منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

“إذا زلزلت الأرض زلزالها”

"إذا زلزلت الأرض زلزالها"/ د. فتحي حسن ملكاوي

0

“إذا زلزلت الأرض زلزالها”

د. فتحي حسن ملكاوي

في الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا فجر يوم أمس الإثنين، تطوّع بعض أهل العلم والفضل بالتذكير بالله سبحانه والتأكيد أنه سبحانه هو خالق هذه الطبيعة وما فيها من أسباب.

وهذا حق لا مراء فيه، لكنَّ الله سبحانه، وهو خالق الطبيعة وخالق الأسباب، جعل في هذه الطبيعة المادية والاجتماعية والنفسية طبائع وقوانين وسنناً، ودعا الإنسان إلى اكتشافها وفهمها والتعامل معها. ومن فضل الله على الإنسان أن يعلِّمه كلَّ يوم ما لم يكن يعلمه، من أسباب الحياة ووسائلها والأمراض وعلاجها، والاستعداد للظروف الجوية لدرء ما قد يكون فيها من مخاطر وجلب ما يكون فيها من منافع.

لقد درسْتُ علم الجيولوجيا أربع سنوات (في جامعة دمشق). وكان مما درسناه أن الهزات الأرضية والزلازل تحدث في كل مكان، وفي كل لحظة، لكن أكثرها لا يشعر به الإنسان. وقد تحس الحيوانات بأنواع من الموجات الزلزالية فيتغيّر سلوكها قبل أن يشعر بها الإنسان، أو دون أن يشعر بها الإنسان.

وقد تعلَّم الإنسان كيفية الكشف عن الهزات الأرضية بأجهزة رصد الزلازل المعروفة في جميع دول العالم اليوم. وكان مما درسناه أن المنطقة الممتدة من خليج العقبة جنوب الأردن إلى شرق الأناضول تشكل منطقة تماس (صدع) بين صفيحتين تكتونيتين في القشرة الأرضية تتحرك فوق منطقة الصهارة، في باطن الأرض. والصفيحة التكتونية هي قطعة من القشرة الأرضية تمتد مئات الكيلومترات طولاً وعرضاً، ومحاطة بصدوع في جوانبها، تفصلها على الصفائح الأخرى. وقد تؤدي الحركة الدائمة للصفيحة إلى تماس أفقي أو عمودي بين حواف الصفائح المتجاورة، فيحدث الزلزال، ويحدث موجات زلزالية تصل إلى سطح الأرض وما عليها. وتحدث الموجات بقوة تعلَّم الإنسان أن يقيسها على عدد من المقاييس، منها مقياس ريختر من 1-10 درجات.
وتعد هذه المنطقة منطقة زلازل ضعيفة إلى متوسطة بالمقارنة مع مناطق زلازل قوية في أماكن أخرى في القشرة الأرضية، كما في حواف المحيط الهادئ

ولا سيما اليابان وإندونيسيا، لكنَّ الكوارث تكون أقلّ مما يحصل في الصين والباكستان وإيران وتركيا بسبب طبيعة المباني، إلا ما كان من زلزال إندونيسيا عام 2004، الذي أحدث تسونامي جنوب شرق آسيا الذي خلف الكثير من الدمار وسبب ما يزيد عن ربع مليون من الضحايا. والمعروف أن بؤرة الزلزال كانت بين صفيحتين تكتونيتين في قاع المحيط، لكن الاهتزازت شملت كوكب الأرض كله.

المهم أنَّ في المسألة علماً يلزم أن نتعلمه، وقد دعا الله سبحانه إلى اكتشاف الظواهر والأحداث والوقائع وأسبابها ونتائجها، وحسن التعامل معها. فكلها تحدث بعِلْم الله وقدَرِه وحكمته. وهذا العلم متاح للإنسان بصرف النظر عن درجة إيمانه أو كفره، وهو بقدر ما يتفضل الله به على الإنسان بعد سعيه واجتهاده. “وما كان عطاء ربك محظوراً”، “ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون”.

ومن دروس العلم بوقوع الأحداث المفاجئة أن يحسن الإنسان علاقته بربه، ويكون مستعداً للموت وهو على الطاعة في أية لحظة، لأنه لا يعلم موعد الأجل ولا سببه. وأن يكون صابراً محتسباً لما تأتي به الأحداث من المصائب، وتقديم ما يستطيع تقديمه من العون اللازم لمن يحتاجه من مخلوقات الله. ففي كل كبد رطبة أجر.

وفي المسألة دروس في الهندسة ونظم البناء، والتخطيط للبنية التحتية، وتجنب التطاول في البنيان، فقد يكون في ذلك ما يدرأ بعض المفاسد أو يخفف من نتائجها. وهذا من فِقْه العمران.

نسأل الله أن يرحم الضحايا ويعين المصابين، ويلطف بالجميع. ويحسن خاتمتنا في الأمور كلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.