منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

فقه التاريخ حكمة عقلية وضرورة تعليمية | الحلقة الرابعة: سلسلة فقه التاريخ 

فقه التاريخ حكمة عقلية وضرورة تعليمية | الحلقة الرابعة: سلسلة فقه التاريخ / الدكتور محمد اللياوي

0

فقه التاريخ حكمة عقلية وضرورة تعليمية | الحلقة الرابعة: سلسلة فقه التاريخ

بقلم : الدكتور محمد اللياوي

1) فقه التاريخ حكمة عقلية

إن الله خلق الكون ومن حكمته لم يرسله من غير نظام يسير عليه، ولا قوانين تحكمه. وأمره سبحانه لنا بالتدبر والاعتبار في أحداث التاريخ و سير الأمم السالفة إشارة إلى أن العقل الرشيد المهتدي قادر على الاهتداء إلى حكمة الله فيخلقه وكونه. ذلك أن التاريخ إنما هو تراكم تجارب بشرية، بإخفاقاتها ونجاحاتها، وتسلسل أحداث بخيرها وشرها، هي ملك للبشرية جمعاء ليست حكرا على أمة دون أمة، وكتاب مفتوح منظور رهن إشارة من يقرؤه وينظر فيه. “فالتاريخ البشري سلسلة وقائع آخذ بعضها بعنان بعض، لا تنفك في المآل، و إن تباينت في الأشكال. والعاجز من تجاوزها متجاهلاً بادئاً من الصفر بل من سالب الفعل. فإن تجارب البشرية ملك مشاع، أفلح من استفاد منه على الوجه المطلوب، وانبطح في حمأة الإفلاس ودرك الفشل من حاول التأسيس والانطلاق بعيداً عنها”

والحكمة العقلية البشرية تقتضي أن لهذا التاريخ الحافل بالأحداث والوقائع فلسفة يسير وِفْقَها علينا اكتشافها، وَفِقْهاً يحكمه يطلب منا استخلاصه، بقوانينه وسننه ونواميسه.

2) لفقه التاريخ أهمية تعليمية

ا- إدراك سنن الله في التاريخ:

من أهم فوائد فقه التاريخ و أهميته أنه يرشدنا ويعرفنا على سنن الله في خلقه وفي التاريخ ويطلب منا التعرف عليها طلبا لا تقل أهميته عن باقي أوامر التكليف التي حفلت بها آيات القر آن الكريم، بل هو في مقدمتها. سنن في هلاك أمم و أقوام وحضارات كما في قوله تعالى}قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران، 137) تفرض على الأمة الوارثة لمنهاج الأنبياء التعرف عليها وتجنبها وتجاوز مواطن الهلاك والخسران.

وسنن رفعت آخرين، أنبياء وصالحين وأقوامهم،}فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونسُ لمَّا آمَنوُا كَشَفْناَ عَنْهُمْ عَذَابَ الخزِيِ فِي الحياة الدُّنْياَ وَمَتعَّناَهُمْ إلِى حين} (يونس، 98)

فالنظر في التاريخ يمدنا بكنوز من الدروس والتجارب لا سبيل لنا إليها إن ضربنا عنه صفحا و أعرضنا عنه، “فتاريخ ميلاد الإمة، ونشأتها وصعودها وانحدارها،
درس لنا دائم” .

ب- الاطلاع على معالم تاريخ الإنسانية:

فقه التاريخ الإسلامي المستند إلى إخبار الله ورسوله لا بحوادث بعينها، بل بمنهاج تحليل ومنظار رؤية، يبصرنا بحقيقة تاريخ الإنسانية ويعصمنا من التيه في افتراضات ونظريات لا أساس لها سوى الظن،{وَإنِّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا} (النجم، 28).

يطلعنا على أن أصل الخليقة بشر نبي خلقه الله واستخلفه في الارض، وليس دودة حقيرة تطورت مع الزمن بفعل الصدفة إلى كائن معقد التركيب. وكذا يعرفنا بتاريخ الأنبياء عليهم السلام، وحقيقة دعواتهم ومآل أقوامهم. كما يكشف لنا عن معالم السيرة النبوية وحياة الصحابة والخلفاء الراشدين وسائر الدعاة والصالحين والمجاهدين الذين رسموا للأمة تاريخ إسلامها الحافل بالقدوات و الأمثلة الصالحة، بعيدا عن شوائب أخطاء المسلمين تحسب زورا على الإسلام.


1) أداة فلسفة التاريخ، جاسم سلطان، ص 20
2) للتوسع في هذا المعنى ينظر مثلا كتاب: التفسير الإسلامي للتاريخ، لعماد الدين خليل، ص: 108 وما بعدها.
3) الإسلام والقومية العلمانية، ص 90
4) الإسلام والقومية العلمانية، ص 90

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.