منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

إسلامية المعرفة: مشروعاً ومصطلحاً بين الجاذبية والتحفظات

د. فتحي حسن ملكاوي

0

إسلامية المعرفة: مشروعاً ومصطلحاً بين الجاذبية والتحفظات

بقلم: د.فتحي حسن ملكاوي

تضمنت الكتابات الأولى في مشروع “إسلامية المعرفة” استعمال مصطلحات متعددة أقرب إلى الشرح والتمييز والتفسير، مثل: وحدة المعرفة، والتكامل المعرفي، والجمع بين القراءتين، والجمع بين فقه النص وفقه الواقع، والرؤية الكونية، ورؤية العالم، والمنظور الكلي، والمنظور الحضاري. لكن أياّ من هذه المصطلحات لم يكن بديلاً عن مصطلح إسلامية المعرفة، وإنما كان يأتي كل منها في السياق المناسب له، ليدل على معنى محدد ضمن مشروع الإصلاح الفكري الإسلامي الشامل. ومن جانب آخر، وجد بعض المفكرين والعلماء شيئاً من الجاذبية في مصطلح الإسلامية والأسلمة islamization فعبر أحدهم عن سبقه في سك المصطلح كما جاء ذلك في كتابات نقيب العطاس، وذكر آخر أنه كان يعني هذا المفهوم تماماً كما كان حال سيد حسين نصر عندما تحدث عن العلم الإسلامي Islamic science، وصرح بعضهم بأنه كان شريكاً للفاروقي في سك المصطلح كما كان شأن حسن حنفي.

وكثير ممن تحفظوا على مشروع إسلامية المعرفة، كان تحفظهم يتوجه إلى المصطلح، أو إلى آلية تحقيقه. مع عدم معارضتهم المبدئية للمفهوم. وقدم بعض من تحفظوا على وجود مصطلح “إسلامية” في عنوان المشروع ألفاظاً تفسيرية بديلة، لا اعتراض عليها في نهاية المطاف، فظهرت في البداية مصطلحات بديلة مثل التأصيل، والتوجيه، وزاوية النظر، والمشروع الحضاري. ثم قدم طه عبد الرحمن لفظ التقريب، استئناساً بدلالة كتاب ابن حزم “التقريب لحد المنطق”، واقترح هاشم كمالي لفظ المواءمة harmonization واقترح ساري حنفي لفظ التوطين، وهكذا. والمهم في هذه المقترحات هو تجنب مصطلح الإسلامية لما يثيره من اعتراضات خاصة بنظرية المعرفة في أطرها الفلسفية الوضعية، أو خضوعاً لضغوط الواقع في تجنب لفظ الإسلام في ضوء تزايد مشاعر كراهية الإسلام islamophobia التي لم تقتصر على بعض التوجهات والحركات الوطنية المتطرفة في الغرب، وإنما أخذت تمتد بقوة مؤسسات الإعلام الرسمي في المجتمعات الإسلامية للتبرؤ من التهم التي تتوجه إلى ما سمي “بالإرهاب الإسلامي”، فضلاً عن النفوذ المتزايد للحركات الفكرية والمؤسسات العلمانية في المجتمعات الإسلامية.

واعترض بعضهم على المصطلح والمفهوم جملة، عندما تتصل الإسلامية والأسلمة بالمعرفة، فالمعرفة هي المعرفة، دون إضافة أو وصف، عندما تعبر عن حقائق الأمور، والمهم هو أسلمة العارف وليس المعرفة، كما عبّر محمد سعيد رمضان البوطي عن هذا الرأي. واعترض آخرون على فكرة التعامل مع المعرفة المعاصرة في العلوم المختلفة بسبب مرجعيتها الوضعية-المادية-العقلية-الغربية، التي تستبعد الوحي، مفضلين توليد معرفة إسلامية من المصادر الإسلامية، تكون بديلاً عن المعرفة المعاصرة.

ونحن لم نكن معنيين كثيراً بالاهتمام بالمصطلح بقدر ما كنا معنيين بالمفهوم، وما يستدعيه من العمل الفعلي اللازم لإصلاح الواقع الفكري العام وطرق التفكير في معالجة المشكلات، سواءً كان الحاجة إلى الإصلاح الفكري يمتد إلى الفكر السياسي أو الاقتصادي أو التربوي أو أي مجال من مجالات الإصلاح في حياة الأمة. فضلاً عن أن إعمال منهجية التكامل المعرفي، أو منهجية التفكير الإسلامي والاجتهاد لا تقتصر على تقييم وتقويم المعرفة البشرية المعاصرة، وإنما تتجاوز ذلك إلى النظر التحليلي النقدي للتراث الإسلامي وإعمال مبدأ التجديد، في ضوء مقاصد الوحي الإلهي والهدي النبوي في إصلاح الواقع وما تفرضه ظروف الزمان والمكان والمشكلات المتجددة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.