منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الاختلاف في حجية الاستصحاب وأثره في استنباط الأحكام الفقهية

لطيفة يوسفي

0

 

 

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين أحمدك اللهم حمدا لا تغير له ولا زوال، وأشكرك يا رب شكرا لا تحول له ولا انفصال، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، خير بني آدم وخير الخلق أجمعين، أما بعد:

فمن رحمة الله عز وجل بعباده أنه جعل مصادر هذه الشريعة الإسلامية متعددة ومتنوعة، فكانت هذه المصادر والأدلة بقسميها المتفق عليه والمختلف فيه، معينا فياضا لا ينضب ماؤه، وبحرا زاخرا لا تفنى جواهره، فبمراعاتها يجد المجتهد لكل حادثة حكما.

ومن هذه الأدلة المختلف فيها: الاستصحاب والفكر الإسلامي اليوم، أحوج ما يكون إلى هذا الأصل، حتى يوسع من دائرة معاملاته ومجال حياة المسلمين، فيستوعب هذا الزخم العالمي المتطور في شتى المجالات، ذلك أن الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية التي لا تستطيع المجتمعات الانفكاك عـنها، إذ لا تستطيع أن تقوم لها حياة، أو يستقيم حالها بدونها، ولولاه لحصل الاضطراب والشك في كل شيء ثبت هل هو باق على ثبوته أم تغير؟ فهو باب لحفظ مقاصد الشريعة.

ورغم أن الاستصحاب ليس دليلا مستقلا مثبتا لحكم جديد بل هو كاشف عن بقاء الحكم السابق الثابت بدليله عندما يغلب على ظن المجتهد عدم وجود المغير له، ورغم هذا فإن عناية علماء الأصول بإفراده بالبحث لمعرفة مواضع اعتباره بالاتفاق ومواضع الخلاف فيه – إذ يندر أن تجد كتاباً لهم يخلو من باب أو فصل في أحكام هذا الأصل، بل صنف فيه بعض المعاصرين كتبا مستقلة، وأفرده بعض الباحثين بدراسات مستفيضة، تضمنت بيان حقيقته، وأنواعه، وحجيته، وكافة الأحكام المتعلقة به- لشهادة جديدة على تفرد الفقه الإسلامي بمميزات قل أن توجد في غيره من القوانين الوضعية.

وقد انعكس هذا في ضبط الفروع الفقهية، ونظمها نظما يتفق مع عظمة الإسلام، وروعة أحكام الشريعة.

انطلاقا من هذا كله عزمت فتوكلت على الله عزوجل، واستخرته في الكتابة في أصل الاستصحاب، فعنونت هذا البحث بـ ” الاختلاف في حجية الاستصحاب وأثره في استنباط الأحكام الفقهية “.

إشكالية البحث:

إذا كان الاستصحاب من الأدلة المختلف فيها، تنبني عليه كثير من مسائل الفقه.

فما مدى حجية الاستصحاب؟ وما أثر الاختلاف في الأخذ به في استنباط الأحكام الفقهية؟

أهداف البحث:

  • التعرف على ماهية الاستصحاب.
  • معرفة أقوال العلماء في حجيته.
  • الوقوف على المسائل الفقهية التي تبنى عليه.

قيمة البحث:

إن دليل الاستصحاب يعتبر أصلا من الأصول المهمة التي تدل على المرونة والسعة التي تمتاز بها الشريعة الإسلامية، فهو يجعل الفقهاء في سعة ويخلصهم من مواقف الحيرة، ويفتح لهم طرقا يصدرون بها الفتوى في يسر، وينتقلون منها إلى الفصل في القضايا في وقت وجيز.

الدراسات السابقة للموضوع:

  • أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي، د. مصطفى ديب البغا، وقد تناول أصل الاستصحاب ضمن الأدلة المختلف فيها، وانصب اهتمامه على الآثار الفقهية، مع التعرض للقواعد الأصولية.
  • الاستصحاب وآثاره في الفروع الفقهية، الخضر علي ادريس، 1403هـ / 1983م، المملكة العربية السعودية.

منهج البحث:

  1. االمنهج الاستقرائي، ويتم استخدامه في تتبع جزئيات الموضوع من خلال كتب الأصول لمعرفة مفهوم الاستصحاب وحجيته.
  2. المنهج التحليلي، ويتوسل بهذا المنهج إلى تجزئة وتحليل مواضع البحث، وإعادة تركيبها مع شرح مسائله.
  3. المنهج الاستنباطي، ويتم توظيفه في الجانب التطبيقي الذي يبرز مدى أثر هذا الخلاف في الاستصحاب في الأحكام.

الفصل الأول: في شرح مفردات العنوان

 المبحث الأول: في حقيقة الاختلاف

 المطلب الأول: الاختلاف لغة

الاختلاف مصدر اختلف، والخلاف هو: المضادة، وقد خالفه مخالفة وخلافا، وتخالف الأمران واختلفا، لم يتقفا، وكل ما لم يتساو فقد تخالف واختلف، قال سبحانه {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ}([1]) ([2]).

خلف: الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة: أحدها: أن يجئ شيء بعد شيء يقوم مقامه، والثاني: خلاف قدام – والثالث: التغير.

فالأول الخلف والخلف ما جاء بعد، ويقولون: هذا خلف صدق من أبيه، وخلف سوء من أبيه، فإذا لم يذكروا صدقا ولا سوءا، قالوا للجيد: خلًف، وللرديء، خلف قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}[3].

والأصل الآخر: خلف: وهو غير قدام.

وأما الثالث: فقولهم: خلف قوة إذا تغير وأخلف…، وأما قولهم: اختلف الناس في كذا، والناس خلفة أي مختلفون، فمن الباب الأول، لأن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الذي نحاه.[4]

إذن الخلاف والاختلاف في اللغة: ضد الاتفاق، وهو أعم من الضد، قال الراغب الأصفهاني: ” الاختلاف والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريق غير طريق الآخر في حاله أو قوله، والخلاف أعم عن الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين.” [5]

يتبين من خلال هذه النقول أن كلمة الخلاف أو الاختلاف في لغة العرب يراد بها مطلق المغايرة والتباين بين شيئين سواء أترتب عن هذه المغايرة تناقض وتضاد أم لا؟

 المطلب الثاني: الاختلاف اصطلاحا

المعنى الاصطلاحي ليس بمنأى عن المعنى اللغوي. إذ هو أيضا يراد به مطلق المغايرة، في القول، أو الرأي، أو الحالة، أو الموقف. ” الكلمة في معناها اللغوي- فضلا عن معناها في اصطلاح الفقهاء – لا يفيد غير المغايرة. “[6]

قال ” التهانوي”: ” إن الاختلاف يستعمل في قول بني على الدليل، والخلاف فيما لا دليل عليه، كما في بعض حواشي الإرشاد. ويؤيده ما في غاية التحقيق منه أن القول المرجوح في مقابلة الراجح يقال له: خلاف لا اختلاف وعلى هذا، قال المولوي عصام الدين، في حاشية الفوائد الضيائية، في آخر بحث الأفعال الناقصة: المراد بالخلاف عدم اجتماع المخالفين وتأخر المخالف.

والمراد بالاختلاف، كون المخالفين معاصرين منازعين، والحاصل منه ثبوت الضعف في الجانب المخالف في الخلاف، فإنه كمخالفة الإجماع، وعدم ضعف جانب في الاختلاف، لأنه ليس فيه خلاف ما تقرر”[7]

وقال المتكلمون: ” كون الموجودين غير متماثلين أي غير متشاركين في جميع الصفات النفسية، وغير متضادين أي: غير متقابلين ويسمى بالتخالف أيضا، فالمختلفان والمتخالفان موجودان غير متضادين ولا متماثلين “[8]

وهو عند المحدثين: ” أن يوجد حديثان متضادان في المعنى بحسب الظاهر، فيجمع بينهما بما ينفي التضاد، وفي خلاصة الخلاصة: رفع الاختلاف أن توجد أحاديث متضادة بحسب المعنى ظاهرا فيجمع بينهما أو يرجح أحدهما”[9].

وعند الفقهاء: ” أن يذهب كل عالم إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر”[10].

 المبحث الثاني: في حقيقة الاستصحاب

 المطلب الأول: الاستصحاب لغة

لبيان حقيقة الاستصحاب ورصد معناه في لغة العرب نورد النقول التالية:

” الصاد والحاء والباء أصل واحد يدل على مقارنة شيء ومقاربته، من ذلك الصاحب والجمع الصحب، كما يقال راكب وركب. ومن الباب: أصحب فلان: إذا انقاد، وأصحب الرجل، إذا بلغ ابنه، وكل شيء لاءم شيئا فقد استصحبه.

ويقال للأديم إذا ترك عليه شعره مصحب، ويقال أصحب الماء، إذا علاه الطحلب “[11].

قال الأزهري ومن قال صاحب وصحبة فهو مثل فاره وفرهة، والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسة ووراء ذلك شروط للأصوليين ويطلق مجازا على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة، فيقال: أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة “[12].

وبإعمال النظر في هذه النقول يتبين أن المراد بالاستصحاب في اللغة:

اللزوم والمرافقة.

المطلب الثاني: الاستصحاب اصطلاحا

إذا استقرأنا عبارات الأصوليين في تحديد المراد بالاستصحاب، وجدنا أن ما قرروه في هذا السبيل لا يبتعد كثيرا عما قرره أصحاب المعاجم. ومن هذه العبارات:

عبارة ابن حزم: “بقاء حكم الأصل الثابت بالنصوص حتى يقوم الدليل منها على التغيير”.[13]

ثم بين ذلك فقال: “إذا ورد نص من القرآن أو السنة الثابتة في أمر ما على حكم ما، ثم ادعى مدع أن ذلك الحكم قد انتقل أو بطل من أجل أنه انتقل ذلك الشيء المحكوم فيه عن بعض أحواله، أو لتبدل زمانه، أو لتبدل مكانه، فعلى مدع انتقال الحكم من أجل ذلك أن يأتي ببرهان من نص قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك الحكم قد انتقل أو بطل”.[14]

ويلاحظ أن (ابن حزم) في تعريفه قد قصر معنى الاستصحاب على ما ثبت بالكتاب أو السنة، أما الحكم الثابت بالقياس أو الإجماع فلا يجوز استصحابه عنده، لأنه لا يقول بهما.[15]

وهذا ما قرره وهبة الزحيلي- بعد إيراده التعريف – فقال: “فهو يقيد الاستصحاب بكون الأصل مبنيا على نص، وليس على مجرد أصل ثابت من الإباحة الأصلية”.[16]

عبارة الغزالي: “عبارة عن التمسك بدليل عقلي أو شرعي، وليس راجعا إلى عدم العلم بالدليل بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير أو مع ظن انتفاء المغير عند بذل الجهد في البحث والطلب”.[17]

عبارة القرافي: ” اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال”.[18]

“أي، أن ثبوت الحكم في الماضي والعلم به يجعل الشخص يغلب على ظنه أنه مستمر في المستقبل، كمن ثبتت له الملكية بسبب من أسبابها، بالبيع أو الميراث، فإن الملكية تستمر إلى أن يوجد ما ينفيها، وكمن علمت حياته في زمن معين، فإنه يغلب على الظن وجوده في الحاضر والمستقبل، حتى يقوم الدليل على غيره، فيحكم باستمرار حياته حتى يوجد ما يثبت الوفاة، فالمفقود يحكم بحياته حتى يوجد ما يدل على وفاته، أو تقوم الآمارات التي توجب غلبة الظن بأنه توفي، ويحكم القاضي بالوفاة”.[19]

عبارة ابن القيم: “استدامة إثبات ما كان ثابتا، ونفي ما كان منفيا”.[20]

قال الإمام أبو زهرة عن هذا التعريف إنه جامع، ثم بين ذلك فقال:” أي بقاء الحكم نفيا وإثباتا حتى يقوم دليل على تغيير الحال، فهذه الاستدامة لا تحتاج إلى دليل إيجابي، بل تستمر حتى يقوم دليل مغير”.[21]

والذي يظهر بعد عرض هذه الطائفة من التعريفات أنها جميعا لها دلالتها وقيمتها الاصطلاحية في بيان حقيقة الاستصحاب، وذلك من جهة أنها صورته بما يجب أن يصور به معناه وتناولت تقريب صورته، من غير خلاف اصطلاحي كبير وذلك لتقاربها الواضح والملموس في جوانب معينة واضحة، غير أن هذا لا يمنع من إعطاء الأولوية الاصطلاحية لما ثبت فيها أكثر دقة ومعقولية وفيه رصد اصطلاحي عملي للاستصحاب.

وقد ظهر لي بعد طول نظر واستقصاء، أن تعريف (الأسنوي)-رحمه الله- هو الراجح، إذ يقول:

“هو الحكم بثبوت أمر في الزمن الثاني لثبوته في الزمن الأول لعدم ما يصلح للتغيير”[22].

 المبحث الثالث: في حقيقة الحكم.

 المطلب الأول: الحكم لغة.

من يتتبع تعريف (الحكم) في معاجم اللغة يجد أن له عدة معاني مختلفة فيما بينها.

“الحاء والكاف والميم أصل واحد وهو المنع، وأول ذلك الحكم والمنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها. يقال: حكمت الدابة وأحكمتها. ويقال: حكمت السفيه وأحكمته، إذا أخذت على يديه.[23]

“الحكم بالضم: القضاء “[24]

يقال حكم فلانا عما يريد، وفلانا في الشيء والأمر جعله حكما، قال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، [25] والحكم من أسماء الله تعالى والحاكم، قال تعالى {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا}، [26] ومن يختار للفصل بين المتنازعين، قال تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا}، [27] حكم الشيء والأمر: أتقنه.

واحتكم الشيء والأمر: توثق وصار محكما. والمحكم: المتقن. ومن القرآن: الظاهر الذي لا شبهة فيه ولا يحتاج إلى تأويل. قال تعالى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[28].

والذكر الحكيم القرآن، لأنه الحاكم للناس وعليهم، ولأنه محكم لا اختلاف فيه ولا اضطراب.

والحكمة: معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم: والعلم والتفقه والعدل والعلة، يقال حكمة التشريع وما الحكمة في ذلك؟ والكلام الذي يقل لفظه ويجل معناه، وعلم الحكمة: الكيمياء والطب”.[29]

وبالنظر في مضمون هذه النقول يتبين بجلاء أن مادة (حكم) في العربية تدور حول المعاني التالية:

المنع والقضاء والعلم والفقه.

المطلب الثاني: الحكم اصطلاحا

إن معرفة الحكم الشرعي هو الغاية من علم الفقه وأصوله ولكن علم الأصول ينظر إليه من جهة وضع القواعد والمناهج الموصلة إليه، وعلم الفقه ينظر إليه باعتبار استنباطه فعلا، بتطبيق ما وضعه علم الأصول للتعرف عليه. [30]

والمتصفح لكتب أصول الفقه – سيجد حتما- في فهرستها مبحث الحكم الشرعي، فما من مؤلف سواء من المتقدمين أو المعاصرين، إلا أعطاه تعريف لكن تعاريف الأصوليين، وإن اختلفت عبارتها وألفاظها من حيث إضافة قيد أو إسقاطه، فإنها متفقة في الجوهر والأساس ولبيان هذه الحقيقة نورد فيها قسما من هذه التعاريف:

عرفه الآمدي–رحمه الله- بقوله: “خطاب الشارع المفيد فائدة شرعية”.[31]

واعترض على هذا التعريف بأنه “شرط في تعريف الحكم أنه مفيد فائدة شرعية، وقد تدخل فيه الخطابات المفيدة فائدة شرعية، وليست بحكم فيالاصطلاح، كإخبار الله تعالى عن أحوال الأمم السابقة، فهذه الأخبار تفيد العظة والاعتبار من جهة، وتتعلق بالمكلفين وأفعالهم، ومن جهة أخرى لا تدخل في الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين.”[32]

وعرفه القرافي –رحمه الله- بقوله: “الحكم الشرعي: هو خطاب الله القديم المتعلق بأفعال المكلفين على وجه الاقتضاء، أو التخيير، أو ما يوجب ثبوت الحكم، أو انتفاؤه”.[33]

واعترض عليها القاضي أبو بكر بقوله:” الكلام لا يوصف بأنه خطاب دون وجود مخاطب، ولذلك أحلنا أن يكون كلام الله في أزله، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في وقته، مخاطبة على الحقيقة وأجزنا كونه أمرا أو نهيا، وعلى هذا لا يقال للموصي إنه مخاطب بما يودعه وصيته، ويقال: أمر من إليه الوصية. فعلى هذا لا يصح أن يؤخذ الخطاب في حد الحكم، لأن الحكم الموجود للمعدوم والخطاب لا يكون إلا للموجود، فالحكم قديم، والخطاب حادث، ويجب أن يقال الكلام”.[34]

وعرفه الإمام الشوكاني – رحمه الله- بقوله: “هو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع”.[35]

وبعد هذا العرض لأشهر التعاريف المقدمة للحكم، والساعية إلى رصد حقيقته الاصطلاحية، يتبين أن التعريف الذي أورده الشوكاني واعتمده تعريفا صحيحا للحكم، هو التعريف الراجع الصحيح، لاشتماله على حقيقة الحكم صراحة، وعلى ما يرصد طرق تعلقه بأفعال المكلفين ولهذه الصحة والشمول اللذين امتاز بهما فقد عمل به جمهور الأصوليين من بعده وتمسك به أغلب متأخريهم، ولهذا رأيناه التعريف المتداول عند جمهور علماء الأصول.

الفصل الثاني: الخلاف في الاستصحاب وأثره في الأحكام

المبحث الأول: حجية الاستصحاب

اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنابلة والمالكية والظاهرية وأكثر الشافعية إلى أنه حجة سواء كان في النفي أو الإثبات، [36] وذهب أكثر الحنفية والمتكلمين إلى أنه ليس بحجة، [37] وهذا خاص عندهم بالشرعيات بخلاف الحسيات، فإن الله سبحانه أجرى العادة فيها بذلك، ولم يجر العادة به في الشرعيات، فلا تلحق بالحسيات.[38] ونقل الشيرازي عن الشافعي أنه يجوز الترجيح به لا غير، وقال: إنه الذي يصح عنه، لا إنه يحتج به.[39]

أدلة المعتبرين له:

أ) من الكتاب الكريم:

قوله تعالى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[40] وقالوا: هذا احتجاج بعدم الدليل [41].

وقوله تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}، [42] حيث دل على أن ما يثبت لا يجوز نقضه، يقول ابن كثير: قال عبد الله بن كثير والسدي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه، وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده وهذا القول أرجح وأظهر سواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا؟ [43].

ب) من السنة المطهرة:

ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إن الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين آليته، ويقول أحدثت أحدثت، فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) [44].

وجاء في الحديث أيضا: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن)[45].

ففي هذه الأحاديث معنى الاستصحاب الذي لا يترك اليقين لمجرد الشك[46].

ج) الإجماع:

لقد قرر الإمام الآمدي الإجماع على العمل بالاستصحاب حيث قال:

“إن الإجماع منعقد على أن الإنسان لو شك في وجود الطهارة ابتداء، لا تجوز له الصلاة، ولو شك في بقائها جازت له الصلاة، ولو لم يكن الأصل في كل متحققا دوامه، للزم إما جواز الصلاة في الصورة الأولى، أو عدم الجواز في الصورة الثانية، وهو خلاف الإجماع”[47].

ويرى بعض المعاصرين: ” الاستصحاب: هذا أصل فقهي، قد أجمع الأئمة الأربعة ومن تبعهم على الأخذ به، ولكنهم اختلفوا في مقدار الأخذ، فأقلهم أخذا به الحنفية وأكثرهم، أخذا به الحنابلة ثم الشافعية، وبين الفريقين المالكية، ويظهر أن مقدار أخذ الأئمة بالاستصحاب كان تابعا لمقدار الأدلة التي توسعوا فيها”[48].

أدلة المانعين له:

1-“أن الاستصحاب أمر عام يشمل كل شيء، وإذا كثر عموم الشيء كثرت مخصصاته وما كثرت مخصصاته ضعفت دلالته فلا يكون حجة.

2- ” إن الطهارة والحل والحرمة كلها أحكام شرعية، ولا تثبت إلا بدليل منصوب من قبل الشارع، وأدلة الشرع منحصرة في النص والإجماع والقياس إجماعا، والاستصحاب ليس منها، فلا يجوز الاستدلال به في الشرعيات “[49].

3- ” لو كان الأصل البقاء لكانت بينة النفي أولى بالاعتبار من بينة الإثبات، لأن بينة النفي مؤيدة باستصحاب البراءة الأصلية، فيكون الظن الحاصل بها أقوى، وهذا باطل لأن البينة لا تعتبر من النافي وهو المدعى عليه، وتقبل من المثبت وهو المدعي إجماعا “.[50]

المذهب الراجح في المسألة: الراجح في هذه المسألة عند جمهور العلماء أن الاستصحاب حجة مطلقا في الإثبات والنفي، في الدفع والابتداء، وذلك لقوة أدلتهم خاصة وأنها تنوعت مداركها وتعددت مصادرها فهي من الكتاب الكريم والسنة النبوية والإجماع والعقل وذلك بعكس ما استند إليه المانعون.

ومما يؤيد هذا الترجيح أنه “لا معنى للمعجزات إلا باستصحاب الحال للعادات التي تأتي المعجزة بخرقها، ولا معنى للمعاملات والصلات بين الناس إلا على أساس استصحاب الأحوال التي كانت المفارقة عليها، فلا معنى للتعبد بالشرع، ولا يمكن العمل به، إلا إذا علمنا، وغلب على الظن أنه لم يطرأ على ما تعبدنا به نسخ أو رفع، وهذا هو الاستصحاب، والأمة متفقة على كثرة اختلاف الفقهاء على أنه متى تيقنا حصول شيء، وشككنا في حدوث المزيل بالتيقن، وهذا عين الاستصحاب. “[51]

المبحث الثاني: أثر الاختلاف في حجية الاستصحاب في استنباط الأحكام الفقهية

إن رصد أثر الخلاف في حجية الاستصحاب لا يكون علميا وموضوعيا إلا إذا اعتمد على تحرير موضع النزاع في أصل الاستصحاب ودليله، وذلك لبيان الصور التي شملها الاختلاف، وعمل من جهة أخرى على بيان حدوث اختلاف واضح في كثير من المسائل.

ومن هنا فرصدنا لما ترتب عن الخلاف في حجية الاستصحاب لن يشمل ما ترتب عن مطلق الاحتجاجات التي احتج بها الأصوليون من مختلف المذاهب، لأن هذه الاحتجاجات التي جاءت مطلقة لا تخص نوعا من أنواع الاستصحاب، وإنما تخص أصله ودليله، وهي بحسب إطلاقها لا دلالة لها على ما ترتب عن الخلاف فيها من خلاف في الأحكام، وإنما ـ وهذا هو الصحيح ـ سيشمل ما ترتب عن الخلاف في بعض أنواعه، وما نجم عن هذا الخلاف من اختلاف في كثير من الأحكام.

وبالنظر في أنواع الاستصحاب وتتبعها، يتبين أن المختلف فيه منها ـ والذي نشأ عن الاختلاف في أصله اختلاف في الأحكام ـ لا يعدو أنواعا أربعة هي:

  • النوع الأول: استصحاب حكم الإجماع في محل الخلاف.
  • النوع الثاني: استصحاب البراءة الأصلية.
  • النوع الثالث: في حكم الأشياء في الأصل.
  • النوع الرابع: في الأخذ بأقل ما قيل.

وفيما يلي بيان للخلاف في أصل هذه الأنواع وما انبنى عنه من خلاف في الأحكام.

النوع الأول: استصحاب حكم الإجماع في محل الخلاف

وهذا النوع راجع إلى الحكم الشرعي، بأن يتفق على حكم في حالة، ثم تتغير صفة المجمع عليه، فيختلفون فيه، فيستدل من لم يغير الحكم باستصحاب الحال [52] وقد وقع الخلاف فيه: هل هو حجة أم لا على مذاهب منها:

المذهب الأول: أنه ليس بحجة.

وهو مذهب الأكثرين منهم القاضي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، والغزالي… وهو قول جمهور أهل الحق من الطوائف. وقال المارودي والروياني:” إنه قول الشافعي وجمهور العلماء، فلا يجوز الاستدلال بمجرد الاستصحاب بل إن اقتضى القياس أو غيره ألحاقه بما قبل ألحق به وإلا فلا. “[53]

المذهب الثاني: أنه حجة.

وهو مذهب أبي ثور وداود الظاهري… ونقله ابن السمعاني عن المزني وابن سريج، والصيرفي، وابن خيران، وحكاه أبو منصور عن أبي الحسين بن القطان، قال: واختاره الآمدي، وابن الحاجب.[54]

والخلاف في هذا النوع انبنى عليه مسائل منها: مسألة المتيمم إذا رأى الماء في صلاته: هل صلاته صحيحة أم لا؟

ويمكن بيان الخلاف فيها من خلال مذهبين:

المذهب الأول: لا يبطل تيممه، وصلاته صحيحة وليس عليه أن يقطعها بل يتممها بتيممه. وهو قول مالك ووافقه الشافعي:

قال الإمام مالك:” قال مالك في رجل تيمم ودخل في الصلاة ثم اطلع عليه رجل معه ماء قال يمضي في صلاته ولا يقطعها.”[55]

وقال الإمام الشافعي: ” إن تيمم فدخل في نافلة أو في صلاة على جنازة ثم رأى الماء مضى في صلاته التي دخل فيها ثم إذا انصرف توضأ إن قدر للمكتوبة فإن لم يقدر أحدث نية للمكتوبة فتيمم لها” [56]

وقد قرر الدسوقي هذا المذهب بقوله ” إن وجده بعد الدخول فلا يبطل بل يجب استمراره فيها ولو اتسع الوقت لدخوله بوجه جائز. “[57]

ودليل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه ” أنه شرع بصلاته – وصلاته صحيحة بتيممه– فتستصحب هذه الصحة حتى آخر صلاته، وما جاز له أول الصلاة جاز له آخرها ودعموا قولهم هذا بأن القول ببطلان صلاته فيه إبطال لعمله.”[58] والله تعالى يقول {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.[59]

وترتب على هذا الأصل أن المتيمم إذا رأى الماء في أثناء صلاته لا تبطل صلاته عند الشافعي رضي الله عنه، لأن الإجماع قد انعقد على صلاته حالة الشروع، والدليل الدال على صحة الشروع دال على دوامه إلا أن يقوم دليل الانقطاع. [60]

المذهب الثاني: أنه ينتقض تيممه، وتبطل صلاته، ويجب عليه استعمال الماء واستئناف الصلاة. وإليه ذهب الحنفية ” (ولنا) أن طهارة التيمم انتهت بوجود الماء فلو أتم صلاته أتمها بغير طهارة وذلك لا يجوز وحرمة الصلاة إنما تمنعه من استعمال الماء أن لو بقيت ولم تبق هاهنا لما بينا أن التيمم لا يرفع الحدث فعند وجود الماء يصير محدثا بحدث سابق على الشروع في الصلاة وذلك يمنعه من البناء كخروج الوقت في حق المستحاضة؛ لأن البناء على الصلاة عرف بالأثر وذلك في حدث يسبقه للحال فلهذا ألزمناه الوضوء واستقبال الصلاة والشروع في الصلاة وإن صح كما قال إلا أن المقصود لم يحصل به؛ لأنه إسقاط الفرض عن ذمته ومتى قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل سقط اعتبار البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت وإن وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والسلام لم تلزمه الإعادة إلا على قول مالك – رحمه الله – فإنه يقول إذا وجد الماء في الوقت يعيد الصلاة؛ لأن طهارة التيمم لضرورة التمكن به من أداء الصلاة، والأداء باعتبار الوقت فإذا ارتفعت هذه الضرورة بوجود الماء في الوقت سقط اعتبار التيمم كالمريض إذا أحج رجلا بماله ثم برئ فعليه حجة الإسلام لبقاء الوقت فإن العمر للحج كالوقت للصلاة.” [61]

ودليل أصحاب هذا المذهب أن التيمم طهارة ضرورية، فبطلت بزوال الضرورة، كطهارة المستحاضة إذا انقطع دمها.[62]

وهكذا نرى من خلال الخلاف المتقدم في مسألة المتيمم إذا رأى الماء في أثناء صلاته، أن من حكم بصحة صلاته من العلماء قد استصحب حكم الإجماع في محل النزاع حتى يقوم دليل يلغي العمل بهذا النوع من الاستصحاب، وأن من حكم بعدم صحة صلاته لا يرى لهذا الاستصحاب ما يدل على صحته، بدليل أن الإجماع إنما دل على دوام الصلاة وصحتها حال عدم الماء، فأما مع وجوده ففيه الخلاف، ولا إجماع مع الخلاف الموجود القائم.

النوع الثاني: استصحاب البراءة الأصلية 

وصورته ” أن يكون الحكم ثابتا بدليل مطلق غير معترض للزوال، وقد طلب المجتهد الدليل المزيل بقدر وسعه ولم يظهر، فقد اختلف فيه:

فقال جماعة من أصحاب الشافعي مثل المزني والصيرفي، وابن شريح وابن خيران أنه حجة ملزمة متبعة في الشرعيات.

وقال أبو منصور الماتريدي ” أن هذا القسم يصلح حجة على الخصم في موضع النظر، ويجب العمل به على كل مكلف إذا لم يجد دليلا فوقه من الكتاب والسنة، ولا يجوز تركه بالقياس قبل الترجيح، ” وهو اختيار السمرقندي.”[63]

وقد انبنى على الخلاف في هذا النوع مسائل منها مسألة الوضوء مما يخرج من البدن من غير السبيلين.

وفي بيان حكم هذه المسألة مذهبان:

المذهب الأول: ويرى أنه لا ينقض الوضوء بشيء مما يخرج من غير السبيلين قل ذلك الخارج أو كثر، وسواء في ذلك الدم، والقيء، والقلس حتى ولو كان ذلك الخارج من الفم أو من غيره من البدن طالما كان من غير السبيلين. وهو مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي[64] ـ رحمهما الله تعالى ـ.

قال ابن رشد ” واعتبر قوم آخرون الخارج والمخرج وصفة الخروج فقالوا كل ما خرج من السبيلين مما هو معتاد خروجه وهو البول والغائط والمذي والودي والريح إذا كان خروجه على وجه الصحة فهو ينقض الوضوء، فلم يروا في الدم والحصاة والدود وضوءا ولا في السلس، وممن قال بهذا القول مالك وجل أصحابه.”[65]

وقال النووي ” ومذهبنا أنه لا ينتقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين كدم الفصد والحجامة، والقيء، سواء قل أو كثر.[66]

وحجة أصحاب هذا المذهب ” إن الأصل عدم النقض، فيستصحب هذا الأصل حتى بثبت الدليل بخلافه، ولم يثبت، فيبقى على الأصل من عدم النقض وكذلك قبل الخروج غير ناقض بالإجماع، فيستصحب هذا الحكم بعد الخروج.[67]

المذهب الثاني: ويرى أن ما يخرج من البدن من النجاسة ينقض الوضوء حتى ولو كان خروجه من غير السبيلين وذلك إذا ما جاوز الخارج مكانه وإلى هذا ذهب أبو حنيفة.[68]

قال ابن رشد ” اختلف علماء الأمصار في انتقاض الوضوء مما يخرج من الجسد من النجس على ثلاثة مذاهب فاعتبر قوم في ذلك الخارج وحده من أي موضع خرج وعلى أي جهة خرج، وهو أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد وجماعة ولهم من الصحابة السلف فقالوا كل نجاسة تسيل من الجسد وتخرج منه يجب منها الوضوء كالدم والرعاف الكثير والفصد والحجامة والقيء إلا البلغم عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة أنه إذا ملأ الفم ففيه الوضوء. “[69]

وقال ابن قدامة ” وجملته أن الخارج من البدن من غير السبيلين ينقسم قسمين طاهرا ونجسا، فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما، والنجس ينقض الوضوء في الجملة رواية واحدة. وقال وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير.”[70]

وحجة أصحاب هذا المذهب منها ما هو مأخوذ من السنة ومنها ما هو مأخوذ من عمل الصحابة.

فأما السنة فمنها:

ما رواه معدان بن طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ. قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك، فقال ثوبان صدق، أنا صببت له وضوء).[71]

وأما الحجة المأخوذة من عمل الصحابة فقد قررها ابن قدامة بقوله ” روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم، فكان إجماعا. “[72]

مما تقدم بيانه نستخلص أن مذهب القائلين بأن الخارج من البدن من غير السبيلين لا ينقض الوضوء مذهب مبني على استصحاب البراءة الأصلية، وأن مذهب القائلين بأن الخارج من غير السبيلين ينقض الوضوء مذهب مبني على حجج أخرى، أثبت إما عدم حجية البراءة الأصلية عندهم في هذه المسألة، ما دامت هذه الحجج مزيلة بوجودها للحكم الثابت بدليل مطلقا، وإما عدم التسليم باستصحاب البراءة الأصلية من أساسه وأصله، لأنه ليس بحجة ملزمة في الشرعيات.

النوع الثالث: في حكم الأشياء في الأصل

وهذا النوع قد جعله البعض شرطا من شروط الإفتاء، قال ابن عقيل ” من شروط المفتي أن يعرف ما الأصل الذي ينبني عليه استصحاب الحال هل هو الحظر أو الإباحة أو الوقف ليكون عند عدم الأدلة متمسكا بالأصل إلى أن تقوم دلالة تخرجه عن أصله. “[73]

وقد اختلف الأصوليون في حكم الأشياء في الأصل:

فذهب أكثرهم من الشافعية والمالكية إلى أن الأشياء في الأصل على الوقف ليست بمحظورة ولا مباحة.[74] وذهب فريق منهم وهم من أهل الظاهر والأحناف أن الأشياء في الأصل على الإباحة، [75] وذهب فريق آخر منهم الأبهري إلى أن الأشياء في الأصل على الحظر.[76]

وقد انبنى على الخلاف في هذا النوع خلاف في مسائل منها مسألة ما صاده الكلب المعلم إذا أكل من الصيد، وفي حكم هذه المسألة وقع الخلاف على مذاهب:

مذهب أول: يرى أنه يؤكل من ذلك الصيد الذي أكل منه الكلب المعلم، إذا أكل من الفريسة مرة واحدة ولم يحرم ما مضى من الفريسة، وهذا المذهب مبني على أحد القولين للشافعي وهو متمسك أحمد في أصح الروايتين عنه. [77]

مذهب ثان: يرى أنه يحرم الجميع أي ما صاده وما سبق من صيود، وهو مذهب أبي حنيفة.[78]

ومذهب ثالث: يرى أنه لا يحرم صيد المعلم وإن أكل منه أكثر من مرة، وهو مذهب مالك رحمه الله. [79]

وحجة أصحاب المذهب الأول – ومنهم الإمام الشافعي –أنه حين صادها، كان حل صيده ثابتا بيقين، لظهور كونه معلما، فلا يحكم بالحرمة إلا بدليل، ولا دليل على تحريمه، فيبقى على أصل الحل الثابت بيقين. [80]

قال الزنجاني ” إن الكلب المعلم إذا أكل من فريسته مرة واحدة، لم تحرم تلك الفريسة على أحد القولين عندنا، ولم يحرم ما مضى من فريسته قولا واحدا، استصحابا للحل الثابت قبل الأكل، فانه ثابت يقينا. “[81]

وحجة أصحاب المذهب الثاني – ومنهم الإمام أبو حنيفة – ” أن الأكل من الصيد دليل جهله من الابتداء، وهو الامتناع عن الأكل، وبالإقدام على الأكل اظهر ضد العلم وهو الجهل، لأن الأكل هو السبب الظاهر المظهر للجهل، ولأن الحرفة لا ينسى أصلها، فبالأكل تبين أنه كان يترك الأكل للشبع لا للعلم، وصيد الجاهل لا يؤكل. “[82]

وحجة أصحاب المذهب الثالث – ومنهم الإمام مالك – قول الصحابي: لك ما رواه في الموطأ عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول في الكلب المعلم كل ما أمسك عليك إن قتل وإن لم يقتل.[83]

وحاصل ما تقدم أن من عمل بهذا النوع من الاستصحاب، حكم بجواز الأكل من فريسة الكلب المعلم إذا أكل منها مرة واحدة، وما مضى من صيود قبل أكله، استصحابا للحال الثابت قبل الأكل، فانه ثابت يقينا ومن لم يحكم بهذا النوع من الاستصحاب، حكم بتحريم الجميع.

النوع الرابع: في الأخذ بأقل ما قيل

اتفقت عبارات جمهور الأصوليين في تحديد الدلالة الأصولية لمعنى أقل ما قيل، وإن اختلفت الألفاظ في تفسير معناه، وفيما يلي بيان لذلك:

” أن يختلف العلماء في مسألة على قولين، أو ثلاثة، فيوجب بعضهم قدرا ويوجب بعضهم أقل من ذلك. “[84]

وهذا النوع مختلف في الاحتجاج به فمنهم من ذهب إلى أنه حجة.” [85]

أن الأخذ بأقل ما قيل مركب من الإجماع، والبراءة الأصلية.”[86]

ومنهم من نفى أن يكون حجة.[87] “أن الأخذ بأقل ما قيل يؤدي إلى اطراح الاجتهاد، والأصل ألا يطرح الاجتهاد، ليس البعض أولى من البعض، والاجتهاد دليل ظاهر في الإصابة، فلا يقدم أحدهما على الآخر.”[88]

وقد انبنى على الأخذ بأقل ما قيل أو تركه خلاف في الفروع فمن ذلك مقدار دية الكتابي التي اختلف فيها على أقوال ثلاثة:

القول الأول:

ذهب بعض العلماء إلى أن دية الكتابي، وغيره كدية المسلم، قال أبو حنيفة ” وأما اليهودي والنصراني والذمي مثل دية المسلم. “[89]

ولهذا القول أدلة من القرآن والسنة، أما أدلته من القرآن فمنها ما يلي:

{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}.[90]

أما أدلته من السنة ما روي أن عمرو بن أمية الضمري قتل مستأمنين فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما بدية حرين مسلمين. [91]

وما روي أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم.[92]

القول الثاني:

ذهب المالكية والحنابلة في رواية، وهي رواية ظاهر المذهب [93] إلى أن دية الكتابي على النصف من دية المسلم، وأما اليهودي والنصراني والذمي فديته نصف دية المسلم.[94]

ومن أدلة هذا القول ما يلي:

ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (دية الكافر على النصف من دية المسلم.)[95]

القول الثالث:

قال الشافعي:” ثلث دية المسلم”[96] لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم).[97]

خاتمة:

بعد هذه الرحلة المتواضعة في رحاب ” الاختلاف في الاستصحاب وأثره في الأحكام ” ألقي عصا الترحال مسجلة أهم النتائج التي توصلت إليها:

أن التعاريف الاصطلاحية للاستصحاب متقاربة وهي بحسب تقاربها هذا تعني الحكم باستمرار وجود ما ثبت وجوده حتى يدل دليل معتبر على رفعه، والحكم باستمرار عدم ما لم يثبت وجوده حتى يدل دليل معتبر على وجوده.

أن الخلاف في صلاحية الاستصحاب لإبقاء ما كان على ما كان، خلاف لفظي بين المثبتين لحجية الاستصحاب والنافين لحجيته كما قال أهل العلم. لأن ما ثبت يبقى على ما كان عليه عند الطرفين عند عدم المغير، وإنما الخلاف في المبقي له، هل هو الاستصحاب أو الدليل الذي أثبت الحكم ابتداءا؟

أن الاستصحاب وإن كان من الأدلة المتفق على الاحتجاج بها عند الجمهور، فإنه لا يرتقي عندهم إلى مرتبة الأدلة المثبتة للأحكام ابتداء، وإنما هو في حقيقة الأمر دليلا كاشفا ومظهرا للحكم.

أن الخلاف في الاستصحاب له أثر بالغ في المسائل الفقهية.

أن المستقرئ لأبواب الفقه الإسلامي المختلفة، يرى جليا ما لهذا الدليل من آثار فقهية في الواقع التطبيقي، وهذا دليل ساطع على دور الاستصحاب في رفع الحرج والتخفيف عن المكلفين في مختلف شؤون حياتهم الدينية والدنيوية.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


لائحة المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن تيمية. م، ابن تيمية. ش. ابن تيمية. أ، 2007 م، المسودة في أصول الفقه، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل، الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية.
  • ابن جزي. م، 2000م، القوانين الفقهية، الدار البيضاء ـ المغرب، دار المعرفة.
  • أبو زهرة. م، 2007م، ابن حنبل حياته وعصره آراؤه الفقهية، القاهرة، دار الفكر العربي.
  • ابن رشد. م، 1425هـ – 2004م بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق محمد الأمد وضياء الدين، دار إحياء التراث العربي.
  • ابن قدامة. ع، 2004م المغني، تحقيق محمد شرف الدين والسيد محمد السيد، القاهرة، دار الحديث.
  • ابن قيم الجوزية. م، 1423هـ، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق مشهور بن حسن آل سليمان أبو عبيدة، الطبعة الأولى، المملكة العربية السعودية، دار ابن الجوزي.
  • ابن كثير. ع، 1419هـ، تفسير القران العظيم، حقق أصوله عبد الرؤوف سعد وشرح حواشيه عبد الله المنشاوي، دار الاعتصام.
  • ابن حزم. ع، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق أحمد محمد شاكر، بيروت، دار الآفاق الجديدة.
  • ابن منظور. ج، 2005م، لسان العرب، لابن منظور، الطبعة الرابعة، بيروت، دار صادر.
  • أبو زهرة. م، أصول الفقه، القاهرة، دار الفكر العربي.
  • الأسنوي. ع، 2004م، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل، الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية.
  • الأصبحي. م، 1985م، موطأ مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
  • الأصبحي. م، المدونة الكبرى، تعليقات مقدمات ابن رشد، تحقيق أبو مالك كمال بن سالم، القاهرة ـ مصر، المكتبة التوفيقية.
  • الأصفهاني. ح، 1412هـ، المفردات في غريب القرآن، تحقيق صفوان عدنان الداودي، الطبعة الأولى، دمشق دار القلم.
  • الآمدي. أ، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق الشيخ إبراهيم العجوز، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية.
  • الباجي. س، 2009 م إحكام الفصول في أحكام الأصول، تحقيق عمران علي أحمد العربي، الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان، دار ابن حزم.
  • البخاري. ع، 1308هـ، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، بيروت، دار الكتاب العربي.
  • البخاري. م، صحيح البخاري، دار إحياء الكتب العربية.
  • البغا. م، 1993 م أثر الأدلة المختلف فيها، الطبعة الثانية، دمشق، دار القلم.
  • البهاري. ع، 2002 م مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت، تحقيق عبد الله عمر، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية.
  • البيهقي. أ، 2003م، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، الطبعة الثالثة، دار الكتب العلمية.
  • الترمذي. م، سنن الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، الرياض، مكتبة المعارف.
  • التهانوي. م، 1996م، كشاف اصطلحات الفنون والعلوم، تحقيق علي دحروج، الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان.
  • الخن. م، 2007م، القطعي والظني في الثبوت والدلالة عند الأصوليين، الطبعة الأولى، دمشق، دار الكلم الطيب.
  • الدارقطني. ع، 1993م، سنن الدارقطني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
  • الدسوقي. م، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر.
  • الرازي. أ، 1979م، مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر.
  • الروكي.، 2000م، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، تقديم فاروق حمادة، الطبعة الأولى، بيروت ـ لبنان، دار ابن حزم.
  • الزحيلي. و، 1986م، أصول الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، دار الفكر.
  • الزركشي. م، 2007م، البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي، تحقيق محمد محمد تامر، الطبعة الثانية، بيروت، دار الكتب العلمية.
  • الزنجاني. م، 1987م، تخريج الفروع على الأصول، تحقيق محمد أديب صالح، الطبعة الخامسة، بيروت، مؤسسة الرسالة.
  • زيدان. ع، 1987 م، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة قرطبة.
  • السبكي. ت، 2004م، الإبهاج في شرح المنهاج، دراسة وتحقيق احمد جمال الزمزمي ونور الدين عبد الجبار صغيري، الطبعة الأولى، دبي، دار البحوث للدراسات الإسلامية.
  • السرخسي. م، 1414هـ/ 1993م، المبسوط، بيروت، دار المعرفة.
  • السجستاني. س، 1988م، سنن أبي داود، تحقيق كمال يوسف الحوت، الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية.
  • الشافعي. م، 2001م، الأم تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء.
  • الشوكاني. م، 1998م إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق وتعليق شعبان محمد إسماعيل، الطبعة الأولى، القاهرة ـ مصر، دار السلام.
  • الشيرازي. أ، 1988 م، شرح اللمع تحقيق عبد المجيد تركي، الطبعة الأولى، بيروت، دار الغرب الإسلامي.
  • الغزالي. م، 2010م، المستصفى من علم الأصول، اعتنى به عبد الله محمود محمد عمر، الطبعة الثانية، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية.
  • الغنانيم. ق، 2009 م، الأخذ بأقل ما قيل في إثبات الأحكام الشرعية، الطبعة الأولى، عمان، دراسات علوم الشريعة والقانون.
  • الفيروز آبادي. م، 2003م، القاموس المحيط، الطبعة السابعة، بيروت، لبنان، مؤسسة الرسالة.
  • الفيومي. أ، 1418هـ، المصباح المنير، الطبعة الثانية، صيدا، لبنان، المكتبة العصرية.
  • القرافي. أ، 1997م، نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد عوض، الطبعة الثانية، الرياض، مكتبة نزار مصطفى الباز.
  • القرافي. أ، 2004 م، شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، بيروت ـ لبنان، دار الفكر.
  • القرافي. أ، 2016م، القواعد الأصولية، الطبعة الأولى، الرياض ـ المملكة العربية السعودية دار التدمرية.
  • مصطفى. أ، الزيات. أ، عبد القادر. ح، النجار. م، المعجم الوسيط، دار الدعوة
  • النووي. م، المجموع شرح المهذب، تحقيق محمد نجيب المطيعي، جدة ـ المملكة العربية السعودية، مكتبة الإرشاد.
  • النيسابوري. م، صحيح مسلم، المنصورة ـ مصر، مكتبة الإيمان.
  • هلالي. س، 2004م، المهارة الأصولية وأثرها في النضج والتجديد الفقهي، الطبعة الأولى، جامعة الكويت.

[1] “سورة الأنعام “(الآية 141)

[2] ابن منظور، 2005م، (9 / 91).

[3]” سورة مريم”، (الآية: 59)

[4] الرازي، 1979 م (2 / 210 -211 -2012)

[5] الأصفهاني 1412هـ، (ص: 294)

[6] الروكي، 2000م (ص: 221)

[7] التهانوي، 1996م (3 / 57)

[8] نفسه

[9] نفسه.

[10] الفيومي، 1418هـ، (ص: 69)

[11] الرازي، 1979(3 / 335)

[12] الفيومي 1418هـ، (1 / 127)

[13] ابن حزم (5 / 591).

[14] نفسه

[15] هلالي، 2004م (ص: 174).

[16] الزحيلي، 1986م (2 / 860).

[17] الغزالي، 2010م (ص 254-255).

[18] القرافي، 2004م (ص 351)

[19] الشوكاني، 1998م (2 / 680).

[20] ابن قيم الجوزية، 1423هـ (1 / 339).

[21] أبو زهرة، (ص: 266).

[22] الأسنوي، 2004م (ص: 601)

[23] الرازي، 1979م (2/91).

[24] الفيروز آبادي، 2003م (ص: 1095).

[25] ” سورة النساء”، (الآية: 64).

[26] “سورة الأنعام”، (الآية: 115).

[27] “سورة النساء”، (الآية: 35).

[28] “سورة آل عمران”، (الآية: 6).

[29] مصطفى. الزيات. عبد القادر. النجار (1/ 189 -190).

[30] زيدان، 1987م (ص: 23).

[31] القرافي، 2016م (ص123)

[32] نفسه

[33] نفسه

[34] السبكي، 2004م (1/118).

[35] الشوكاني، 1998م (1/ 49).

[36]الزركشي، 2007م، (6/17)

[37] الأسنوي، 2004م (601)

[38] الشوكاني، 1998م، (2 / 680)

[39] نفسه

[40]“سورة الأنعام «، (الآية: 145).

[41] الخن، 2007م، (ص 210).

[42] ” سورة النحل”، (الآية 92).

[43] ابن كثير، 1419هـ (2 / 731).

[44] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر (177)

[45] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (571)

[46] هلالي، 2004م، (ص 184)

[47] الآمدي، (3 / 367)

[48] أبو زهرة، 2007م، (ص 289)

[49] الخن، 2007م (ص 208)

[50] نفسه (ص 209)

[51] البغا، 1993م (ص 197)

[52] الزركشي، 2007م (6 / 21)

[53] الشوكاني، 1998م (2 /682)

[54] نفسه

[55] الأصبحي، (1/ 50)

 الشافعي، 2001م، (1 /64) [56]

[57] الدسوقي (1/ 159)

[58] البغا، 1993م (ص 205).

[59] “سورة محمد ” (الآية: 33).

[60] الزنجاني، 1987م (ص 74)

 السرخسي، 1414هـ / 1993م، (1/110) [61]

[62]ابن قدامة، 2004م (1/ 198)

[63] البخاري، 1308هـ (3 / 546)

[64] ابن رشد، 1428هـ/ 2004م (1 / 59)

[65] نفسه

[66] النووي، (2 / 62)

[67] البغا،1993م، (ص 202)

[68] نفسه

[69] ابن رشد، 1428هـ/ 2004م، (1 /59)

[70] ابن قدامة، (1 / 135 -136).

[71]أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب (ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف)، (حديث 87)، (1/ 32).

[72] ابن قدامة، (1/135).

[73] نقلا عن آل ابن تيمية، 2007م، (ص 929)

[74] الباجي، 2009م (2 / 929)

[75] آل تيمية، (ص 453)

[76] الباجي، 2009م (ص 929)

[77] البغا، 1993م (ص 230)

[78] الزنجاني، 1987م، (ص174).

[79] البغا، 1993م، (ص 236)

[80] نفسه

[81] الزنجاني، 1987م (ص 174)

[82] نفسه

[83] نفسه

[84] الشيرازي، 1988م، (2 / 993)

[85] الغنانيم، 2009م، (ص842)

[86]السبكي، 2004م (2 / 175)

[87] البهاري، 2002م، (2 / 292)

[88] القرافي، 1997م، (9 / 4256)

[89] ابن جزي، 2000م، (ص 297)

[90]“سورة النساء “، (جزء من الآية 92)

[91]اخرجه البيهقي، في سننه، كتاب الديات، باب (دية أهل الذمة)، (8 / 178)

[92]أخرجه الدار قطني، في سننه، كتاب الديات (3 / 130)

[93] ابن قدامة، 2004م (7 / 532)

[94] ابن جزي، 2000م، (ص 297).

[95]اخرجه أبو داود في سننه، كتاب الديات، باب (دية الذمي)، (2 / 603)

[96]نقلا عن ابن جزي (ص 297)

[97]اخرجه البيهقي في سننه، كتاب الديات، باب (دية أهل الذمة)، (8/ 177)

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.