من فوائد التجرد للإحرام بالحج التذكير بالتجرد من الحرام إلى الحلال |سلسلة خطبة الجمعة
الشيخ عبد الله بنطاهر التناني
من فوائد التجرد للإحرام بالحج التذكير بالتجرد من الحرام إلى الحلال |سلسلة خطبة الجمعة
للشيخ عبد الله بنطاهر التناني
الحمد لله الذي جعل من واجبات الحج التجرد للإحرام، لينبهنا على أن من واجبات الحياة التجردَ من الحرام، وبين لنا أن اجتنابَ ممنوعات الحج إنما تأتي بعد اجتناب ممنوعات الإسلام، ونشهد أن لا إله إلا الله الملك القدوس السلام، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الجود والإكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى نهاية الأيام والأعوام.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته…
قدمنا لكم في الجمعة الماضية أن الحجاج يستعدون في هذه الأيام للسفر لأداء مناسك الحج، ويتعلمون كيف يتجردون للإحرام؛ وللتجرد من الإحرام فوائد عديدة وعِبَر مديدة، وقدمنا لكم منها أن من فوائد التجرد للإحرام أنه يذكرنا بالتجرد للأكفان بالموت، والإكثار من تذكر الموت أمر مطلوب شرعا.
فتعالوا بنا اليوم لنكشف الستار عن فائدة أخرى من فوائد التجرد من الإحرام وهو:
أن وجوب التجرد للإحرام في الحج خاصة يذكرنا بوجوب التجرد من الحرام في الحياة عامة؛ ومما لا يقبله عقل ولا نقل أن ترى الحجاج يلتزمون بالتجرد من كل مَخيط ومُحيط، ويجتنبون محرمات الإحرام وكلهم حرص وانتباه؛ فلا يزيلون شعرة، ولا يمرون بمكان فيه رائحة طيبة؛ ولكن البعض في نفس الوقت يرتكبون محرمات الإسلام؛ من سباب وشتائم، وغيبة ونميمة، ومنهم من يدخن وهو في لباس الإحرام؛ ناسين أو متناسين أن محرمات الإسلام قد سبقت محرمات الإحرام؛ بل محرمات الإحرام ما هي إلا جزء صغير من محرمات الإسلام، ومحرمات الإحرام محددة بوقت معين؛ ولكن محرمات الإسلام هي في كل وقت وحين.
أيها الاخوة المؤمنون؛ الحرام هو: كل ما هو مخالف لشرع الله؛ والنبيﷺ يقول: «الحلال بين والحرام بين»؛ سواء كان في العقائد والأفكار، أو في الممارسات من الأقوال والأفعال، أو في وسائل امتلاك الأموال.
فأساس الحرام في العقائد أمران: الشرك، والنفاق؛ ففي قلب المشرك يعشش كل فساد في العقيدة؛ مثل: الزندقة والشعوذة والخرافات، وفي قلب المنافق يعشش كل فساد في الأخلاق؛ مثل: الرياء والسمعة والحقد والحسد.
وأساس الحرام في الممارسات الأجوفان: الفم، والفرج؛ فمن آفات اللسان تتولد الغيبة والنميمة والزور والكذب… وغيرها، ومن آفات الفرج تتولد خطايا الزنا ووسائله من النظر إلى المحرمات والخلوة بالأجنبيات، والتبرج والتسكع في الطرقات، والتحرش بالغاديات والرائحات؛ والرسولﷺ يقول: «أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان: الفم والفرج»، ويقولﷺ: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة».
وأساس الحرام في امتلاك الأموال أمران: الظلم، والخيانة؛ فالظلم يأتي من القوي على الضعيف، والخيانة تأتي من كليهما ضد أحدهما؛ فمن الظلم الربا والرشوة والقمار والسرقة، ومن الخيانة اختلاس الأموال، والغش، والتطفيف في الكيل والميزان.
والمسلم حينما يعيش بالحرام يصاب بأنواع من الحرمان؛ الحرمان من البركة، والحرمان من الوقاية، والحرمان من استجابة الدعاء، والحرمان من قبول العمل، وفي النهاية إذا أكثر من الحرام يصاب بالحرمان من الجنة مع الأبرار.
والحرمان هو فقدان النعم وازدياد النقم؛ هو عدم استطاعة الإنسان الوصول إلى مراده، هو عدم القدرة على تحقيق أهدافه الضرورية في الحياة، هو أن تتحول حياة الإنسان الخاصة والعامة إلى سلسلة من المشاكل لا يكاد يجد حلا لإحداها حتى تطل أخرى برأسها، وما يصيب المسلمين اليوم من فتن الحرمان ومشكلاته سببه هو فتن الحرام بأشكاله، والله تعالى يقول: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ إن أول ما يحتاج إليه المسلم وهو يمارس أفعال الحج، أن يستجيب الله دعاءه، والدعاء هو مخ العبادة، ألا تلاحظون أن الناس عندما يودعون الحاج أول شيء يطلبونه منه هو الدعاء، فكم من واحد يحمل الحاج هذا الطلب: لا تنسني في الدعاء، بل لا يكاد الحاج يودع أحدا إلا طلب منه الدعاء، والحاج بدوره يعد بالوفاء، وهو يعلم أنه مقبل على أماكن مقدسة يستجيب الله فيها الدعاء؛ فهو سيدعو بالروضة الشريفة وهي روضة من رياض الجنة، وسيدعو عند أدائه لمشاعر الحج الطواف والسعي وعرفة، وعند المشعر الحرام والجمرات، وفي الملتزم وعند شرب ماء زمزم، “وماء زمزم لما شرب له”.
ولكن استجابة هذا الدعاء كلِّه مشروط بأكل الحلال واكتساب الحلال، روى الإمام مسلم «أن رسول اللهﷺ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يارب يارب؛ ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك»، وروى الطبراني أن سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله؛ ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال النبيﷺ: «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه، ما يتقبل منه عمل أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به»…
ألا فاتقوا الله عباد الله؛ وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …