حكم التجارة الإلكترونية المسماة “دروب شيبينغ”
حكم التجارة الإلكترونية المسماة "دروب شيبينغ"/الدكتور أحمد الإدريسي
حكم التجارة الإلكترونية المسماة “دروب شيبينغ”
بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى ءاله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
من المعاملات المالية المعاصرة التي أصبحت منتشرة ولها حضور في الساحة الاقتصادية ما يُسمى ب “دروب شيبينغ”، Drop Shipping. وهذه المعاملة تقوم على أساس إنشاء شخص لموقع على شبكة الإنترنت ويسوق من خلاله لبضائع معينة هو لا يملكها وليست موجودة في مخازنه.
ومن المقرر في الفقه الإسلامي أنه لا يحل لبائع أن يبيع شيئا ليس تحت ملكه وتصرفه، كما جاء في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
فالأمر إذن فيه إشكال، وهو أن الوسيط قد يبيع ما لا يملك، وقد يظهر للزبون بأنه المالك لهذه السلعة وأنه من يبيع هذه السلعة ويقبض الثمن، وهو في الأصل لا يملك العين.
ويمكن أن نصحح هذه المعاملة المسماة “دروب شيبينغ” بعقود صيغ مشروعة سنراها بشيء من التفصيل.
أولا: شروط صحة هذه المعاملة.
يشترط في صحة هذه المعاملة، ما يلي:
1- أن تكون السلعة مباحة.
2- أن لا يبيع شيئا اشتراه إلا بعد قبضه. والدليل حديث حكيم بن حزام: (إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَه)[1]. وهذا يعم الطعام وغيره، فلا يجوز بيع ما اشتريته قبل أن تقبضه، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، خلافا لمن قيد المنع بالطعام من أهل العلم.
3- أن لا يبيع الإنسان ما لا يملك، إلا إذا كان في صورة عقد السَّلم بضوابطه.
وقد وردت أحاديث صريحة في تحريم بيع ما يملك، ومنها:
– عن حكيم بن حزام قال: (سأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي؛ أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ؟ قَالَ: “لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك”)[2].
– عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنُ ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك)[3].
– قال ابن قدامة: ” ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضي ويشتريها، ويسلمها، رواية واحدة. وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا؛ لأن حكيم بن حزام قال للنبي: صلى الله عليه وسلم إن الرجل يأتيني، فيلتمس من البيع ما عندي، فأمضي إلى السوق فأشتريه، ثم أبيعه منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم. “لا تبع ما ليس عندك”)[4].
4- أن لا يبيع ذهبا أو فضة أو عملات نقدية، إلا بعد التقابض في مجلس العقد.
ثانيا: كيف تُـصحح هذه المعاملة؛ “دروب شيبينغ” ؟.
السؤال هو: كيف يكون معاملة دروب شيبنغ جائزة، وقد قال العلماء وخبراء الاقتصاد: إن البدائل كثيرة حتى يكون بإمكان الوسيط الذي يشتغل بنظام دروب شيبينغ أن يصحح هذه العملية فتكون مباحة، ومن الحلول المقترحة، أن تضبط لعقود جائزة شرعا، ومنها:
1- عقد المرابحة:
ولابد في هذا العقد من تسلم الثمن كاملا عند العقد، فلا يصح لو كان المال يبقى عند الوسيط الإلكتروني.
2- عقد السلم:
أن يتم التعاقد على هذه المعاملة من خلال عقد السلم[5].
وفي هذه الحالة يلزم صاحب الموقع طالب السلع بدفع القيمة مباشرة كاملة، ويتم اعتبار هذه المعاملة على أنها عقد سلم، فيقوم طالب السلعة بدفع قيمتها، ثم يشتري صاحب الموقع السلعة ويرسلها لطالبها، والشرط الأساسي هنا تعجيل الدفع، حتى لا تصير المعاملة بيع معدوم بمعدوم.
3- الوكالة عن التاجر الأصلي.
وصورتها؛ أن تُراسل أحد البائعين على الانترنت وتقول له أريد أن أبيع منتجك مقابل ربح أزيده أنا على ثمن المنتج الأصلي، أو لنقل: أحدد معه كم أربح فوق ثمن المنتج الأصلي.
وهذه الوكالة عن التاجر، فتعرض سلعته، وتبيعها له، مقابل أجرة معلومة تأخذها منه. ومعلوم أن الوكيل لا يشترط أن يملك السلعة، وإنما لبيع ما يملكه موكله.
ومن صورها؛ أن يتفق مع الشركة مالكة السلعة على توكيله في البيع، فيبيع بالوكالة، أي بصفته وكيلا ويعطونه أجرة تلك الوكالة.
ومن الصور المتداولة أيضا، قوله: أُريد في السلعة 100 مثلا، وما زاد فهو لك، فهذا منعه الجمهور للجهالة بأجرة الوكالة. وقد أجازه الإمام أحمد وإسحاق حيث جعلاه شبيها بالمضاربة.
4- الوكالة عن الزبائن:
تُلحق الوكالة عن الزبائن في الشراء لهم، بالسمسرة، وهي جائزة، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِم)[6].
5- الوسيط التجاري:
ومن صورها؛ أن يتفق مع الزبون على الوعد، فيقول أنا أعدك أن أوفر لك تلك العين من متجر كذا، فلا يجري العقد إلا بعد أن يتملكها الوسيط، فيكون التفاهم مع المشتري وعدا وليس عقدا، ولا يتم العقد إلا بعد تملك الوسيط السلعة.
خــاتمة:
ليس الغرض هو التشديد على الناس، ولكن الواجب نجتهد في البحث لحوادث الناس ومعاملاتهم، عن المخارج الصحيحة، وأن نتقيد بالنصوص الثابتة، ولا نخرج عما قاله الفقهاء، خاصة إذا دعت إلى ذلك الحاجة الاقتصادية والاجتماعية، ووجدنا له مخرجا عند الفقهاء والعلماء المعتبرين.
لذلك يمكن أن نصحح هذه المعاملة عدد من المعاملات المعاصرة بعقود معروفة ومتداولة، وجائزة شرعا.
والحمد لله رب العالمين.
[1] – رواه أحمد. حديث رقم: 15316. والنسائي. حديث رقم: 4613.
[2] – رواه الإمام النسائي. حديث رقم: 4613. وأبو داود. حديث رقم:3503. والترمذي. حديث رقم:1232.
[3] – رواه الإمام النسائي. حديث رقم: 4611. وأبو داود. حديث رقم:3504. والترمذي. حديث رقم:1234.
[4] – ابن قدامة. “المغني”. ج: 4 / ص: 155.
[5] – عقد السلم هو: بيع شيء موصوف في الذمة، أي ليس موجودا وليس حاضرا، على أن يتم تعجيل الثمن حالا.
[6] – صحيح البخاري. باب أجر السّمسرة.