منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الحاكمية

الحاكمية/ يحي ملوك

0

الحاكمية

بقلم: يحي ملوك

مقدمة

لا يستغرب القارئ الكريم من العنوان الذي رسمته على الواجهة، لكن المصطلح يجلب لقائله الكثير من الاتهامات سواء من الجانب الاسلامي ـ أو الجانب العلماني. ولمعرفة ملابسات الموضوع يجدر بنا أن نتعرف على أبعاد الكلمة في محيط الدائرة الإسلامية. قال ابن فورك في رسالة في أصول الفقه ص 12 :” اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية، وأجلها قدرا، وأكثرها فائدة، وهو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام و التكاليف “

استحضار التاريخ

يتحدث التاريخ عن أول من نطق به في سياق الصراع السياسي وهم الخوارج حيث قالوا كلمتهم المشهورة :” لا حكم إلا لله “.فرد عليهم آنذاك  سيدنا علي بن أبي طالب الخليفة الراشد: ” كلمة حق أريد بها باطل “ نعم استعملت خارج سياقها . آلية المنافسة في الحكم  لم تكن هذه الآية هي المنطلق فمقاليد الأمور سلكت سبيل الشورى فأفرزت سيدنا علي خليفة. نعم إن العلم الذي يقودنا إلى فهم الآية التي خرجت منها هذه الصيحة هو علم أصول الفقه. وقتها كان هذا العلم لا زال لم يدون بعد. في ظل هذا  الفهم لآية ‘” إن الحكم إلا لله “ أزهقت روح خليفة راشد غدرا، و غيبت أمة وأغمست في فتن عارمة.

بحث هذا الأمر الكثير من علماء الأصول فقلبوه من جميع جوانبه فجاءت أقوالهم واضحة كمما سنبين .

تعريف الحكم:

هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع, وهو أيضا الأثر الذي يقتضيه خطاب الشارع في الفعل كالوجوب والحرمة والإباحة.(1) كتاب : الوجيز في أصول الفقه ص 119 .

فحوى الخطاب

إذا وقفنا في هذا التعريف لنتأمل في صياغته نجده يتضمن  مصطلحا جوهريا يبين ماهية الحكم وهو ” الخطاب ” و ما أدراك ما الخطاب ؟

لا يستوي الخطاب الرباني مع غيره. نقول هذا والساحة الثقافية تعرف جدالا واسعا اختلط فيه الحابل بالنابل. فالخطاب الرباني ليس مفتوحا لكل من هب ودب ، بل إنه خاضع لقواعد وضعها العلماء للدراسة والبحث و الاستنباط كي تنتج أحكاما تكون مرشدا للمكلفين من أجل العمل وفق ما يمليه الواجب من أجل الاستجابة لله على هدى ورشد. و ليقبل على ما أمره الله ليكون من المفلحين عنده.

تنوع الخطاب

في الخطاب القرآني يتنوع المستهدفون، فمنه ما يكون عاما أي إلى  جميع الناس  مصداقا   لقوله تعالى : (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم  لعلكم تتقون ) البقرة 20. ومنه ما هو موجه بشكل خاص إلى الأنبياء والرسل، مثل  قوله تعالى في سورة مريم آية 11:( يا يحيى خذ الكتاب بقوة و آتيناه الحكم صبيا ). ومن الخطاب ما يكون موجها إلى المومنين مثل قوله تعالى في سورة النساء آية 59 :(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ). ومنه ماهو موجه إلى أهل الكتاب مثل قوله عز من قائل في سورة النساء آية 64: ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) ومن الخطاب ماهو موجه إلى المنافقين مثل قوله تعالى: ( قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين )هذا التنوع ميزة قرآنية فريدة تحمل في طياتها رسائل قاصدة .

صناعة الأحكام

ونحن نتحدث عن الأحكام المستوحاة من الخطاب القرآني نجد أشياء كثيرة تغيب عن أذهان كثير من الناس بكل فئاتهم، وأنت تتفحص الأحكام التي استنبطها علماء الأصول يأتيك على الواجهة الحكم التكليفي والحكم الوضعي. وحين تستنطق الحكم التكليفي فإنه يرشدك إلى أحكام الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح: وأما الحكم الوضعي فأنت أمام السبب و الشرط و المانع والصحة و البطلان و العزيمة و الرخصة. كما أنك لا تستطيع أن تستنبط الحكم إلا بمعية الأدلة الأخرى كالسنة و الإجماع والقياس. هذه المتفق عليها، والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف و شرائع من قبلنا  وقول الصحابي والاستصحاب. أما على مستوى اللغة فإن للألفاظ دلالاتها التي تكون بمثابة أدوات للاستنباط. منها العام،و العام الذي يراد به الخصوص، والخاص الذي يتفرع عنه المطلق والمقيد و… وكذا حروف المعاني والألفاظ التي أطلق عليها أسماء كالمشترك والمؤول والظاهر والنص والمفسر والمحكم ثم تأتي الألفاظ المستشكلة كالخفي والمشكل والمتشابه. هذا غيض من فيض. فالخطاب القرآني خطاب مشدود إلى قواعد وضوابط أثلها علماء الأصول لاستخراج الأحكام .

خاتمة

كان الخطاب الإلهي ناصعا في بيانه ولا يزال، كان قويا في وقعه على الفطرة ولا يزال.“قالها الإمام عبد السلام ياسين في كتابه: الإسلام و القومية العلمانية ص 18. و لذلك فإن علماء الأصول  أنقذوا  الأمة من كوارث أخرى كانت ستنضاف إلى الكوارث التي أصابت الأمة منذ الانكسار التاريخي .علم أصول الفقه من العلوم التي حبا الله بها هذه الأمة وتمثل تحديا للأمم الأخرى في سياق التميز و السبق المعرفي بشكل معمق .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.