منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الإمام الشافعي بين القديم و الجديد

الإمام الشافعي بين القديم و الجديد/ الأستاذة نهى بناني

0

الإمام الشافعي بين القديم و الجديد
بقلم: الأستاذة نهى بناني

منذ فترة قصيرة تم عرض مسلسل تاريخي جديد يسرد الفترة الأخيرة عن حياة الإمام الشافعي، تحمس له الكثيرون خصوصا بعد ابتعاد الإنتاج الدرامي المصري عن الموضوعات الدينية طوال السنوات الماضية، و هو المعروف بهذه الإنتاجات الرائعة أمثال مسلسل عمر بن عبد العزيز و عمر بن العاص و غيرهم، و تفرغه لإنتاج بطولات الضباط في الحرب على الإرهاب و سرد رؤية النظام المصري لجماعة الإخوان المسلمين و غيرها من أنواع المسلسلات التي تصرف النظر عن حقيقة الأوضاع الإجتماعية السيئة في مصر.

لكن العودة إلى إنتاج المسلسلات الدينية و إغراق المسلمين في جدل ديني، ما بين ناقض و غاضب و متعاطف و فرح، هو ما حملني إلى كتابة هذا المقال.
ربما ينظر البعض الآن لمصطلح تجديد الخطاب الديني أو تغيير بعض الفتاوى لتناسب المكان أو الزمان بأنه مصطلح استهلاكي ناظر لتلك الفتاوى الدينية على أنها جامدة لا تتغير، رغم أن عددا ليس بقليل من الأئمة حاد عن آرائه القديمة و استبدلها بآراء أخرى مثل الإمام الشافعي.
الإمام الشافعي هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة و الجماعة و صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي و مؤسس علم أصول الفقه و تنسب له آراء فقهية عدة و فتاوى قديمة.

مما هو مقرر أن الإمام الشافعي قد غير مذهبه عندما سافر من العراق إلى مصر و هذا التغيير لابد له من أسباب و ظروف التي من أجلها تتغير الأحكام بتغيير المكان و الزمان.

فالمذهب الشافعي كان مذهبا متطورا مواكبا لما يستجد، و يبدو ذلك من تنقل الإمام في معظم البلدان و إطلاعه على عادات و أعراف أهلها المختلفة، بالإضافة إلى أنه جمع بين طريقتين هما:

طريقة أهل الحديث و طريقة أهل الرأي، مما أكسب مذهبه مرونة و سعة في التطبيق و ملائمة قواعد التشريع و تحقيق مقاصده على اليسر و رفع الحرج.
و أيضا مرونة المذهب الشافعي في عدة مراحل مما أدى إلى تقعيده و ترسيخه و انتشاره بسبب تهيؤ كثرة الأتباع له، و انقسام المذهب الشافعي إلى القديم و الجديد، إنما يزيد في علو منزلته و مرتبته، إذ لا ينشأ مثل ذلك إلا عن شدة ورع و احتياط في الدين و نبذ التعصب للرأي.
و المذهب الجديد هو ما قاله الإمام الشافعي بعد دخوله إلى مصر تصنيفا أو إفتاء أو إملاء، و المذهب القديم هو ما قاله قبل دخوله إلى مصر تصنيفا أو إفتاء أوإملاء.

ويلاحظ أن الإختلاف في القولين ناتج عن اختلاف الأعراف و العادات، وهو لفظي غالبا، فنجد الإمام رحمه الله قد قال: القول القديم ثم قاله في الجديد.
من المعروف أن الإمام الشافعي قد تأثر بمذهب الإمام مالك كيف لا و هو شيخه الذي لازمه و بقي معه حتى فاضت نفسه و هذه الملازمة أسهمت إلى حد كبير في سلوك الإمام الشافعي منهج شيخه في البحث و النظر، و لكن سرعان ما استقلت شخصية الإمام فبدأ شيئا فشيئا بمراجعة المسائل من خلال ما توصل إليه إجتهاده، عندما سافر الإمام إلى مصر إطلع على مذهبين فقهيين جديدين:

هما فقه الإمام الليث بن سعد فقيه مصر و شيخها و فقه الأوزاعي شيخ الشام و إمامها، أما الأول فمن خلال يحيى بن حسان التيسي، و أما الثاني فمن خلال عمرو بن أبي سلمة الدمشقي فضلا عن تعرفه على تلميذين نجيبين من تلاميذ الإمام مالك و هما:

أشهب بن عبد العزيز و عبد الله بن عبد الحكم، ولا شك أن إطلاع الإمام الشافعي على فقه هذين الإمامين بالإضافة إلى ما عمد الشيخين المالكيين أضفى إلى حصيلة الإمام الشيء الكثير فجعله لم يقتصر على إعادة النظر في المسائل الفقهية فقط بل أعاد النظر في الأصول التي بنى عليها اجتهاد، فقد أعاد بناء كتاب الرسالة بناءا جديدا، ولما كان أصول الفقه يمثل مجموع طرق الفقه الإجمالية و كيفيه الإستفادة منها و حال المستفيد كان لابد أن تتغير الأحكام الشرعية المنبثقة على هذه الأصول.

و هنا يأتي السؤال بما يعتد أصحاب المذهب الشافعي القديم أم الجديد؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.