منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

فلسطين تاج الحقوق (2) سلسلة مقالات مقدسية

فلسطين تاج الحقوق (2) سلسلة مقالات مقدسية / ذ. بوشرة بوطيب

0

فلسطين تاج الحقوق (2) سلسلة مقالات مقدسية

بقلم: ذ. بوشرة بوطيب

كل عام والعالم بغربه وشرقه يتكلف الاحتفال بحقوق متبخرة في سحب مدلهمات الحياة لإنسان لم يعد يملك آدميته فأحرى كرامته: اسأل عنها المستضعفين في الأرض؟ هي مجهولة في عالم مفقر،مقهور، مغلوب تابع  سياسيا واقتصاديا، ومسلوب الهوية اجتماعيا. حقوق مرسومة خريطتها فقط لدى المانح المبجل دوليا: الاستكبار العالمي. في أي زاوية نبحث ياترى عنها؟ ومن هم رعاتها وسدنتها؟ وعن أي حقوق نتحدث؟

ديموقراطية مقنعة

إن الحديث عن حقوق الإنسان  والمشترك الإنساني بين البشرية، هو مطمح نبيل يتجلى في نبذ الظلم  والتظالم في كافة مناحي الحياة. يجرنا بالضرورة  إلى رصد بقعة الزيت المتمددة بشكل متسارع، وعبر حقبات زمنية تحكي ظلم الغالب القوي  للآخر الضعيف المنكوب. هي إحدى خيوط النسج لديموقراطية فضفاضة  كانت قد تحررت من قسورة الكنيسة فخرجت من ظلمات الدين إلى ظلم اللادين. خاطتها الأيديولوجيات اليسارية والاشتراكية المنبثقة المؤثثة  للامبريالية . كانت في السابق نابذة للطبقية  والميز العنصري  والجوع وغيره .فصارت وبالا وتدميرا إنسانيا حين أضحت الراعي  الحكيم لشعارات حماية الحريات وحقوق الإنسان. إنها كنيسة لائكية جديدة تبسط هيمنتها على كرامة وآدمية الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، خاصة المنافي لها فكرا وعقيدة، أو لونا وعرقا. مافتئت العلمانية واللائكية في بلاد الغرب  والعرب  تلعب دور الحامي للقوميات وتمعن  في تقسيم العالم الإسلامي  وتشتيت أوصاله وفلسطين هي الشاهدة تاريخيا وإنسانيا .

الديموقراطيات الدولة صنعت قوانين تحمي حقوق المواطن الغربي  بالأساس  مضطرة راغمة  بعد خروجها منهارة من الحرب، لتحمي مصالح السوق  وتضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي  والاجتماعي في بلدانها. تلقت أمة الإسلام بعد صفعة الاستعمار غزوا علمانيا  وهو أحد نفاياته السامة  يحمل شعار ديموقراطية لا دينية مدجنة ، مهجنة منسلخة عن قيم الدين الحنيف الآمر بالعدل والمتخلق بخلق الإحسان . حقوق الإنسان أحد شعاراتها الرنانة الطنانة  صمت آذان المنكوبين  والمقهورين  والمنبوذين المحاصرين عن أبسط ظروف العيش كما تصوره يوميات قطاع غزة المحاصر على سبيل المثال . تخنق الأصوات المنددة وترهب من داخل ديار الإسلام منددة  بالظلم الغاشم الجاثم على المسجد الأقصى وأكنافه ويكذب الصمت الدولي عن المجازر والانتهاكات الصهيونية في حق العزل والطفولة فرية  ما يسمونه حقوق الإنسان. لا تسمع إلا صرخة  وامنقذاه، تنال حظا وفيرا إن سلمت من الحجب والتعتيم الإعلامي  الموالي للاستكبار.

عن أي حقوق نكتب ؟عن تلك  التي تطبق قانون حماية الإنسان في ناحية  وتنتهكها في ناحية ثانية من العالم المغضوب عليه من لدن الاستكبار؟ تلك لعمري غير جديرة بالتبني  أو تنعت لصالح الإنسانية “فلا تسمع لما يقولون بل انظر إلى ما يفعلون”[1] واعلم أيها الباحث عن الحقيقة أن ” خطاب حقوق الإنسان والقانون المتوقع (حق التدخل لحماية حقوق الإنسان)  الذي يتوجه، ما هما إلا كذب وبهتان سياسي ذو خلفية أخلاقية مثلما تزور  على المسرح لوحات عمارة ولا عمارة”[2]

الأتقى أم الأقوى

يقول الله تعالى في محكم التنزيل:” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”[3]: التكريم إلهي لابن آدم  من الخالق سبحانه لعباده مسخرا لهم أرزاق كونه الفسيح، وميزان التفاضل داخل نطاق هذا الإكرام ” التقوى ” تمام العبودية للمنعم المتفضل بالآلاء .الكرامة الآدمية  خاصة المسلمة يمثل بها اليوم  من قبل الاستكبار العالمي وجلاده الوفي  طاغوت النفاق  الإقليمي . هي نسخة الألفية الثالثة من قانون فرعون وملأه الذي صرخ في جبروت لا يقل عن نظيره الصهيوني والصليبي الجديد ومن والاهم من أنظمة العرب قال:” أنا ربكم الأعلى” يفصلها الوحي في أشكال استعباد واستحياء للنساء  وقتل الولدان  واستحواذ على الخيرات. يأتي بلاغ الرسل الكرام بالعدل والقسط في الأرض في شخص هارون وموسى عليهما السلام:  “اذهبا إلى فرعون إنه طغى”[4]

نبذ الظلم والطغيان وحماية الحقوق رسالة النبوة لا تنفك عن الإيمان بالله واليوم الآخر. ولعل شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم وإشادته بأهمية حلف الفضول الذي كان قبل بعثته حافز قوي على تظافر الوحي والنبوة حول حماية الحقوق ومناهضة التظالم، يقول عنه صلى الله عليه وسلم:” لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا  ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت”[5].

إجابة المظلوم حق كفله الوحي،  وضيعه البشر نفاقا أو كفرانا. فلا مندوحة أن نلمس ذلك التناقض الصارخ بين ديباجة مواثيق حقوق الإنسان الدولية وبين التنزيل الفعلي لها . ففي سنة الإعلان عنها  مكن قادة الاستكبار اللفيف اليهودي من قلب الأمة الإسلامية فلسطين، وما تلاها من ويلات التهجير والتغريب والتشريد، واضعة بذلك خريطة العالم الجديدة ” إنسانية مسيطرة وأخرى مسيطر عليها”[6] و” حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا  هي أمر آخر غير الحقوق الممنوحة والمنزوعة  على صعيد الواقع” الشورى والديموقراطية 147حقوق تفتقر للأخلاق والقيم النبيلة.

الإفساد الصهيوني يعتبر بقية البشر من غير العرق اليهودي  “أمميين ” كائنات مهمشة  قابلة للاستغلال، فلا غرابة أن تدفعه عنصريته ويمارس عنجهيته  في أبشع الصور. الصمت الدولي عن إفساده هو وأد جائر لحقوق الإنسان ،بل تعداه خارج أسوار المسجد الأقصى أصقاع الأمة تعاني تداعيات استكباره وعلوه.  فلسطين صورة دامية متكررة، تصطف إلى طابور مثيلاتها  في بلدان العالم الإسلامي من حيث العسف بالكرامة الإنسانية، لا تقل عنها إيلاما  في الصومال  واليمن ومخيمات اللاجئين السوريين،بل إن تقدمت قليلا فستجدها في قرى وبلدات منسية. يخيم الجهل والأمية أما المريض والحامل قد يلفظان أنفاسهما في سفوح جبال  الأطلس.

نبذ الإسلام الظلم وحرمه بنص القرآن والسنة. وشريعته الغراء  لا تفصل بين حقوق الدنيا والآخرة وبين العبادة والأخلاق. يشهد الرعيل الأول من الخلفاء الراشدين  على التربية النبوية الحكيمة حيث تساس الناس بالعدل والقسط  وتعامل بالإحسان. وهذا الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز كان أول عهد له بالخلافة رد المظالم وإنصاف الضعيف ونصرة المستضعف وأخذ ه بيد الأمة حتى تقضي حاجاتها. الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية  خطتها أيد عسكرية سرقت ونهبت العالم  ولا تزال، و “لم يحضر إبرامها المستضعفون في الأرض وأنى لهم. لذلك فهي منذ ديباجتها تقسم الأمم إلى سيدة ومسودة، لا جرم أن تكون أداة  من أدوات السيطرة يخضع لإرهابها الفقراء من دول العالم وتمنح ،وتمنع، وتستثني، وتشترط  حسب المصالح الدائمة  والطارئة للأمم القوية المنتصرة”[7]

الحقوق لا تنحصر في الخبز والمأوى والصحة والتعليم وغيرها من الحاجات البيولوجية  التي لا مناص من تحصيلها تحقيقا للعدل في الأرض. الأهم المفتقد والمغيب قسرا والمفقود تعتيما ، حتى  ألف الطبع  بغي الإنسان على أخيه الإنسان، هو حق ابن آدم في معرفة معنى حياته وخالقه و كنه مصيره. وإلا ستمجد صناعة مستكبر غالب وآخر مستضعف منقاد كالقطيع.


[1]  عبد السلام ياسين، ” حوار مع الفضلاء  الديموقراطيين”ص211

[2] المرجع نفسه

[3] سورة الإسراء الآية 70

[4] سورة طه43

[5]  المباركفوري ” الرحيق المختوم” ص 135

[6]  ” حوار مع الفضلاء الديمقراطيين” م.س، ص 222

[7] عبد السلام ياسين، ” الشورى والديموقراطية” ص122

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.