يوميات الدكتور عبد العظيم صغيري في رمضان
من سلسلة "يوميات الدعاة في رمضان" أجرى الحوار الأستاذ عثمان غفاري
يوميات الدكتور عبد العظيم صغيري في رمضان
“سلسلة حوارية مع علماء ودعاة الأمة بعنوان”
“ يوميات الدعاة في رمضان ”
أجرى الحوار: الأستاذ عثمان غفاري
توطئة المحاور:
يقينا من موقع منار الإسلام بأن الحاجة خلال شهر رمضان الفضيل إلى الزاد الفكري والمعرفي كالحاجة إلى الزاد الروحي، وأن حاجة كثير من المسلمين(ات) لتجارب ناجحة ونماذج معاصرة تحتذى، كالحاجة إلى الاقتداء بسير السلف الصالح ذوي الهمم العالية من حضوا بالتزكية النبوية، وحرصا من الموقع على التجديد في المضامين والأجناس شرع موقع منار الإسلام بمشيئة الله تعالى في نشر سلسلة حوارات مكتوبة جد خفيفة لا تتجاوز خمسة أسئلة لكل ضيف حول رمضان المبارك.
ويسعدنا أن يكون حديثنا اليوم مع شخصية علمية ودعوية، إنه فضيلة الدكتور عبد العظيم محمد العربي صغيري، الحاصل على أكثر من إجازة علمية متصلة السند بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى شهادتين للدكتوراه الأولى في العلوم الإسلامية بمؤسسة دار الحديث الحسنية؛ والثانية في العلوم الإنسانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية “القاضي عياض” ، ويعمل أستاذا للتعليم العالي بمؤسسة دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا التابعة لجامعة القرويين، وسبق له التدريس بعدة مؤسسات وطنية ودولية منها المركز الثقافي الإسلامي “شمال كونتاكي” بفلورنس بالولايات المتحدة الأمريكية، والمعهد الأوربي للعلوم الإسلامية وفروعه بكل من فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا، والمركز الثقافي التابع لجمعية “إحسان” بمونريال بكندا، ويدرس حاليا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وأخيرا ضيفنا الكريم من أهل القرآن وخاصته حفظ القرآن الكريم برواية ورش عن نافع رسما وتجويدا وكتابة؛ وخطت يمينه عشرات الأبحاث والدراسات حول موضوع القرآن الكريم نذكر منها: “الـمقاصد العقدية في القرآن الكريم: قراءة في النسق المنهجي والمعرفي –تعقيب ونقد– “و “القرآن وهمم العلماء“….
حَللتم أهلاً ووطَئتم سهلاً دكتورنا وهل من كلمة افتتاحية قبل انطلاق مجريات هذا الحوار.
الكلمة الافتتاحية للضيف:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا أملك أخي الحبيب، الذكي اللبيب، البحاثة المدقق، لا أملك إلا أن أجزي جميل العبارات، وأشكر القائمين على منار الإسلام إدارة ومشرفين، مسيرين ومحاورين، وأشكر لهم حسن صنيعهم في استدعائي ضيفا على هذه السلسلة المباركة، التي تشرف بشرف الزمان، وتشرف بشرف هذه الوجوه الطيبة التي أفخر بأن أجلس معها ساعة زمان نتذاكر فيها لطائف النظر في ما يمكن أن يكون سببا في أن نرجع جميعا إلى الله تعالى في شهر القرآن ، ونسأل الله تعالى أن يبارك في هذا الجمع وأن يجعله مفتاح خير وبركة لنا جميعا ولأمتنا وللإنسانية جمعاء، آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
السؤال الأول: تختلف عادات الإفطار والسحور في رمضان بين الأسر باختلاف البلاد والبيئات والمستويات، فلكل منا عادات يقبل عليها، فماهي أهم مميزات الإفطار والسحور، وأهم العادات التي يحرص عليها الدكتور عبد العظيم صغيري خلال الشهر الفضيل؟
أنت تعلم أنني أدرس بجامعة قطر ولمدة أربعة مواسم، لكن التحاقنا بالخليج لم يمنعننا أن نستصحب معنا بفضل الله تعالى عاداتنا وتقاليدنا في الإفطار في رمضان من بلدنا الحبيب، من حيث إعداد المائدة وما يتعلق بها، والحمد لله تعالى الذي يسر لنا الفرص التي تؤهل راعية البيت والمشرفة عليه، زوجتي المصونة أكرمها الله تعالى والتي تجعلنا نعيش أجواء المغرب على مائدة الإفطار بقطر، فنحرص في البيت على تناول وجبة السحور بشكل جماعي مهما كانت الظروف ومهما كانت التبعات.
من أهم عاداتنا في هذا الشهر الفضيل: استصحاب عادة المغاربة والحرص على الاجتماع على الإفطار
والسحور، والفضل في ذلك راجع لراعية البيت
السؤال الثاني: هلا تكرمتم سيدي ببسط أهم معالم يومك وليلتك خلال شهر رمضان خاصة والأمة تعيش آثار الوباء عجل الله برفعه، وما ترتب عنه من تبعات؟
من أهم الثوابت عندنا خلال هذا لشهر المبارك، الحرص على الختمات الجماعية، فكلما ختم الواحد منا ختمة نادى على الآخرين وشرعنا في دعاء جماعي وختمة جماعية، نسأل الله تعالى أن ييسر ختمها، ومن الثوابت التي أحرص عليها في شهر رمضان أنني حدثت نفسي أن يكون لي في كل سنة تجربة جديدة، أثبت فيها مكسبا من المكاسب، هذه السنة قررت أن يكون من ثوابت عملي في رمضان التي لا يمنعني عنها مانع، ولا يشغلني عنها شاغل، المحافظة على جلسة الشروق، رغم أني ملزم بالاستيقاظ المبكر للذهاب إلى العمل، حرصت بحمد الله تعالى على أن أبقى مستيقظا وأؤدي أورادي وأقرأ أحزابي اليومية في هذه الفترة إلا أن تشرق الشمس وأصلي الركعتين تيمنا بالحديث النبوي الشريف “من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة”، ورجاء أن ينالنا كرم الله تعالى بأن ننال أجر حجة وعمرة تامتين تامتين.
هذه واحدة كما أواظب على دعاء الرابطة الذي أستحضر فيه كل معارفي وأفراد أسرتي بالأسماء، وأجتهد في أن أخصهم بالدعاء حتى ينالنا فضل وبركة هذا الدعاء المبارك، بالإضافة إلى الاهتبال والاهتمام بقراءة القرآن الكريم والاجتهاد في الإكثار من الختمات، ومعدل القراءة عندي في هذا الشهر الكريم بين خمسة أحزاب وعشرة أحزاب، هذا باختصار شديد ما يتعلق بأجواء رمضان نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عتقائه بفضل منه وعفوه عز سلطانه.
يكون لي في كل سنة تجربة جديدة، أثبت فيها مكسبا من المكاسب
السؤال الثالث: نجري مع فضيلتكم هذا الحوار ونحن في مستهل العشر الأواخر من رمضان، ولا يخفى عليكم سيدي أن المسجد حلقة أساسية في عملية التربية وصيانة الفطرة، والاعتكاف أحد مكوناتها فهو فرار إلى الله وتحرر من هموم الجسم وارتواء للروح، فهل من كلمة عن هذه السنة المغيبة وحاجة المسلم إليها في زمن مثقل بالماديات؟
عندما نتحدث عن الاعتكاف نتحدث عن هروب المؤمن بنفسه من الضوضاء، ومن الفتنة، ومن الهرج، ومن الفتنة التي تجره إلى ما يبعده عن طلب وجه الله تعالى، إلى ما يبعده عن القرب منه ومن محبة نبيه ومحبة المؤمنين.
الاعتكاف سنة نبوية مباركة مطهرة، دأب عليها رسول الله والصالحون، وهي سنة أولياء الله التي حرصوا على إحيائها عبر الزمان، وبالتالي لا يحاربها إلا عدو الله ورسوله، نسأل الله عز وجل أن يمكن لأمتنا في أن تحيي هاته السنة المباركة المغيبة والتي يراد لها أن تغيب عن أجواء المسلمين وأجواء المؤمنين – عندما يحارب المعتكفون الذين يلوعون بحمى المسجد لكي يتفرغوا للطاعة والعبادة-، لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هاته السنة ثابتة وماضية يحافظ عليها المؤمنون، فعلى المؤمن أن يحرص على أن ينال منها ما يقدر عليه، فإن لم يستطع أن يعتكف العشر الأواخر، فلا أقل من أن يعتكف جزءا منها حتى ينال هذا الفضل ، ويظفر بموافقة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
فمشاهد الاعتكاف حين نوسع أفقنا وننظر من خارج بلدنا الحبيب، نرى أنها تعود لكي تصنع المشهد في كثير من البلدان، فمن حيث أحدثكم الآن من الدوحة، وزارة الأوقاف تشرف على تحديد المساجد المخصصة للاعتكاف وتسميها وتعينها، بحيث تكون هذه المساجد متاحة أمام طالبي الاعتكاف والراغبين فيه دون قيد أو شرط، مع توفير الخدمات الضرورية للمعتكفين، لذلك نسأل الله عز وجل أن ييسر الأمر لبلدنا الحبيب بلد الأولياء وبلد الصالحين، أن ييسر له فرصة أن تفتح المساجد أمام المعتكفين والراغبين في أن يذكروا الله، وفي أن يتفرغوا لقراءة القرآن وفي أن يحيوا هذه السنة المباركة، وما دمنا نتحدث عن سيرة هذا العبد الضعيف، فهذه فرصة لكي أذكر بأن والدي رحمة الله عليه قبل سبع سنوات من مغادرتنا للقرية التي ولدت فيها وقد غادرنها وأنا أبلغ من العمر سبع سنوات ، كان رحمه الله تعالى يحجز مكانا في المسجد ويعتكف لوحده سنوات عديدة، وكان تصرفه هذا سببا في حفز همم أبناء البلد ليفكروا في الاعتكاف، لذلك نحن حينما نتحدث عن سنة الاعتكاف يجب أن نتحدث عن المدخل إليها، وهو أن يأمنا فيها العلماء الربانيون الصادقون، وأن تهيأ الدولة والمؤسسات المشرفة على المساجد الأجواء الضرورية وأن توفر الإمكانيات المادية المعينة على الاعتكاف، وألا تحول بين الراغبين في الاعتكاف وفي إحياء هذه السنة، حتى لا نتهم وحتى لا يعود علينا غرم منع المؤمنين من ارتياد المساجد، يقول الله تعالى: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، نسأل الله تعالى أن يرفع الغمة على بلدنا وأمتنا ويعيدها لأجواء الاحتفاء والاحتفال بهذه السنة التي هي من شعائر الله “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”
مدخل إحياء سنة الاعتكاف، هو أن يأمنا فيها العلماء الربانيون الصادقون، وأن تهيأ الدولة والمؤسسات المشرفة على المساجد الأجواء الضرورية و الإمكانيات المادية المعينة على الاعتكاف
السؤال الرابع: سيدي هل من نصيحة جامعة مانعة لمحبيك ومتابعي موقعنا توجهها للأمة الإسلامية بمناسبة شهر رمضان المبارك ؟
نريد عودة كاملة لكتاب الله تعالى، فمتى مكن لأهل الله وخاصته وبلا حدود وفقوا لأن يهيأوا الفرش للتمكين للأمة في الأرض، فنحن نثق بأن التمكين لهذه الأمة لن يعود إلا على أكتاف أهل الله وخاصته حملة كتاب الله تعالى، “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”.
فلذلك نرى أن من مداخل هذا التمكين عودة حقيقة غير شكلية أو مجتزأة كما يروج لها في كثير من الدوائر الرسمية أو بعد الدوائر العالمية، التي تريد أن يكون القرآن كلاما يتبرك به، أو يقرأ على الأموات، نريد أوبة كاملة راشدة للقرآن الكريم كي نحكم كلامه وأحكامه في مواقفنا، في سياستنا، في اقتصادنا، في اجتماعنا، في ثقافتنا، في فننا، في جزئيات وتفريعات حياتنا.
فالعودة إلى القرآن الكريم يجب أن تكون غير مقيدة بشرط، غير مجتزأة، غير مظروفة بزمان ولا مكان، يجب أن نعود للقرآن كاملا لنستمد منه الهدي والنور والبشارة، وبعيدا عن هذه العودة لا يمكننا أن نتصور تمكينا أو استخلافا، جعلنا الله مدارس قرآنية متنقلة عبر الأجيال، مدارس تحرص على تلقين هذا الكتاب للأجيال الصاعدة، وتحرص على تربيتهم على التفاعل مع أحكامه والانضباط لتوجيهاته..
التمكين لهذه الأمة لن يعود إلا على أكتاف أهل الله وخاصته حملة كتاب الله