولى في بناء المعاني الداخلية للمتكلم التي بها يتشكل سلوكه، ويواجه العالم الخارجي، كما يجعلها تنعكس بشكل جلي على سلوك المتلقي، وهنا «ينكشف وجه الإقناع الذي تتبناه هذه الاستراتيجية في تغير المعاني الداخلية وتعديلها للأفراد عن طريق اللغة الحاملة لمعاني جديدة.»[16].
ونجد المخاطب – في موضع ثالث – يشبه الفعل السياسي بأحوال الطقس معتمدا على الإيحاء والترميز في قوله: «ذلك أن السياسة تشبه شيئا من أحوال الطقس إذ يمكن التقدم في اليوم الصحو أو في اليوم الدجن، وفي كلتا الحالتين لا مناص من اختراق غيوم المستقبل.»[17]. وفي هذا الكلام تمثيل دينامي شبه مشخص يجلي امتلاك المتكلم لطرق التعبير وقدرته على التصوير، والصورة-كما معلوم-وجه من وجوه الدلالة «تنحصر أهميتها فيما تحدثه في معنى من المعاني من خصوصية وتأثير.»[18]
وشبه الملك الراحل السلطة بالرحى قائلا: «فالسلطة كما تعلمون شبيهة بالرحى، فإن لامسها المرء بلطف صقلته، وإن هو على العكس ضغط عليها بقوة مزقته إربا إرَبًا.»[19]. وفي هذا القول نوع من القياس استدل به لإيقاع التصديق والتأثير حيث جاء بمعنى، ثم أكده بمعنى آخر «يجري مجرى الاستشهاد على الأول، والحجة على صحته.»[20].
ومن صور أسلوب التشبيه أيضا قول صاحب الذاكرة «إن المغرب أسد ينبغي قيادته بزمام ولا يجب تحسيسه بأنه مشدود بسلسلة من حديد.»[21]. ومقتضى مقام القول في هذا المثال جعل الواصف يعتمد على صورة تشبيهية قوية من حيث دلالة الاشتراك بين طرفي التشبيه؛ وهي صورة أطلق عليها رواد البلاغة اسم التشبيه البليغ الذي «يعد من أكثر الأنواع تأثيرا في السامع.»[22]، وقد سماه ابن الأثير(ت673ه) بالتشبيه المضمر الأداة حين قال: «والتشبيه المضمر أبلغ من التشبيه المظهر وأوجز، أما كونه فلجعل المشبه مشبها به من غير واسطة أداة، فيكون هو إياه(..)وأما كونه أوجز فلحذف أداة التشبيه منه.»[23].
ب- أسلوب التقسيم:
يقول أهل البلاغة في علاقة هذا الأسلوب البديعي بالكلام: «أن تُقسّم قسمة مستوية تحتوي على جميع أنواعه، ولا يخرج منها جنس من أجناسه.»[24]. وقد عرفه ابن الأثير(ت637ه) في المثل السائر بقوله هو: «ما يقتضيه المعنى مما يمكن وجوده، من غير أن يترك منها قسم واحد، وإذا ذكرت قام قسم منها بنفسه، ولم يشارك غيره، فتارة يكون التقسيم بلفظة إما، وتارة بلفظة بين كقولنا بين كذا وكذا، وتارة بلفظة منهم كقولنا منهم كذا وكذا، وتارة أن يذكر العدد المراد أولا بالذكر ثم يقسم كقولنا: فانشعب القوم شعبا أربعة، فشعبة ذهبت يمينا، وشعبة ذهبت شمالا، وشعبة وقفت بمكانها، وشعب رجعت إلى ورائها.»[25].
ويحضر هذا الأسلوب في المدونة قيد الدراسة في مواضع مختلفة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول الحسن الثاني في معرض كلامه الحواري عن الأحداث السياسية التي كان لها وقع في نفسه، يقول: «تأثرت بحدثين أولهما مر كلمح البصر كان ذلك عام (1937م) وكان عمري آنذاك ثمان سنوات برفقة والدي وهو يزور باريس(..) أما الحدث الثاني الذي أثر في أيضا فيعود إلى عام (1940م) لقد لاحظت آنذاك حالة قلق تنتاب والدي.»[26]. ومثل ذلك يقول في موضع آخر: «وأظن أنه يمكن ترتيب أصحاب الأفكار السياسية في ثلاث فئات: هناك الهائجون، فالمهيجون، ثم رجال الدولة، لقد كان السواد الأعظم من الفئة الأولى، أما المهيجون فإنهم يثيرون ضجيجا صاخبا في حين يظل بروز رجال الدولة في حاجة إلى وقت.»[27].
يجد المتمعن في الشاهدين الأول والثاني-على السواء-أن أسلوب التقسيم العددي قد ذكر فيهما مؤديا وظيفة تأثيرية فعالة تستميل عقل المتلقي وتجعله يسلم بما يعرض عليه بشتى قواعد الخطاب، وتلك استراتيجية لغوية إقناعية توسل بها المخاطِب في معرض تحاوره للتدليل على ما اختياره من وسائل يمكنها أن توصله إلى غايته المرجوة.
لقد اتسمت الشواهد اللغوية التي توسل بها المخاطب في حواره السياسي بطابعها البلاغي البسيط إن على مستوى المعاني والدلالات، أو على مستوى فصاحة الألفاظ المنتقاة، ويمكن للقارئ أن يلحظ أن لغة الخطاب السياسي الحوار في مدونة كتاب ذاكرة ملك قد تميزت بطابعين اثنين: أولهما: إخباري تقريري؛ وهو المهيمن تماشيا وسياق الموضوعات التي أثيرت في متن هذه المدونة من أولها إلى آخرها، والتي تعكس أحداثا ووقائع سياسية واجتماعية وفكرية وأيديولوجية.
وتتميز لغة هذا النوع من الخطاب-أيضا-بطابع ثاني يغلب عليه الإيحاء والوصف والتصوير من جهة، والتوسل بأساليب لغوية مختلفة من قبيل: الاستفهام والتوكيد والنفي والاستدراك وغيرها من الروابط والعوامل الحجاجية الأخرى المدعمة للإثبات والإقناع.
2-الإقناع الاستدلالي في الحوار السياسي:
ترتبط قدرة المخاطب على الحجاج والإقناع الناجعين باستراتيجية بناء الخطاب أولا، وثانيا: قدرته على إقناع المتلقي – بحجج استدلالية داعمة – وإن اختلف تفكيره وميوله السياسي أو الإيديولوجي، وإن اختلف جنسه وموطن عيشه، فقدرة الإقناع عند المخاطب «تقتضي المعرفة بما يمكن أن يحرك الذات التي نتوجه إليها بالخطاب، أي معرفة ما يحركها.»[28].
ويمكن للناظر في متن المدونة قيد الدراسة أن يجد الحضور الوازن للحجج الاستدلالية المنطقية من قبيل قول المخاطب في معرض حواره: «لابد من إثارة الانتباه إلى أن القرآن والأحاديث النبوية لم يتطرقا إلى جميع القضايا بتفصيل، ومن هنا على أمير المؤمنين والعلماء والفقهاء إيجاد التأويل المناسب للاكتشافات والتطورات الطارئة على المجتمع مع الحرص على ألا تتعارض هذه التأويلات مع أصول الشريعة الإسلامية.»[29]. ثم قوله في موضع آخر: «إن ماء النهر لا يعود أبدا إلى منبعه.»[30].
ويتلمس قارئ متن كتاب الذاكرة – إلى جانب الحجج المنطقية – وجود حجج أخرى لا تخلو من العاطفة – وهي كثيرة – نحو قول المخاطب: «وقصارى الأمر أنه حتى لو وهب الله الذكاء الخارق للحسن الثاني، فإنه بدون شعبه لا يمثل شيئا.. ولا يستطيع أن يفعل شيئا.»[31]. ثم قوله أيضا: «أريد أن تعلم شيئا، وهو أني مسلم مؤمن متمسك بأدائي واجباتي الدينية وهذا يعرفه الجميع.»[32].
يلحظ المتأمل في هذه الحجج التي توسل بها المخاطب أنها لا تقل أهمية من سابقاتها، فللحجة العقلية والحجة العاطفية علاقة ترابط، وقواسم مشتركة تكمن في كونهما معا تشكلان ركيزة الحجاج «فبقدر ما يتقوى الجانب العقلي في الخطاب يقترب من البرهنة العلمية، ويبتعد عن الحجاج بمعناه المحصور، وبقدر ما يتقوى الجانب العاطفي يقترب الخطاب من الحجاج.»[33].
وتؤكد الباحثة غادر تايمن – في هذا السياق – أن قواعد فن الخطابة تستند على ثلاث ركائز إقناعية هي: «البرهنة على صدق ما يدفع إلى إثباته، واستمالة المستمعين، واستثارة انفعالاتهم التي تساند القضية المطروحة، هذه الأهداف الثلاثة هي بطبيعة الحال متكافئة، ومع ذلك فإن أجزاء من البلاغة تتوجه أساسا إلى الإحساسات أي إلى القلب، وإلى الحواس، وتتوجه أجزاء أخرى إلى الذكاء.»[34].
وقد توسل المخاطب – إلى جانب ما سبق – بأدلة حجاجية مبنية على التهكم والسخرية التي تلمِّح إلى القصور المعرفي للخصم؛ وهي أدلة لها دور تأثيري هام؛ فهي تمثل: «عقوبة خرق قاعدة مُسَلَّم بها، طريقة لإدانة سلوك شاذ لا نرى أنه جسيم أو خطير حتى نردعه بوسائل أكثر عنفا.»[35]. ومن تجليات ذلك ما قاله الملك الراحل-على سبيل المثال لا الحصر-ردا على سخرية بعض المسؤولين آنذاك الذين قالوا عنه: [إنه يغرس الطماطم في الوقت الذي نحفر فيه نحن آبار البترول): «أتمنى لكم حظا سعيدا يوم سيكون عليكم أكل لحم مصنوع من البترول.»[36]. وطريقة التهكم في القول هذه حجة مفسرة داعمة للتواصل والإقناع.
ويجد الناظر المدونة أنموذج الدراسة-كذلك-أمثلة حية لحوارات منقولة شارك فيها المخاطب مع كبار الحكام والسياسيين العرب وغير العرب، الشيء الذي خلف أثرا كبيرا على شخصيته، ولعل من أبرزهم والده السلطان الراحل محمد الخامس الذي قال عنه: «أعتقد أنه يتعين قبل كل شيء على الأب أن يكون مربيا من الدرجة الأولى، ثم بالإضافة إلى ما يلقنه من مبادئ يجب أن تكون حياته اليومية مثالا ومرآة، وأيًّا كانت الأسر، فإنه عندما تتكون رابطة بين الأب وابنه تحدث المحاكاة، بحيث يحرص الابن على أن يمشي ويجلس ويحمل شوكته تماما كما يفعل أبوه، فهو عنده المثل الأسمى.»[37].
يدرك المتأمل في هذه السلسلة من الأدلة الداعمة؛ يدرك الدور الهام الذي يؤديه الفعل الحجاجي في عملية الإقناع؛ خصوصا إذا ما جعل المخاطب من لغته لغة رُقي دائم عن طريق تنوع ألفاظها ومعانيها وتشكل بنياتها الكلية والجزئية وتآلفها من جهة، وجعل أسلوبه في الحجاج والإقناع ملائما لسياق القضايا المعروضة للنقاش من جهة ثانية، وتلك من أهم أسس الصياغة التي ينبغي للخطاب السياسي تبنيها قصد الزيادة في التأثير والسيطرة على إدراك المتلقي.
3- حُجية التناص في الحوار الساسي:
يقر جيرار جنيت(J.Genette) بأن التناص هو: «تلاقح النصوص عبر المحاورة والاستلهام والاستنساخ بطريقة واعية، أو غير مقصودة.»[38]. ويرى الدكتور يقطين من جانبه: «أن النص ينتج ضمن بنية نصية سابقة، فهو يتعالق بها ويتفاعل معها تحويلا أو تضمينا أو خرقا.»[39].
ويمكن أن نفهم من هذه التعريفات التي أنيطت بمفهوم التناص أنه يشكل ملاءمة بين نص سابق ونص لاحق بشكل متلاحم لا يخلو من الطابع الجمالي والفني الموحي، كما لا يجني على مرتكزات النص الأصلي، وبذلك يشكل تعالقا نصيا مندمجا ومتداخلا، فكل نص أدبي ما «يتضمن نصوصا أو أفكارا أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين أو الإشارة أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب، بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلي(..) لتشكل نصا جديدا واحدا متكاملا.»[40].
أ- التناص الديني:
يعد التناص الديني من الشواهد الإقناعية الأكثر حجية وتأثيرا لارتباطها الوثيق بالنص الشرعي، ففي توظيف هذا النص؛ قرآنا كان أو حديثا يقول الجاحظ: «وكانوا [أي العرب] يستحسنون في الخطب يوم الحفل، وفي الكلام يوم الجمع آي من القرآن، فإن ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار والرقة وسلس الموقع.»[41]. وقد سمي عند البلاغين القدماء اقتباسا؛ يمكن التوسل به في الخطاب «تزيينا لنظامه وتفخيما لشأنه لا على أنه منه.»[42]. وعند البلاغيين الجدد حجة جاهزة «تكتسب قوتها من مصدرها ومن مصادقة الناس عليها وتواترها، وتدخل الخطيب ينحصر في اختيارها وتوجيهها إلى الغرض المرصودة للاستدلال عليه.»[43].
ويحضر التناص الديني القرآني بشكل ضمني في جملة من المواضع نحو قول المتحاور: «ولم يكن ذلك متناقضا مع القرآن الذي يأمر بالشورى أي الاستشارة مع الآخرين.»[44]. وفي هذا الكلام ألفاظ مقتبسة من قوله تعالى: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[45]. و«المشاورة مصدر شاور، والاسم الشورى والمشورة(..)وإنما تكون في الأمر المهم المشكل من شؤون المرء في نفسه أو شؤون القبيلة أو شؤون الأمة(..)وظاهر الأمر أن المراد المشاورة الحقيقية التي يقصد منها الاستعانة برأي المستشارين بدليل قوله عقبه: فإذا عزمت فتوكل على الله.»[46].
ويؤدي توظيف أسلوب التناص القرآني دورا دلاليا هاما في الشرح والتعليل؛ ففي قول الملك الراحل: «فعندما يكون المرء حسن الطالع.. فإن الله يهبه أحيانا نورا من عنده.»[47]. ففي هذا الكلام ألفاظ قد اقتبست من قوله سبحانه: ﴿نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[48]. والمتمعن في النص القرآني يجد أن حجيته تكمن في الدفاع عما هو ذاتي-بالدرجة الأولى-لما يحمله من إشارات دالة، فالمخاطب في هذا الشاهد قدم تبريرات جعل من النص القرآني مصدر لها؛ لأنه على دراية تامة بأن المتلقي يستحيل أن يفكر في الشك في مثل هذه الحجة.
وتحضر أدلة حجاجية جاهزة-أخرى-في كتاب الذاكرة مقتبسة من القرآن الكريم من قبيل قول المخاطب في سياق تحاوره عبارة: «حسبي الله ونعم الوكيل.»[49]. وهي عبارة قد أخذت ألفاظها من آخر آية من سورة التوبة حيث يقول الحق سبحانه: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾[50]. وهو الشيء الذي تكرر في موضع آخر قال فيه المتحاور ردا على سؤال وجه إليه: «كنا نتصدى لهم على الفور ونردهم على أعقابهم.»[51]. ويجد الناظر في هذا الكلام اقتباسا قرآنيا قال فيه عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ﴾[52]. والآية أدت وظيفة الشرح والبيان، استطاع المتكلم من خلالها-بما يمتلك من قدرة فنية وبلاغية-توجيه التناص الديني إلى ما يخدم موارد مقصده، إذ نجده قد وظف هذا الأسلوب لأغراض مختلفة؛ تكمن أساسا في جعل خطابه ذا نظام متسق، وهندسة إيقاعية وصوتية قوية تحدث وقعا على أذن المرسل إليه، والحال تلك في باقي النصوص الأخرى التي وردت في متن المدونة قيد الدراسة.
ويستمد الحوار السياسي الذي أجراه الملك الراحل قوته الفنية والإقناعية التأثيرية من خلال ما استدعاه المخاطب من نصوص دينية أخرى مقتبسة من الحديث النبوي الشريف في المتن – أنموذج الدراسة – بشكل صريح وغير صريح، إذ يجد المتمعن فيه أنه قد أضفى على النص الحواري بعدا دلاليا وحجاجيا لما تميز به من خصائص لا سبيل لإيجاد مثلها في كلام بشري آخر؛ فهو [أي الحديث النبوي]: «الذي قلت حروفه وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة ونزّه عن التكلف.. واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي.»[53].
ويحضر هذا النوع من التناص – في مواضع مختلفة بشكل صريح- في متن كتاب الذاكرة حيث توسل به المخاطب في سياق كلامه عن البيعة التي تجمع بينه وبين رعيته، وفي ذلك يقول: «قال رسول الله ﷺ: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.»[54]، والحديث رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ أنه قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية..»[55]. وفي تفسير المخاطب لبعض دلالات نص الحديث يقول: «فالأمر هنا يتعلق بقاعدة أساسية، إذ لا يمكن للمسلم بلا وطن، ومهما كان البلد الذي يعيش فيه فينبغي أن يكون له عقد معنوي مع من يحكمه.»[56].
وعلى غرار ذلك يقول المخاطب في موضع آخر: «وجاء في حديث نبوي «إذا مررت بأرض ليس فيها سلطان فلا تدخلها، إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض.»[57]. والحديث ورد مرفوعا عن أنس رضي الله عنه كما قال السخاوي(ت902ه)[58]. ويتابع المخاطب قوله: «أي إن أمير المؤمنين هو الظل الذي يحتمي كل ضحايا الظلم، وهو الرمح الذي يدافع عن الحق ويحارب الظلال، إن هذا التكليف الإلهي يفرض أن يكون أمير المؤمنين مسلما سنيا، وأن يسهر على تطبيق الشريعة الإسلامية وتسيير الشؤون الدنيوية.»[59].
وتحضر بعض الشواهد الدينية الأخرى بشكل غير صريح في قول المخاطب: «وأخيرا فإن المسؤولية الملقاة على عاتقي تحتم عليَّ ستر عورات الآخرين عوض الكشف عنها، إنها إحدى تعاليم القرآن الكريم.»[60]. وهذا الكلام مقتبس من قول الرسول ﷺ: «قال لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة.»[61]. والحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه.
عموما؛ فقد أضفى استدعاء النص الديني – بصوره المباشرة وغير مباشرة – على متن كتاب الذاكرة أبعادا دلالية وفنية، كما جعلته أكثر اتساعا على مستوى المعلومات والأفكار، هذا بالإضافة إلى أنها أظهرت قدرة المخاطب على استلهام الموروث الديني أولا؛ نصا قرآنيا كان أو حديثا نبويا، وجعل هذه النصوص الموازية أكثر فاعلية مع الخطاب الحواري السياسي ثانيا، وكل هذا قصد تحسين ودعم فكرته المعروضة للنقاش، وجعلها ذات قوة تأثيرية على المتلقي تماشيا مع سياق القول، وهذا كله يضمن نجاح ذلك الاستدعاء.
ب- التناص التاريخي:
يقول ابن خلدون(ت808ه): «التاريخ فن من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وتشتد إليه الركائب والرحال وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال(..) وفي باطنه وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الواقع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق.»[62].
ويجد الناظر في هذا التعريف أن التاريخ قد يؤدي وظائف مختلفة من قبيل الإخبار والتعليل والإرشاد والاتعاظ وغيرها، ولعل الشاهد التاريخي في المدونة قيد الدراسة جعل الحجج تتظافر وفق منظومة فكرية ومنهجية قولية تشكلت من خلالها عملية التخاطب بين المتحاورين السائل والمجيب، والشاهد التاريخي «هو الذي يستخدم في أغلب الأحوال، إذ إنه يعتمد على الحقيقة، وهو تبعا لذلك الأكثر إثارة للتصديق.. إننا نقارن شيئا ما بشيء آخر واقعي.»[63].
ويعتبر المؤرخ كما هو معلوم مصدر علمي يخبرنا بأحداث وقعت في الماضي، كما يخبرنا بضرورة التفكير في تلك الأحداث لهذا نصَّ صاحب المقدمة على بعض الضوابط التي ينبغي للمؤرخ اتخاذها كمبادئ أساسية[64]:
– أولها: أن يكون عالما بقواعد السياسة وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم والبقاع..
– وثانيها: الإحاطة بالحاضر ومماثلته ما بينه وبين الغائب..
– وثالثها: القيام على أصول الدول والملل، ومبادئ ظهورها وأسباب حدوثها..
ومن منطلق هذه المعايير والضوابط تجلى اهتمام الملك الحسن الثاني بعلم التاريخ؛ لما لا وقد كان هذا العلم من أهم الأنشطة التي كان يرغب في مزاولتها لو لم يكن ملكا، فقد أجاب عن السؤال الذي وجه إلى من قبل الصحفي الفرنسي الذي أجرى معه الحوار: «أي نشاط كنتم تفضلون ممارسته لو لم تكن ملكا؟.»، بقوله: «مؤرخا(..) لو كانت لي مداخيل مالية لكنت فضلت العمل في المجال التاريخي كباحث.»[65]. ويجد المتأمل في متن الكتاب أن صاحبه على دراية تامة بأسرار التاريخ من حيث الحقب الزمنية؛ القديم منها والحديث، ومن حيث البيئة؛ العربي منها والغربي.
ويلحظ الناظر بجلاء في متن المدونة-أيضا-هيمنة هذا الدليل الإقناعي الذي عبر من خلاله المخاطب عن أحداث ووقائع تاريخية كثيرة، يمكن تصنيفها بحسب البيئة التي شهدتها، إذ هناك أدلة تؤرخ لأحداث عربية، وأخرى غربية مختلفة.
ساق المخاطب شواهد تاريخية على سبيل المقارنة من قبيل قوله في الصفحات الأولى من مدونة الكتاب أنموذج الدراسة: «وفي هذا المضمار كان لويس الرابع عشر يقول: «أنا على استعداد لإهداء قصر فرساي لأي رجل يعاتبني على عدم تزويده بكلب يحرسه..»[66]. وعلى غرار هذا القول ذو الطبيعة السياسية يورد المخاطب مثالا آخر يقول فيه: «والأكثر من هذا عليكم أن تتصفحوا الكتب التي ألِّفَت حول الحروب الصليبية، فستكتشفون أن المسيحيين حين احتلوا القدس بالغوا في حربهم إلى درجة أن خيولهم غرقت في الدماء إلى حد الركب.»[67].
ومن أمثلة الأدلة التاريخية التي تحمل في طياتها مؤشرات تعكس موسوعية المخاطِب الثقافية والسياسية على اعتبار أن الخطاب إنجاز في المكان والزمان على السواء، من أمثلة ذلك؛ ما قاله -ارتباطا بالبيئة الغربية مشيرا إلى حجة منطقية في غاية المعقولية-: «لقد كان بسمارك كما تعلمون بارعا في التعبير عن ذلك حين قال: «إن واحدة من بين معطيات التاريخ تبقى ثابتة هي الجغرافيا.»[68]. وعلى هذه الشاكلة يقول في موضع آخر: «فلنأخذ مثلا حالة تاليران عندما قال له نابليون: «عدني أن لا تخونني أبدا»، فكان رد تاليران: «صاحب الجلالة أعدكم أنني سأخبركم ليلة قبل تنفيذ خيانتي لكم»، فهذا أيضا شيء من الأخلاقية ولكنه ضئيل وضئيل جدا.»[69]. وما يمكن ملاحظته في هذه الأدلة التاريخية ككل أن فن التاريخ علامة معادلة لحقبتين بالنسبة للمتلقي؛ فهو يجعله يضيف عُمُرا إلى عمره من خلال عيشه حاضره هو، وماضي غيره.
وتنقلنا الشواهد الإقناعية التي توسل بها المخاطب إلى حقل لا يقل أهمية في مجال الفكر والمعرفة، ألا وهو حقل التاريخ الذي جعل منه المحاور السياسي أسلوبا إقناعيا يهدف من خلاله إلى استمالة الرأي العام نحو حدث ما قصد الوصول إلى تغيير اتجاه ما، أو بناء اتجاه جديد ما.
ونشير في هذا الصدد-أيضا-إلى أن التاريخ العربي المغربي على وجه الخصوص قد شهد أحداثا لم يغفل عنها المؤرخون، وفي هذا يقول الملك الحسن الثاني في أحد محطات حواره: «لقد عاش أجدادي أربعة قرون في المغرب(..) بل في عهدي بني الأحمر التمس أهل الأندلس من جدي مولاي علي الشريف قيادة جيشهم فكان جوابه وهو محفوظ عندنا: «دعوني وشأني لقد جئت هنا للجهاد ضد الكفار تلبية لنداء السلطان أمير المؤمنين، ولقد أديت الرسالة، والآن سأعود لدياري.»[70].
ويسوق المخاطب في حواره السياسي شواهد تاريخية ذات طابع إرشادي وتوجيهي، ومن ذلك قوله -مشيرا إلى تاريخ السعدين الذين تعاقبوا على حكم المغرب-: «وعلى سبيل المثال نتساءل عن سبب فقدان الملوك السعديين لعرشهم بعد أن كانوا ملوكا عظاما إلى حد أن أحدهم وهو المنصور الذهبي ورد ذكره في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية» فهذا السلطان كان يشتري من مدينة البندقية كل الرخام الذي بنى به قصر البديع بمراكش.»[71]. ففي هذا الاستشهاد دلالة قوية على أن فن التاريخ شاهد جوهري إذا ما تفاعل مع موضوع التخاطب بين المرسل والمتلقي ليكونا بذلك مبررا قويا يحقق غاية المرسل.
ويسترسل المخاطب في عرض أدلته التاريخية ذات السمة الإقناعية التي تترك أثرا بليغا في نفسية المتلقي، انطلاقا من عملية الإخبار التي تسهم في تشكيل الصورة الفنية للخطاب من حيث بنائه العام، كما تسهم أيضا في إبراز خصائص المخاطب الذي يحتاج دائما إلى آليات الكشف عن الحجة التي تتماشى وسياق كلامه الداعي إلى التأثير في المرسل إليه أو في القارئ على السواء، ومن الأمثلة التي ساقها قوله: «لأنه على مدى مائتي وألف سنة من التاريخ تم التمازج العرقي بشكل تام بين البرابرة المنحدرين من اليمن، وعرب قريش المنحدرين من سوريا ومصر وليبيا، فهؤلاء الأشخاص تزاوجوا وكونوا مجتمعا واحدا، إن المغرب بلد وسط، والمغاربة ليس شعبا اندفاعيا، ثم إن الاتراك لم يتمكنوا أبدا من إفقادنا شخصيتنا، وهذا عنصر من الأهمية بكمان، فهم توقفوا على حدود وجدة.. »[72].
وعلى غرار هذا يقول المخاطب في موضع آخر متخذا من التاريخ المغربي منهلا لأدلته الإقناعية: «وربما كان سيكون لي نفس الاتجاه الذي كان لجدي مولاي إسماعيل الذي كان معاصرا للويس الرابع عشر، لقد كانا يتوليان السلطة في نفس الحقبة تقريبا، ودام عهد حكميهما نفس المدة، لقد قال مولاي إسماعيل ذات يوم مخاطبا جلساءه: «يتعين عليّ أن أجد حليفا في أوروبا»، وأخذ يستعرض مختلف الأنظمة الأوروبية القائمة وكانت البداية من إنجلترا.. »[73]. ويظهر من خلال هذه الشواهد أن فن التاريخ عبرة حجة إخبارية قادرة على كشف الحقائق الماضية من جهة، والتأثير في المتلقي وإيهامه من جهة ثانية.
ويستشف الناظر في هذا النصوص التاريخية عددا من المعلومات التي اختزنت في ذاكرة الملك والتي استطاع إيرادها كحجة إقناعية تتماشى وموضوعات الحوار السياسي الرامي إلى التأثير، ليكون فن التاريخ بتعبير ابن خلدون: «فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء.»[74].
ج- التناص الفلسفي:
يتأكد ارتقاء الجانب المعرفي لدى مرسل الخطاب-وإن تعددت أشكاله-بنهج عدة آليات استراتيجية قصد تبرير موقفه والبرهنة عليه؛ إذ إن عملية البرهان هي: «عملية المعرفة المختلفة عن الموضوع وليست حركة الموضوع نفسه.»[75]. ويشكل التناص الفلسفي في الكلام التخاطبي-ككل-بلاغة جديدة وبعدا أساسيا في عمليتي التواصل والإقناع، ففعل التفلسف إلى جانب باقي المكونات اللغوية والحجاجية – الأخرى – له سيادة قوية في النظام المعرفي لما يؤديه من توجيه الآراء وتبرير المواقف والدفاع عنها.
وبوسعنا ملاحظة عدد من الشواهد الفلسفية – التي تعد بمثابة أقوال مأثورة لعدد من الفلاسفة – التي توسل به الملك الراحل أثناء حواره السياسي في مواضع مختلفة نحو استشهاده بحكمة أبقراط الذي قال: «الحياة قصيرة والفن طويل، والفرصة عابرة، والتجربة مريبة، والحكم عسير.»[76]. وفي تفسير المخاطب لهذا الكلام يقول: «وفي تعدادات هذه المقولة لا تجدون ولو مرة واحدة لفظ (مستحيل) لكن المخاطرة واردة في كل وقت وحين.»[77].
ويحضر التناص الفلسفي أيضا في قول الملك الراحل: «إن الأمر في ميدان السياسة شبيه إلى حد ما بتصميم بيغ بن إذ يتعين القيام بقفزة أنطولوجية كبرى كما يقول كانط.»[78]. وفي هذا المثال-كما في غيره-يظهر البعد الاستدلالي للخطاب الفلسفي وما يؤديه من فاعلية حجاجية لا تهدف إلى الاقتناع فقط، بل إلى المرور عبر فعل الإقناع إلى مستوى أكثر تأثيرا، وذلك لعمري يجلي قدرة المتكلم على التفلسف؛ «فالفيلسوف لا يبرهن ليقنع الآخرين فقط، بل ليمارس عليهم فضائل الإقناع، والاهتداء إلى طريق التحليل والانخراط في مسار الحقيقة.»[79].
ونجد – كذلك – شاهدا فلسفيا آخر قد ساقه المتحاور كحجة إقناعية يقول فيها: «علم بلا ضمير خراب للنفس.»[80]. والقولة للمفكر الأنواري «فرنسوا رابلي» مأخوذة من كتابه بانتا غروييل، والكامن من ورائها أن لا حاجة لتراكم المعارف والعلوم ما دام الضمير غائبا؛ لأن نتيجة ذلك لا تكون سوى خرابا للروح الإنسانية.
ومن ثمة؛ يمكننا القول إن المقولات الفلسفة التي توسل بها الملك في حواره «ليست هي فقط التعبير عن رأي ما، بل هي البحث ذاتيا عن المبررات التي قد تصلح للآخرين أيضا، إذ إن عملية إقناع الآخر لا يمكنها إلا أن تكون عمومية، وكما يقول لوك فيري فإننا لا نستطيع الإعلان عن حجة ما، دون اقتناع بأننا مسؤولون عنها.»[81].
عموما؛ فقد لجأ المتحاور في المدونة موضوع الدراسة إلى التناص الفلسفي لمعرفته القوية بأن الفلسفة يمكنها أن تفرض نفسها على الآخر كسلطة تبريرية للرأي والموقف لما تحمله من دلالات عميقة مشحونة بالإعجاب والانبهار؛ فهي تجعل المتلقي مشاركا بالقوة والفعل، كما تجعل الفعل التخاطبي – التحاوري – فعلا ابستمولوجيا أكثر شمولية، بل أكثر قابلية للتأثير والوصول إلى نتيجة تكون هي منطلق القائم بالفعل ومقصده.
خاتمة:
نستطيع أن نخلص في نهاية قراءتنا التحليلية لكتاب ذاكرة ملك الذي جمع بين دفتيه حوارا معمقا أن الخطة الاستراتيجية التي تبناها الملك الحسن الثاني في حواره السياسي الذي راجعه مع الصحفي الفرنسي «إريك لوران» أن هذه الخطة قامت-بالأساس على مكونين اثنين أولهما: لغوي محض يظهر قدرته على تطويع أساليب التصوير البلاغة بشكل خاص، وثانيهما: فكري ومعرفي يبرز موسوعيته الثقافية، والمكونان معا عنصران لهما القدرة الفائقة على إقناع المتلقي والتأثير فيه؛ وذلك لما يشملانه من مقومات الإيضاح والوصف والتفسير، وغير ذلك من طرق الاستدلال والبرهنة التي تشكل عمود الخطاب ككل، وقد شكلت-بالقوة والفعل-عمود الخطاب السياسي في شقه الحواري الذي أدى عمله الإرسالي الذي من أجله أُقيم.
لقد استطاع الملك الراحل إذن؛ أن يجعل من حواره حوارا إبلاغيا تأثيريا بألفاظه ومضامينه من ناحية، ومن ناحية ثانية جعل منه حوارا تطبعه الجمالية والتصوير؛ فقد صور الشخصيات والأحداث والوقائع والمواقف السياسية بشكل إبداعي فني أضفى على العملية التحاورية إبداعا كسر رتابة السرد، وجعلها مفعمة بالحيوية عن طريق الأدلة الإقناعية التي كانت مرجعا أساسيا ومادة مركزية في بناء الخطاب واكتشاف ذاتية اللغة في أبعادها اللسانية والتداولية، والتي أدت دورا مهما في إبراز قوة المخاطِب-من جهة-في استثمار كل ما هو إقناعي من بلاغة وحجاج وفكر وأيدلوجيا، ومن جهة ثانية تقريب المشاهد الحوارية إلى المتلقي.
المصادر والمراجع المعتمدة:
*باللغة العربية:
– القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
– ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة، (د ط)، (د ت).
– ابن خلدون، عبد الرحمان، المقدمة، تحقيق أحمد جاد، دار الغد الجديد، القاهرة، الطبعة الأولى، 1433هـ/2012م.
– ابن عاشور، الطاهر، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.
– ابن حميد، صالح، معالم في منهج الدعوة، دار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، 1420هـ/1990م.
– الجابري، محمد، بنية العقل العربي (نقد العقل العربي)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الرابعة، 1992م.
– الجاحظ، أبو عثمان، البيان والتبين، دار مكتبة الهلال، بيروت، (د. ط)، 1423م.
– جلال الدين، السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية للكتاب، (د. ط)، 1394هـ / 1974م.
– الجنيدي، علي، فن التشبيه، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1386هـ.
– حازم طارش، حاتم، استراتيجية الإقناع في الصورة التشبيهية في الخطاب القرآني، مجلة كلية التربية، الجامعة المستنصرية، ع2، 2017م.
– الحسن الثاني، ذاكرة ملك، الشركة السعودية للبحث والنشر، الشرق الأوسط، (د. ت)، (د. ط).
– حمداوي، جميل، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، الكويت، مج 25/ع3، 1997م.
– الخطابي، عز الدين، في الحاجة إلى حوار فلسفي: الحجاج والاستدلال الحجاجي – دراسة في البلاغة الجديدة، دار ورد للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011م.
– ديماس، محمد راشد، فنون الحوار والإقناع، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1420هـ/1999م.
– ذاكر، عبد النبي، الحجاج مفهومه ومجالاته، دراسة نظرية تطبيقية في البلاغة الجديدة، عالم الفكر، الكويت، ع2/مج40، 2011م.
– الزعبي، أحمد، التناص نظريا وتطبيقيا، مؤسسة عمان للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 2000م.
– السخاوي، شمس الدين، المقاصد الحسنة، تحقيق محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ/1985م.
– العسكري، أبو هلال، الصناعتين: الكتابة والشعر، تحقيق: عَلي البجاوي وأبو الفضل إبراهيم، المكتبة العنصرية، بيروت، (د. ط)، 1419م.
– علي سلمان، محمد، الحجاج عند البلاغيين العرب: الحجاج والاستدلال الحجاجي، دراسة في البلاغة الجديدة، دار ورد للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011م.
– العمري، محمد، في بلاغة الخطاب الإقناعي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1986م.
– عودة برهومة، عيسى، تمثلات اللغة في الخطاب السياسي، عالم الفكر، مج36، ع1، يوليوز – سبتمبر، 2007م.
– فوكو، ميشال، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 2005م.
– مختار عمر، أحمد، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1429ه / 2008م.
-المنذري، أبو محمد زكي الدين، مختصر صحيح مسلم، تحقيق الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 1407هـ/1987م.
– الوالي، محمد، مدخل إلى الحجاج أفلاطون وأرسطو وشايم برلمان(مقال)، عالم الفكر، الكويت، مج40، ع2، 2011م.
– يقطين، سعيد، انفتاح النص الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م.
* المراجع الأجنبية:
– Breton, Philipe, L’argumentation dans la communication, Ed. La découverte, Paris, 1996.
– Clauzade, Christine Noille, La rhétorique et l’étude des textes, Ellipses Impr., Paris, 1999.
– Derrida, Hyppolite, Marges de la philosophie, Les Editions de minuit, 1972.
– Gardes-Tamine, Joelle, La rhétorique, Armand colin, 2eme éd, 2002.
– Merey, Michel, Introduction, Aristote, Rhétorique, éd, Livre de poche, 1991.
– Perelman, Chaїm et Tyteca, Lucie Olbrechts, Traité de L’argumentation, la nouvelle Rhétorique, Editions de l’université de Bruxelles, 3éme éd., Belgique ,1976.
[1] ديماس، محمد راشد، فنون الحوار والإقناع، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1420هـ/1999م، ص11.
[2] ابن حميد، صالح، معالم في منهج الدعوة، دار الأندلس الخضراء، جدة، الطبعة الأولى، 1420هـ/1990م، ص212.
[3] مختار، أحمد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1429هـ/ 2008م، ج3، ص1863.
[4] Breton, Philipe, L’argumentation dans la communication, Ed. La découverte, Paris, 1996, p 4.
[5] فوكو، ميشال، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 2005م.ص69.
[6] عودة برهومة، عيسى، تمثلات اللغة في الخطاب السياسي، عالم الفكر، ع1، مج36، يوليوز-سبتمبر، 2007م، ص132.
[7] الحسن الثاني، ذاكرة ملك، الشركة السعودية للبحث والنشر، الشرق الأوسط، (د. ت)، (د. ط)، مقدمة الكتاب.
[8] نفسه.
[9] العسكري، أبو هلال، الصناعتين: الكتابة والشعر، تحقيق: عَلي البجاوي وأبو الفضل إبراهيم، المكتبة العنصرية، بيروت، (د ط)، 1419م، ص10.
[10] الجاحظ، أبو عثمان، البيان والتبين، دار مكتبة الهلال، بيروت، (د. ط)، 1423م، ج1، ص88.
[11] الجنيدي، علي، فن التشبيه، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1386هـ، ج1، ص43.
[12] ذاكرة ملك، م س، ص2.
[13] م ن، ص39.
[14] علي سلمان، محمد، الحجاج عند البلاغيين العرب(مقال)/ الحجاج والاستدلال الحجاجي، دراسة في البلاغة الجديدة، دار ورد للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011م، ص25.
[15] ذاكرة ملك، م س، ص12.
[16] حازم طارش، حاتم، استراتيجية الإقناع في الصورة التشبيهية في الخطاب القرآني(مقال)، مجلة كلية التربية، الجامعة المستنصرية، ع2، 2017م، ص11.
[17] ذاكرة ملك، م س، ص32.
[18] الجابري، محمد عابد، بنية العقل العربي (نقد العقل العربي)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الرابعة، 1992م، ص138.
[19] ذاكرة ملك، م س، ص60.
[20] بنية العقل العربي، م س، ص138.
[21] ذاكرة ملك، م س، ص60.
[22] استراتيجية الإقناع في الصورة التشبيهية، م س، ص9.
[23] ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة، (د. ط)، (د. ت)، ج2، ص129.
[24] الصناعتين: الكتابة والشعر، م س، ص341.
[25] المثل السائر، م س، ص262.
[26] ذاكرة ملك، م س، ص1.
[27] م ن، ص33.
[28] Merey, Michel, Introduction, Aristote, Rhétorique, Ed. Livre de poche, 1991, p 32.
[29] ذاكرة ملك، م س، ص 56.
[30] م ن، ص171.
[31] م ن، ص43.
[32] م ن، ص63.
[33] ذاكر، عبد النبي، الحجاج مفهومه ومجالاته، دراسة نظرية تطبيقية في البلاغة الجديدة، عالم الفكر، الكويت، ع2/مج40، 2011م، ص16.
[34] Gardes-Tamine, Joelle, La rhétorique, Armand Colin, 2éme éd, 2002, p 172.
[35] Perlman Ch. et Tyteca O., Traité de L’argumentation, la nouvelle Rhétorique, Editions de l’université de Bruxelles, 3éme éd., Belgique, 1976, p 276.
[36] ذاكرة ملك، م س، ص82.
[37] م ن، ص41.
[38] حمداوي، جميل، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، الكويت، مج25/ع3، 1997م، ص103.
[39] يقطين، سعيد، انفتاح النص الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م، ص98.
[40] الزعبي، أحمد، التناص نظريا وتطبيقيا، مؤسسة عمان للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 2000م، ص9.
[41] البيان والتبيين، م س، ج1، ص118.
[42] السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية للكتاب، (د ط)، 1394هـ/1974م، ج1، ص386.
[43] العمري، محمد، في بلاغة الخطاب الإقناعي، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1986م ص30.
[44] ذاكرة ملك، م س، ص57.
[45] سورة آل عمران، الآية 159.
[46] ابن عاشور، الطاهر، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م، ج4، ص147.
[47] ذاكرة ملك، م س، ص91.
[48] سورة النور، الآية 35.
[49] ذاكرة ملك، م س، ص92.
[50] سورة التوبة، الآية 129.
[51] ذاكرة ملك، م س، ص148.
[52] سورة آل عمران، الآية 149.
[53] البيان والتبيين، م س، ج2، ص17.
[54] ذاكرة ملك، م س، ص55.
[55] المنذري، أبو محمد زكي الدين، مختصر صحيح مسلم، تحقيق الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 1407هـ/1987م، ج2، ص334.
[56] ذاكرة ملك، م س، ص55.
[57] نفسه.
[58] السخاوي، شمس الدين، المقاصد الحسنة، تحقيق محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ/1985م، ص181.
[59] ذاكرة ملك، م س، ص55.
[60] م ن، ص94.
[61] مختصر صحيح مسلم، م س، ص473.
[62] ابن خلدون، عبد الرحمان، المقدمة، تحقيق أحمد جاد، دار الغد الجديد، القاهرة، الطبعة الأولى، 1433هـ/2012م، ص15-16.
[63] الوالي، محمد، مدخل إلى الحجاج أفلاطون وأرسطو وشايم برلمان، ضمن مجلة عالم الفكر، الكويت، ع2، مج40، 2011م، ص31.
[64] المقدمة، م س، ص8.
[65] ذاكرة ملك، م س، ص177.
[66] م ن، ص29.
[67] م ن، ص147.
[68] م ن، ص83.
[69] م ن، ص135.
[70] ذاكرة ملك، م س، ص 35.
[71] م ن، ص55.
[72] م ن، ص148.
[73] م ن، ص177.
[74] المقدمة، م س، ص21.
[75] Derrida, Hyppolite, Marges de la philosophie, Les Editions de minuit, 1972, p. 64.
[76] ذاكرة ملك، م س، ص41.
[77] نفسه.
[78] م ن، ص112.
[79] انظر: Clauzade, Christine Noille, La rhétorique et l’étude des textes, Ellipses Impr. Paris, 1999, p.71.
[80] ذاكرة ملك، م س، ص146.
[81] الخطابي، عز الدين، في الحاجة إلى حوار فلسفي: الحجاج والاستدلال الحجاجي- دراسة في البلاغة الجديدة، دار ورد للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011م، ص67.