منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

شروط وجوب الجمعة (1)”الحلقة الرابعة” |سلسلة فقه الجمعة

الأستاذ عبد الجليل مبرور

0

شروط وجوب الجمعة (1)”الحلقة الرابعة” |سلسلة فقه الجمعة

بقلم: الأستاذ عبد الجليل مبرور

اتَّفق العلماء على أنَّ الجُمعة تجب على كلِّ مسلم حرّ ذكَر، واختلفوا في شرطين آخَرَين:

  • الشرط الأول: الإقامة.
  • الشرط الثاني: القرب من موضعها.

وحديثنا اليوم سينصب على شرط الإقامة، وقد شرَطها الجُمهور من الأحناف[1]، والمالكيَّة[2] والشافعية[3] والحنابلة[4]، وخالف في ذلك الظاهرية[5].

أولا: أدلَّة القائلين بِشَرْط الإقامة

  • الدليل الأول

عن جابر أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “مَن كان يُؤْمن بالله واليوم الآخِر، فعليه الجُمعة يوم الجمعة، إلاَّ مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك، فمَن استَغنى بِلَهو أو تجارة استَغنى الله عنه، والله غنيٌّ حميد”؛ حديث صحيح؛ لشواهده[6].

  • الدليل الثاني

حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “ليس على مسافر جمعة” ضعيف لكن يشهد له ما قبله[7].

  • الدليل الثالث

أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يُسافر فلا يصلِّي الجمعة في سفَره.

  • الدليل الرابع

كان في حجَّة الوداع بعرفة يوم الجمعة، فصلَّى الظُّهر والعصر جمْعَ تقديم، ولَم يُصلِّ جمعته وكذلك فعَل الخُلفاءُ الرَّاشدون وغيرهم.

ثانيا: دليل القائلين بعدم اشتراط الإقامة

  • الدليل الأول

استدلُّوا بعموم قوله -جلَّ وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة: 9].

فقالوا: هذا يَشمل كلَّ مُسلم بدون تقييد، لا بِسَفر، ولا بغيره.

واستدلوا أيضًا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- “أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن الجمعة وهم بالبَحْرين؟ فكتب إليهم: أنْ جَمِّعوا حيثما كنتم”[8].

وعن ابن جريج قال: “بلَغني أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- جمع بأصحابه في سفر، وخطَبَهم متوكِّئًا على قوس”[9].

ثالثا: الترجيح

والذي يَظهر أنَّ الراجح مما سبق هو قول الجمهور، وقد أُجيبَ عن أدلة الظاهرية بما يلي:

أما عموم الآية فقد خصَّصه حديث جابر -رضي الله عنه- وفعله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في عدم صلاة الجمعة بعرفة.

وحديث عمر بن الخطاب فيه دلالة صحَّة الجمعة في القُرى والمدن، كما فَهِمه مخرِّجه حيث بَوَّب له بقوله: “باب مَن كان يرى الجمعة في القُرى وغيرها”.

أما بلاغ ابن جريج فضعيف، وما كنَّا لِنَقبله ونَرُدَّ حديث جابر -رضي الله عنه- ومُرْسل ابن شهاب.


المراجع

[1] “المبسوط” (2 / 21)، “الدُّر المختار” (3 / 27)، “بدائع الصنائع” (1 / 258).
[2] “الكافي” في فقه أهل المدينة (1 / 248)، “القوانين الفقهية” (63)، “بداية المجتهِد” (1 / 159).
[3] “مُغْني المحتاج” (1 / 414)، “المهذب” (1 / 205)، “المجموع” (4 / 351).
[4] “دليل الطالب” (1 / 55)، “المُغْني” (3 / 206).
[5] “المُحلَّى” (5 / 49).
[6] أخرجه الدارقطني (2 / 305)، والبيهقي (3 / 261)، من طريق ابن لهيعة، ثنا معاذ بن محمد الأنصاري، عن أبي الزُّبير عن جابر، فذكره.
وهذه الطريق لها ثلاث عِلَل:

الأولى: ابن لَهِيعة، وقد اختلط.
الثانية: جهالة معاذ بن محمد الأنصاري، قال العقيلي: في حديثه وَهْم يحمل حديث رجل على غيره؛ “الضُّعفاء” (1348).

“لسان الميزان” (8 / 95): قال الذَّهبي ما رَوى عنه إلاَّ ابن لهيعة؛”المُغْني في الضعفاء” (307).

الثالثة: عنْعَنةُ أبي الزبير لا تُقبل ما لم يصرِّح بالتحديث.

غير أنَّ للحديث شواهدَ يصحُّ بها:

الشاهد الأول: من حديث طارق بن شهاب.

أخرجه أبو داود (1067) مرسَلاً، وقال: “طارقٌ قد رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع منه”.

وقد رواه الحاكم (1 / 288) من حديث طارق عن أبي موسى عن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- وصحَّحه.

قال الحافظ في “التلخيص” (651): “وصحَّحه غير واحد”.

غير أنَّ المحفوظ هو المُرسَل.

قال البيهقي (3 / 261): “هذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مرسل جيِّد”.

قال الزيلعي (2 / 199): “قال النَّووي في “الخلاصة”: وهذا غير قادح في صِحَّته، فإنه يكون مُرسَل صحابي، وهو حُجَّة، والحديث على شرط الشيخين”.

الشاهد الثاني: من حديث تميم الداري مرفوعًا: ((الجمعة واجبة، إلاَّ على صبي أو مملوك أو مسافر))؛ أخرجه العُقيلي في “الضعفاء” (193) والبيهقي (3 / 261) وزاد: ((المرأة والمريض))، وسنده ضعيف جدًّا.

فأبو عبدالله الشامي مجهول؛ “الجَرح والتعديل” (9 / 409).

والحكَم أبو عمرو بن عمرو مجهول؛ “الجَرح والتعديل” (3 / 119).

ومحمد بن طلحة بن مُصرِّف ضعيف؛ “تهذيب التَّهذيب” (3 / 597).

وضِرَار بن عمرو وقال فيه البخاري فيه نظر؛ “العقيلي” (193).

قال أبو زرعة: “هذا حديث منكَر”؛ “عِلَل ابن أبي حاتم” (2 / 585).

الشاهد الثالث: عن مولى لآل الزبير:
أخرجه البيهقي (5 / 261) من طريق حسن بن صالح بن حي، حدَّثني أبي، حدَّثني أبو حازم عنه، وسنده ضعيف.

الشاهد الرابع: عن أبي هريرة:

أخرجه الطبراني في “الأوسط”، كما في “مَجْمع البحرين” في زوائد المعجمين (2 / 195) من طريق عبدالعظيم بن رغبان الحمصي، ثنا أبو معشر عن سعيد المَقبري عن أبي هريرة، وقال: لم يَروه عن المقبري إلاَّ أبو مَعْشر، تفَرَّد به عبدُالعظيم.

وأبو معشر ضعيف أسَنَّ، واختلَطَ كما في “التقريب”.

وعبد العظيم بن رغبان ضَعَّفه الدارقطني؛ “اللِّسان” (4 / 40)، و”الميزان” (2 / 639).

وقد رواه الطبراني في “الأَوْسَط” زوائد المعجمين (2 / 196)، من طريق إبراهيم بن حماد بن أبي حازم المَدِينِي، ثنا مالك بن أنس، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج عن أبي هريرة.

قال الطبراني: “لم يَرْوِه عن مالك إلاَّ إبراهيم”.

وإبراهيم بن حمال ضعَّفه الدارقطني؛ “اللِّسان” 1 / 50، “الميزان” 1 / 28.

الشاهد الخامس: عن محمد بن كعب القرظي وهو مرسل.
أخرجه ابن أبي شيبة (5191)، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، وعنعنة هشيم.

[7] أخرجه الطبراني في “الأوسط” (مجمع البحرين (2 / 197))، والدارقطني (2 / 307)، من طريق القواريري، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عبدالله بن نافع، عن أبيه، عنه.

وعبدالله بن نافع ضعيف.

قال يحيى: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بذاك، وقال مرة: يُكتب حديثه، وقال عليٌّ: يَروي أحاديثَ مُنكرة، وقال البخاريُّ: مُنكَر الحديث.

وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث، وقال ابن حبَّان: كان يَخْطئ ولا يعلم، لا يُحتجُّ بأخباره التي لم يُوافق فيها الثِّقات؛ “الضعفاء والمتروكين” (2 / 144).

قال البيهقي: الصحيح وقْفُه على ابن عمر.

[8] رواه ابن أبي شيبة (5108) وابن حزم في “المُحلَّى” (5 / 50) بسند صحيح. [9] عبدالرزَّاق في “مصنَّفه” (5196) “المُحلَّى” (5 / 50).

قال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل: إذا قال ابن جريج: “قال فلان” و”قال فلان” و”أخبرت” جاء بِمَناكير، وإذا قال: “أخبرني” و”سمعت” فحَسْبُك به”؛ “تهذيب الكمال” (18 / 348).

قال الدارقطني: تجَنَّب تدليس ابن جريج؛ فإنَّه قبيح التدليس، لا يدلِّس إلاَّ فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة وغيرهما، وأما ابن عُيَيْنة فكان يدلِّس عن الثِّقات؛ “تهذيب التهذيب” (6 / 405).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.