مختصر تفسير الآيات: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت…إلى قوله: ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾
مختصر تفسير الآيات: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت...إلى قوله: ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾/ الدكتور رشيد عموري
مختصر تفسير الآيات:
﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت…إلى قوله: ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾
الدكتور رشيد عموري
مختصر تفسير الآيات من قول الله تعالى: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت…إلى قوله: ولا تسألون عما كانوا يعملون ﴾. من مجلس التفسير للدكتور العلامة سيدي عبد العلي المسئول، أستاذ علوم القرآن والقراءات بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس..
استهل الدكتور عبد العلي المسئول تفسيره بالآية: ﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت﴾. والخطاب في هذه الآية لأهل الكتاب، وإلى اليهود خاصة، أي هل حضرتم لوصية يعقوب لبنيه حتى تفتروا عليه، وتفتروا على جده إبراهيم عليهما السلام، وتقولوا بأنه أوصى باتباع اليهودية أو النصرانية، فكذبهم الله تعالى في هذه الآية وبين أن ما أوصى به هو اتباع الحنيفية السمحة، التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، ثم تطرق الدكتور عبد العالي لمسألة الذبيح هل هو إسماعيل أم إسحاق عليهما السلام، فاليهود وبعض العلماء من المسلمين قالوا إنه إسحاق عليه السلام، وجمهور العلماء يقولون إنه إسماعيل عليه السلام، ونصر الدكتور عبد العالي رأي ابن كثير المفسر والمحقق والمؤرخ، وجمهور العلماء أنه إسماعيل عليه السلام. وأشار إلى أن الذي دفع اليهود إلى نسبة الذبح لإسحاق عليه السلام هو حسدهم للعرب؛ فأرادوا أن يأخذوا هذا الشرف منهم لأن اسماعيل عليه السلام أبو العرب.
-وفي معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل﴾ تحدث عن قاعدة نحوية ألا وهي عطف الظاهر على الضمير بدون إعادة حرف الجر، فالبصريون لا يجيزون هذا الأمر إلا في الشعر، والكوفيون يجيزون هذا بما ثبت عندهم من كلام العرب، وعلى هذا جاءت قراءة حمزة في قوله تعالى: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام﴾.
– وفي قوله تعالى:﴿ونحن له مسلمون﴾ قال: الإسلام هو الإذعان والاستسلام لله تعالى، وهو ما بُعث له جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام. قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾.
جاء الأنبياء كلهم لإقامة الدين ووحدة الأمة. ووحدة الأمة مقصد أساس. ثم تحدث الدكتور عن حال بعض المسلمين اليوم وحظهم من المعنى الحقيقي للإسلام، ومن الإذعان والاستسلام لله تعالى.
– وفي قوله تعالى:﴿﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قال الدكتور عبد العالي: الأمة هنا المقصود بها إبراهيم وبنيه، وذريته من الأنبياء عليهم السلام، لها أعمالها ولكم أعمالكم. وفيه كناية عن عدم انتفاع اليهود والنصارى بهم إن لم يعملوا عملهم، ويسيروا على نهجهم، وبما وصوا به. واستشهد بأحاديث من بينها قول رسولنا: “يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اعْلَمُوا أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ فَأَبْصِرُوا أَنْ لَا يَأْتي النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَأْتُونَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا فَأَصُدُّ عَنْكُمْ بِوَجْهِي”.
فينبغي عدم الاتكال على شرف النسب وفضيلة الأنبياء. نعم شرف النسب ينفع إذا لم يكن المرء مقصرا في العمل.
وفي معرض قوله تعالى: ﴿لكم ما كسبتم﴾ تعرض لمسألة الكسب عند علماء الكلام، وأورد رأي الاشاعرة بأن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى إيجادا وللعبد كسبا، ثم قدم تصور القدرية والجبرية ليشير بأن التضلع في علم الكلام لا يزيد الإيمان، وإنما الذي يزيده هو الإكثار من قول لا إله إلا الله كما جاء في الحديث النبوي.
– وفي قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ قال:
هذا ادعاء اليهود والنصارى، وفيه رد الله عليهم بأن يتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، والحنيف المائل عن الشرك، المبتعد عنه، وفيه تعريض لأهل الكتاب عندما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ لأنهم يزعمون اتباع إبراهيم وهم يشركون بالله تعالى.
– وفي قوله تعالى: ﴿قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ قال:بل قولوا آمنا بالقرآن وما أنزل على إبراهيم وهي الصحف، أما ما أنزل على إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ فهي صحف ابراهيم أيضا لأنهم كانوا مكلفين باتباعها. ثم تطرق سيدي عبد العالي إلى بعض اللطائف اللغوية، ففي سورة البقرة قال تعالى: ما أنزل إلى وفي آل عمران قال: ما أنزل على، وبين الفرق بين الحرفين إلى وعلى في اللغة، والآيتان متطابقتان في المعنى، أن الله أنزل الوحي من علٍ إلى انبيائه. واللطيفة اللغوية الثانية في بداية الآية قال تعالى: أنزل ثم قيل أوتي في نهاية الآية، ولا فرق بينهما، والغرض من هذا التبادل هو التفنن في الكلام والبلاغة، لأن عادة العرب أنهم لا يحبون تكرار اللفظ في الكلام.
ثم أشار إلى أن أغلب الأنبياء هم من إبراهيم عليه السلام، والانبياء من غير إبراهيم وإسحاق عليهما السلام هم 10 فقط من بينهم محمد صلى الله عليه وسلم.
– وفي قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال: سيحفظك الله يامحمد صلى الله عليه وسلم ومن سار على دربك، وينصرك الله نصرا مؤزرا، فينبغي أن نثق في موعود الله تعالى، وحفظه لنا ولدينه، والله تعالى إذا تكفل بشيء أنجزه. السميع العليم الذي يسمع ويعلم أقوالنا ونياتنا.
– وفي قوله تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ قال: الصبغة هي الفطرة، وسميت الفطرة بالصبغة لظهور الصبغ على المصبوغ، فالتوجيه لنا هو كيف يحافظ الواحد منا على صبغة الله فيه بالإسلام له، واتباع أوامره واجتناب نواهيه. وأن يجتهد المرء لتبقى هذه الصبغة نقية، ﴿ونحن له عابدون﴾: لا نعبد سواه.
– وفي قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ قال:
أتجادلوننا في اصطفاء نبينا من العرب، ومن اصطفاه هو ربنا وربكم أيضا، يصطفي من يشاء من عباده. ﴿ونحن له مخلصون﴾ في الآية التي سبقت ﴿ونحن له عابدون﴾ ليشير سبحانه وتعالى إلى أن شرط قبول العبادة لإخلاص. فوجه الدكتور الفاضل الحضور إلى إخلاص العبادة لله في كبير الأمر وصغيره. وفي الآية رد على أهل الكتاب لأنهم جعلوا محور أعمالهم الاتكال على فضيلة انتسابهم لأنبياء الله، وهم يخالفونهم.
– وفي قوله تعالى: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ قال: أم هنا منقطعة فهي بمعنى بل فأهل الكتاب يقولون إن إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى وهذا كذب، فلفظ اليهودية لم تظهر إلا مع موسى، والنصرانية لم تظهر إلا مع عيسى، وقد أتيا بعد إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ.
– وفي قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ قال: فيها وعيد لأهل الكتاب بكتمانهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها وعيد لنا بأن لا نكتم الشهادة. أما قوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ففي الآية وعيد لهم.
– وفي قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قال: هذه الآية كررت في نفس الثمن من القرآن للمبالغة في التحذير، والزجر عما استحكم في نفوس أهل الكتاب من الاتكال على الآباء والاعتماد عليهم.
بعد انتهاء حصة التفسير وقبل فتح الباب للمداخلات سأل المسير الدكتور الفاضل عبد العلي المسئول ثلاثة أسئلة فقهية وردت من الحضور:
عن من صلى الصبح ولم يصلي الفجر متى يقضي هاتين الركعتين، فأجاب بأن ابن عمر كان يقضيهما بعد الصبح مباشرة، وبأن رأي المالكية أن يصلهما بعد طلوع الشمس.
والسؤال الثاني فمن صلى الفجر في بيته ثم غدا إلى المسجد هل يصلي تحية المسجد أم لا؟
فأشار إلى أن في المسألة خلاف فقهي فرأي يقول فليصل تحية المسجد، ورأي خليل من المالكية بأن لا يصليهما، بل يجلس وينتظر إقامة الصلاة، أما من لم يصل الفجر في بيته وأتى المسجد فإنه يصلي الفجر وتجزئه عن تحية المسجد.
وآخر سؤال عن من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فماذا يصلي أولا الصبح أم الفجر؟
فقال: يصلي الصبح أولا ثم الفجر وهذا هو المشهور في مذهب مالك، وقال بأن أشهب من المالكية يرى العكس. ونبه الدكتور الحضور إلى أن الأولى أن يصلي الصبح في وقته وفي جماعة، بل الأولى أن يقوم الليل أولا، ثم يحرص على صلاة الصبح وفي جماعة. فصلاة الصبح تحضرها ملائكة الليل والنهار قال تعالى: ﴿إن قران الفجر كان مشهودا﴾ والمقصود بقرآن الفجر صلاة الصبح.
ثم فتح الباب للمداخلات لإثراء هذا المجلس المبارك، فتناول المداخلة الأولى الأستاذ بوبكر بنموسى ثم الأستاذة رجاء الرحيوي ثم الأستاذ خالد القبلي ثم الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء العزيزي، وكان أهم ما تطرق إليه المتدخلون هو الحرص على الوصية، وتعهد الأبناء صغارا وكبارا، تعهدهم إيمانيا وخلقيا كما فعل يعقوب مع بنيه.
وفي الأخير نبه الدكتور الفاضل إلى أن الوصايا التي تركها الأنبياء والعلماء كان الغرض منها العمل، ولم يتركوها ليجادل الناس فيها، وقد كره مالك رضي الله عنه كل علم ليس تحته عمل.
والحمد لله رب العالمين