منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التنمية والشباب

التنمية والشباب/ذة. زبيدة بوقادير

0

التنمية والشباب
ذة. زبيدة بوقادير
باحثة في القضايا الاجتماعية والقانونية

عندما نستبدل كلمة “التنمية” بـ”العمران الأخوي” فإن الهدف يكون أسمى وأعلى مما تحمله التنمية بمعناها الشمولي الكمي والتأهيلي.. فهذه تنمية تائهة غايتها الإنتاج والاستهلاك، أما مفهوم العمران الأخوي فهو الوجه الإنساني لمستقبل أمة ترجو النهوض من سباتها لتخوض معارك التنمية وتوفير الأرزاق وتمويل المشاريع وإدارة الاقتصاد وتعبئة الطاقات، وتجعل من منافسة السوق العالمية، إضافة لكل ذلك، أولويات ضاغطة لا متنفس دون التفرغ لها، هدفها اقتصاد إسلامي متوازن مبني على الأخلاق، عكس التنمية الاستهلاكية السرطانية المبنية على التبذير والتكاثر وإفساد البيئة، “يقول الناس “تنمية” والإنسان في عملية التنمية مورد من الموارد ومستهلك وسوق، ونقول نحن عمران أخوي له اتجاه ومعنى، عمران لأن الله تعالى استعمرنا في الأرض واستخلفنا فيها إلى حين، وأخوي لئلا ينسى المؤمن أنه أخ المؤمن في الدين، وأخ الإنسان في الإنسانية” (عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، ص: 189).

إذا كان الهدف صلاح الدنيا لصلاح الآخرة، وإذا كانت الرحلة عمرانا مؤقتا لدار يستكمل فيها المسافر معاني آدميته وتستكمل فيها الأمة وظيفتها الرسالية، فإن كلمتها الرسالية لا تسمع إن كانت أمة فقيرة هزيلة ضعيفة، ولا يستكمل الرجل الصالح المحوقل المجاهد في نفسه في زاوية قصية مستسلمة معاني آدميته، ولا ينال المستقر السعيد، إلا إذا اندرج عمله الصالح الفردي في جهاد جماعي يدخل منه على ربه من أبواب الخير كلها. لكل ذلك لابد من تخطيط واستراتيجيات وتغيير شامل على صعيد الفرد والأمة.

إذا كان الهدف التغيير، فمن أين يبدأ هذا التغيير؟

  • على مستوى الأفراد:

توبة وصحبة:

يتغير موقف الإنسان المومن من نفسه ومن العالم بالتوبة الشاملة إلى الله، أو ينشأ على الإيمان من صباه وشبابه، فهو على الاستقامة ينضبط بطاعة الله، ينبعث وينبري ويسارع في الخيرات… يسعى سعي الآخرة لا كدح الدنيا… من الصحبة وبالصحبة، وفضل الله على المؤمنين بالصحبة يبدأ بالتغيير الجذري العميق الانقلابي بتوبة المؤمن والمؤمنة؛ ينتقلان من الأنانية المرسلة الهائمة، ومن العقلية المنكمشة في سياج ثقافتها أو أميتها، ويتحرران من العادات الممسكة عن الخير الساكتة عن المنكر.

● على مستوى الأمة:

تبدأ استراتيجية الاقتصاد الإسلامي من تربية البواعث الإيمانية، وهي قضية أجيال. إن كانت التنمية المادية تقتضي العناية البالغة بـ”الموارد البشرية” وتستثمر في التعليم حسابا لمردودية اقتصادية وتسوية اجتماعية، فإن عنايتنا بهذا الجانب – وينبغي أن تكون من أسبقياتنا – لا تحجب عنا الهدف الاستراتيجي الجهادي؛ تربية أجيال مؤمنة بالله وباليوم الآخر، تصلح في الأرض ولا تفسد، تكون رحمة للخلق لا طاغوتا مخربا، تخدم المستضعفين وتطعم الجائعين وتبر بالخلائق أجمعين.

الباعث القرآني:

ما لم يغرس التعليم الإسلامي المتجدد بذور الإيمان في نفوس الناشئة وفي سن مبكرة، وما لم يصل بحبل الفطرة الموكول صيانته وتوريثه للأسرة بحبل القرآن وعلم الحق المستقى من القرآن، فهي مسحة سطحية وصبغة على وجه النفوس ما لها من قرار في شغاف القلب. للتعليم هدفان أساسيان في أي ملة وقوم: أولهما المؤسس للآخر هو غرس الولاء في النفوس، إما الولاء لحضارة وتقاليد أسرية قومية، وإما الولاء لدين أو لشخص حاكم يُعبد من دون الله. والهدف الثاني المؤسَّس على الأول؛ هو إكساب الناشئة المهارات العقلية العملية المطلوبة اجتماعيا واقتصاديا. الهدف الأول تربوي نفسي يكون أقوى تمكنا في نفوس المتعلمين كلما كان أكثر بكورا، والهدف الثاني تعليمي تدريبي عملي، من شأنه أن يفي بالمقصود منه إن كان الباعث التربوي النفسي الولائي المؤسسي في مكانه من التأصيل والتمكين وقوة الدفع، إذا كانت برامجه وجدواه العملية وملاءمته للحالة الاقتصادية ملبية لحاجات المجتمع منفتحة عليها. وإن كان الباعث الأول هو القرآن الكريم، فينبغي النظر في برامج التعليم للسنوات التسع الأولى من حياة الأطفال لتندرج كلها في كنف القرآن وتستشهد به وتستند إليه، ولا بد أن تعتمد اللغة العربية في مناهج التعليم بما شرفها الله تعالى بأن جعلها الوعاء الأبدي لكلمته الأخيرة للإنسان، والمهمة سامية شريفة؛ مهمة تدريب العربية حتى تصير مستقلة مفتوحة الأبواب على العلوم الكونية والتكنولوجيا، وحتى تتقدم موكب اللغات في مجالات العلوم، إماما لا تابعا، سيدة لا خادمة.

تعليم يحررنا:

“يحمل العالم والمعلم رسالة وواجبا، وما يكون العالم عالما والمعلم معلما ولا يستحق تلك المحبة وذلك التبجيل إلا على قدر ما يحرثان في نفوس جلسائهما والمتعلمين منهما بذرة يزرعها الله وينبتها النبات الحسن، واجبهما وشرفهما الخالدان أن يحرثا الواجب الباعث في أرض النفوس شعورا، وفي سماء العقول مشروعا، وفي صميم القلب نية وباعثا، وفي حقول الواقع عملا تغييريا ينقل الناس من حياة إلى حياة ومن عهد إلى عهد” (عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، ص174).

أعظم ميدان للمواجهة ميدان التربية والتعليم، ذلك الميدان الذي فيه يستقر المستقبل وعلى نتائج غرسه يتوقف مصير الأمة، وإعادة ترتيب هذا الجهاز ضرورة الضرورات في حياة الأمة، يجب إنشاؤه إنشاء جديدا، وصياغة قنواته، وسد منابع الفساد المخلفة فيه لإعداد أجيال سليمة العقيدة والفطرة، مسلحة بالمعارف العملية التطبيقية.

واجهة التربية والتعليم هذه لايقاس النجاح فيها فقط بكمّ الخريجين من المعاهد العلمية التقنية، إن كان الخريجون سيبقون عاطلين لانهيار الاقتصاد أو لسوء التنسيق بين ما تخرجه المدارس وما تستطيع استيعابه عجلة الإنتاج. لابد من ارتباط التعليم بالعملية الاقتصادية، ليتحول التعليم من تلقين نظري إلى تدريب عملي وتعليم بالممارسة الفعلية والمعاناة والتكرار، حتى يتقن المتعلم ما يعالجه وتكون له فيه مؤهلات الإتقان، وحتى يكون التلاؤم والاتصال بين التعليم وأهداف التنمية.

تعميم التعليم:

يلح على المسلم واجب عجزت عن الوفاء به الأنظمة الموروثة كما عجزت عنه الطبقة اللائيكية العصرية، ألا وهو تعميم التعليم والقضاء على الأمية. لا أمل لعزة في هذا العصر لأمة لا تقرأ ولا تكتب ولا تشارك شعوبها معرفة ما يجري في العالم وما تفرضه ضرورات الصراع في العالم.

وإذا كان حديثنا عن الصفوة من الناشئة نصلها بالنبع الصافي مصدر العلم الشامل؛ مصدر العلم بالله وبرسله وكتاب الله وشرع الله والإيمان بالله واليوم الآخر، فحديثنا هنا عن تعميم المعارف الضرورية في الدين ومحو الأمية في الدين، تساير جهود محو الأمية الأبجدية والأمية السياسية والأمية التقنية وتساندها وتستند إليها. إذ لابد من هذا التعميم مقدمة لاغتنام التقنيات التي هي قوام التصنيع، ولابد من التصنيع الذي هو قوام القدرة على الكسب، ولابد من مزاحمة الكاسبين في الدنيا المتنافسين فيها القادرين عليها.

من صفحة نبراس:

https://www.facebook.com/Nibras63

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.