مختصر تفسير قول الله تعالى:{ وإذا طلقتم النساء…..والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة،231] من مجلس تفسير الدكتور عبد العلي المسئول
د. مونعيم مزغاب
مختصر تفسير قول الله تعالى:{ وإذا طلقتم النساء…..والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة،231]
من مجلس تفسير الدكتور عبد العلي المسئول
إعداد: د. مونعيم مزغاب
انعقد المجلس ليلة الثلاثاء 3 يناير 2023 الموافق للعاشر من جمادى الآخرة 1444ه.
وبعد الحمد والصلاة على النبي المختار، استهل المفسر درسه بتلاوة الآيات المراد تفسيرها وهي قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون} [سورة البقرة:230-229].
أكد الدكتور على أن القرآن الكريم لا يزال يحث على بناء الأسرة بناء محكما، وتفادي كل ما من شأنه هدمها، فإذا تعسر اجتماع الزوجين تحت سقف واحد شرع الطلاق لحل هذا الإشكال مع ضمان حقوق كل الأطراف بلا ضرر ولا ضرار.
قوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} يعني: قاربن بلوغ الأجل بالاتفاق، فإنها إذا بلغت الأجل فلا سبيل إليها، فإنه لا يستطيع أن يُمسك بمعروف؛ لأنها خرجت من عصمته.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} يعني: المُراجعة، فإذا كان يريد الإبقاء عليها زوجة، فينبغي أن يكون ذلك الإمساك بالمعروف، وكما سبق أن الشارع يُحيل مثل هذا إلى المعروف، فإن ذلك يختلف بحسب حال الرجل، وحال زمانه، والموضع الذي هو فيه، فهذا يتفاوت، والمقصود: أن يُمسك بمعروف من جهة المعاشرة والنفقة والسُكنى، والكسوة، ونحو ذلك، فيقوم بحقوقها على الوجه المطلوب شرعًا وما يجمُل عُرفًا، أو يُسرح بمعروف، فإذا قرُبت العدة أن تنقضي، ولا رغبة له فيها، أو لا يستطيع أن يُقيم حدود الله، فإنه يُسرح بمعروف، يعني: السراح الجميل والحسن، كما ذكرنا سابقًا، يُسرحها تسريحًا من غير أذية لا بالقول ولا بالفعل، فلا يجرح مشاعرها، ولا يصدر منه سب، أو شتم لها، أو لأهلها، ومن غير أن يُصادر شيئًا من حقوقها ومُمتلكاتها، بل يُعطيها متعة بحسب يُسره وعُسره، جبرًا لخاطرها بعد طلاقها.
وحذَّر الشارع من الإمساك من أجل المُضارة بقوله تعالى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} ذلك أن يُراجع بقصد الإضرار بهذه الزوجة من أجل أن يطول عليها المدة فلا تتزوج، ويطول عليها المعاناة، فتبقى أسيرة حبيسة عنده، فهذا لا يجوز، وفسر الضرار بقصد الافتداء بمالها، وفسر الضرار أيضا بتطويل العدة وسوء العشرة وتضييق النفقة وهو أعم من هذا فيشمل كل ضرر فيه انتهاكا لحرمتها معنويا أو نفسيا.
ولهذا قال هنا: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }يعني: هذا الإنسان الذي يُراجع من أجل المُضارة الواقع أنه ظلم نفسه قبل أن يظلم هذه المرأة، فالإنسان الذي يظلم الناس، ويعتدي على حقوقهم يعرض نفسه لعقاب الله.
ثم وجّه بعد ذلك بقوله: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُؤا} واتخاذ الآيات هزوًا يشمل التلاعب بأحكام الله في مجال الأسرة خاصة من قضايا العدة والرجعة والإنفاق وغيرها..
ثم قال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ومن أفضل النعم الواجب شكرها نعمة الزوجية فهي من آيات الله سبحانه التي جعل فيها السكن والمودة والرحمة.
{وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} وفي آيات التشريع المنزلة موعظة للجميع وحكمة ينبغي اتباعها لتستقيم الحياة كلها ومنها الحياة الزوجية، ولابد من تعلق كل ذلك بالتقوى لقوله تعالى : {وَاتَّقُوا اللَّهَ} مع اليقين أن الله يعلم السر وأخفى ذلك مراد قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ذلك انه على قدر العلم يكون الإحكام. ومنه نستفيد أنه لا حيلة مع الله في تجاوز حقوق الغير والتطاول عليها.
ثم قال سبحانه في الآية الموالية :{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون}
هنا بلوغ أجل العدة لا تتحدث عن قربها بل عن انقضاء العدة وبلوغ الأجل حقيقة لا مجازا، هنا تم منع العضل وقيل نزلت في معقل بن يسار المزني الذي عضل أخته جميلة فمنعها من الزواج من زوجها الذي طلقها بعد أن جاء ليخطبها بعد انقضاء العدة. فهنا لابد من مشورة المرأة ورضاها بالمعروف.
وفي التزام ذلك دليل على اتعاظ المؤمنين، وفي ذلك سبيل للتزكية والطهارة من كل الأخلاق الدينئة.
وأسرار الأحكام الشرعية إن علمنا بعضها فإن الله يعلمها جميعا والله يعلم الحقائق والتفاصيل والجزئسات سبحانه فالواجب الالتزام بالشرع مع اليقين ان فيه الخير كله.
ومما يستفاد من الآيات:
- الطلاق حل شرعي حكيم عندما يكون الزواج فاشلا انعدمت فيه السكينة والانسجام.
- الطلاق حين توجد موجباته لا يكون دائما مخربا للاسرة مشردا للأبناء.
- الصلاق بغير ضرورة ودون استنفاد وسائل الإصلاح يكون ظالما في أغلب الأحيان.
- الشرع رغب في أن يمسك الزوج زوجه ولو على كره.
- لابد من استحضار المعاني السامية من قبيل الإحسان والمعروف والنهي عن الضرار في الزواج والطلاق.
- عدم التماهي مع التشريعات الدولية التي تخالف الشريعة مخالفة صريحة.
- لا ننجر مع دعاوى مساواة المرأة للرجل في كل شيء. نعم النساء شقائق الرجال في الأحكام، لكن لكل خصوصيته.
وبعد ذلك انتقل المسير إلى مداخلات المستمعين:
فتدخلت الأستاذة نهى بناني التي سألت عن الزواج بلا ولي وحكمه مع استحضار أن مدونة الأسرة المغربية لم تجعل الولي ركنا من أركان الزواج، كما تحدثت عن فشو ظاهرة الطلاق في مجتمعاتنا العربية وتناميه بشكل مخيف مستفسرة عن أسباب التقليص منه.
فأجاب الدكتور عبد العلي مسؤول رابطا ارتفاع نسب الطلاق إلى التسرع في اتخاذ القرار لغياب التربية الأسرية والإيمانية، سواء قرار الزواج أو قرار الطلاق، وركز على ضرورة اعتبار شرطي (الدين) و (الخلق) عند اختيار الزوج مما يسهم في استمرار الحياة الزوجية.
الزواج بلا ولي أجازه الأحناف، لكن ما يخدم مصلحة الأسرة واستمرارها هو أن تتزوج المرأة في ظل أسرتها الأولى وتحت إشرافها. وهو الراجح.
وفي سؤال حول مدى إسهام القوانين الحالية في تفشي ظاهرة الطلاق أجاب الدكتور أن القوانين وحدها غير كافية للحد من ذلك، لذا لابد من وجود الوازع التربوي الأخلاقي إلى جانب الوازع القانوني والتشريعي لحماية الأسرة من كل ما يهددها.
مع وجوب مراجعة بعض القوانين مثل مسطرة الشقاق، مع عدم التشدد في قضايا الطلاق مما لا يخدم الزوج والزوجة.
هل يمكن اعتبار طلاق السكران نافذا، قال الدكتور إنه يرجح من باب المحافظة على الأسرة أن لا يقع طلاق السكران لأنه غير عاقل فهو غير مختار ولا مميز، والقصد عنده غير موجود، مع التنبيه إلى أن السكر محرم وعلى الدولة أن تتعامل بحزم مع السكر العلني ومع السكر بصفة عامة لما له من آثار وخيمة على المجتمع وعلى الأسرة.
وفي مداخلة للأستاذة وئام التازي ركزت على أهمية “المعروف” باعتباره مفهوما قرآنيا مركزيا في قضايا الأسرة زواجا وطلاقا ومعاشرة.
وعلق الدكتور منبها إلى أن التغيير المنشود لأحوال العلاقات الأسرية يتطلب مجهودا مزدوجا من المرأة والرجل.
وفي سؤال حول الطلاق المعلق بشرط قال الدكتور أن الطلاق مما لا ينبغي التساهل فيه، قال الأوفق هو عدم وقوع هذا الطلاق وهو اختيار ابن حزم والمدونة أيضا، منبها إلى وجوب عدم تضييق الرجل على نفسه بربط إجراءات يومية عادية بالطلاق وفك الزوجية.
ومثله اليمين بالطلاق لا يقع، فمن حلف بالطلاق عليه كفارة اليمين. مع التأكيد على وجوب التنزه عن هذا في أقوالنا وتصرفاتنا.
ومثله الطلاق الثلاث في لفظ واحد، قال الأئمة الأربعة يذهبون إلى أنه يقع ثلاثا، وبعض العلماء قالوا يقع واحدة وبه أخذت المدونة، وهو ما رجحه الدكتور لأنه هو ما كان معمولا به إلى غاية السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب.
وتحدث عن إشكالية الانفصال البدني دون الشرعي والقانوني وأن له مخاطر على الأسرة.
وخلص في الأخير إلى أن العلاقات الزوجية ينبغي أن تؤسس على المكارمة والمحبة والإحسان لا على المطالبة بالحقوق. وأعد الله للمحسنين أجرا عظيما.
والله الموفق للصواب