الفكر العقدي عند الفرق
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
جامعة محمد الأول
وجدة
مقدمة
إن الحديث عن الفكر العقدي حديث هام وأصيل، والذي يساهم بحظ وافر في فهم وإدراك المعتقد وتحقيق مناطه، ومعرفة النظر العقلي للتوصل للحقائق المعرفية للعقيدة، دون الغلو والتشدد في المناهج الكلامية، مع الاحتفاظ بجوهر العقيدة الإسلامية السديدة والرشيدة، لأجل تحصين المعتقد الإسلامي.
لهذا كان هذا المقال بإدراج كلام الفرق حول ما اختلفوا فيه خصوصا مع الأشاعرة.
المطلب الأول: قضية الكلام عند الفرق
- الفرع الأول: المعتزلة
قالوا لو أن القرآن الكريم كلام الله قديما لكان هناك قديمان هما الله تعالى وكلامه، وهذا سقوط في التعدد. بل إن صفة الكلام هي صفة فعل وخلق، وليست صفة ذات، فكون الله تعالى متكلما، كونه فاعلا للكلام وخالق له، وبذلك يكون القرآن الكريم مخلوقا، حسب وجهتهم.
- الفرع الثاني: الأشاعرة
يعتبرون الكلام صفة قديمة كسائر الصفات فكلام الله قديم، وبذلك يكون القرآن الكريم قديماً، فهم يميزون بين الكلام النفسي أو المدلول الذي هو كلام أولي قديم.
أما الألفاظ الدالة عليه فهي تكون على لسان الملائكة إلى الأنبياء دالة على الكلام الأزلي.
- الفرع الثالث: الجهمية
ذهبت إلى أن كلام الله مخلوق وأن الله حينما كلم موسى عليه السلام جعل كلامه في الشجرة، فكانت الشجرة حاوية لكلامه. وأن كلمة الله في عيسى حواها بطن مريم.
- الفرع الرابع: الفلاسفة الدهريين
ذهب الفلاسفة إلى أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني.
- الفرع الخامس: الشيعة
قالوا هي حروف وأصوات لكن تكلم بعد أن لم يكن متكلماً، وكلامه حادث في ذاته.
فالقرآن كلام الله تعالى وليس بالمخلوق والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ اَ۬لسَّمَآءُ وَالَارْضُ بِأَمْرِهِۦۖ﴾ [سورة الروم الآية24].
يقول أبو الحسن الأشعري: “”أمر الله هو كلامه فأمر الله ليس مخلوقاً بل هو قول.””[1]
المطلب الثاني: قضية رؤية الله تعالى
مدار التنازع بين أئمة السلف هو قول الله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ اَ۬لْفُؤَادُ مَا ر۪أ۪يٰٓۖ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَيٰ مَا يَر۪يٰۖ (12) وَلَقَدْ ر۪ء۪اهُ نَزْلَةً ا۟خْر۪يٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ اِ۬لْمُنتَه۪يٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ اُ۬لْمَأْو۪يٰٓ﴾ [سورة النجم الآية 11-12-13-14-15].
يقول القرطبي في تفسير الآية: “”أي لم يكذب محمد ﷺ ليلة المعراج، وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى، وجعل تلك رؤية.[2]
- الفرع الأول: قول المعتزلة
ذهبت المعتزلة أن العباد لا يرون ربهم يوم القيامة واحتجوا بقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوس۪يٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِےٓ أَنظُرِ اِلَيْكَۖ قَالَ لَن تَر۪يٰنِے وَلَٰكِنُ اُ۟نظُرِ اِلَي اَ۬لْجَبَلِ فَإِنِ اِ۪سْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَر۪يٰنِےۖ فَلَمَّا تَجَلّ۪يٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّاٗ وَخَرَّ مُوس۪يٰ صَعِقاٗۖ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَآ أَوَّلُ اُ۬لْمُومِنِينَۖ﴾ [سورة الأعراف الآية 143].
وقد علق الزمخشري في تفسيره بنفي الرؤية فقال: “” نفي الرؤية فيما يستقبل ولن تراني تأكيد وبيان، لأن المنفي مناف لصفاته.””[3]
فالزمخشري يرى أن أداة النفي قطعية، ونفى الرؤية في الدنيا والآخرة، واستدل بقوله تعالى: ﴿۞لَّا تُدْرِكُهُ اُ۬لَابْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ اُ۬لَابْصَٰرَۖ وَهُوَ اَ۬للَّطِيفُ اُ۬لْخَبِيرُۖ﴾ [سورة الأنعام الآية 104].
فحسب رأي المتواضع المعتزلة ذهبت ونحت منحى آخر في رؤية الله في الآخرة، لقولهم أن الله تعالى لا تدركه الأبصار سواء في الدنيا أم الآخرة، لأن البصر يرى الشيء المجسم والذي يكون في جهة معينة، وهذا دليلهم على نفي الرؤية حتى في الآخرة. وقالوا ناظرة هو بمعنى الانتظار.
- الفرع الثاني: قول أهل السنة والجماعة
أجمع أهل السنة والجماعة على رؤية الله تعالى يوم القيامة، واستندوا على ذلك بأدلة وأحاديث ومنها:
قوله تعالى: ﴿وُجُوهٞ يَوْمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ اِلَيٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞۖ﴾ [سورة القيامة الآية 21-22]. وهذا دليل على جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة ووقوعها والتمتع بجمال الله تعالى.
ويقول تعالى: ﴿۞لِّلذِينَ أَحْسَنُواْ اُ۬لْحُسْن۪يٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۖ ا۟وْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَۖ﴾ [سورة يونس الآية 26]. فقد سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الحسنى والزيادة فقال: الحسنى الدخول إلى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى.
عن جرير بن عبد الله قال: “” خَرَجَ عَلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيَامَةِ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ.””[4]
وقال الرسول ﷺ: “”للذين أحسنوا شهادة أن لا إله إلا الله، والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.””[5]
وذهب جمهور الأشاعرة أن رؤية الله ممكنة قابلة للوقوع والحصول ولو كانت الرؤية مستحيلة لكان سيدنا موسى عليه السلام أعلم بها من المعتزلة، وهي جائزة في الآخرة، وكان من الممكن رؤية الله تعالى لو بقي الجبل مكانه واستقر.
ويحكي الربيع أنه كان ذات يوم عند الإمام الشافعي فجاءته رسالة من رجل يسأل عن قوله تعالى: ﴿كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٖ لَّمَحْجُوبُونَۖ﴾ [سورة المطففين الآية 15]، فكتب إليه كلما حَجَب قوماً بالسخط، دل ذلك على أن قوماً يرونه بالرضى، فقال الربيع: أو تدين بذلك يا إمام؟ فقال الشافعي: والله لو لم يوقن بهذا محمد بن إدريس أنه يرى ربه في الميعاد ما عبده في الدنيا.
[1] الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري: باب: الكلام في أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، ص32.
[2] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة: 2006 ج/20 ص:21-22.
[3] تفسير الكشاف للزمخشري، تحقيق خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط:3، سنة:2009 ص:385.
[4] رواه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد باب قول الله تعالى [وجوه ناظرة إلى ربها ناظرة]، حديث رقم:6881، تحقيق محمد عطا دار التقوى القاهرة ط1، سنةك2001، ج/3 ص:554.
[5] رواه الطبري في المعجم الكبير ج/8 ص:48.