منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

حجية الإجماع

الدكتور عماد ستار عمر

0

حجية الإجماع

الدكتور عماد ستار عمر

يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:

كتاب: “رؤية جديدة للإجماع عند الدكتور عبد الله النقشبندي الهرشمي الأربيلي”

اتفق جمهور المسلمين على أن الإجماع حجة، وأنه دليل من الأدلة الشرعية، وإن كانوا اختلفوا في أنواعه وطبيعته وشروطه، وهناك قلة تنكر حجية الإجماع وهم الشيعة الامامية[1] ومن المعتزلة إبراهيم النّظام (المتوفى231) والقاشاني (المتوفى 310هـ) وجعفر بن حرب(المتوفى 236هـ) وجعفر بن مبشر(المتوفى 234هـ).

استدل الجمهور على ما قالوا بالكتاب والسنة والعقل:

أولاً: القرآن الكريم

وردت آيات عدة تفيد حجية إجماع المسلمين وحجية ما اتفقوا عليه، منها قوله تعالى: “وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” [2] ووجه الاستدلال بها أن الله سبحانه وتعالى جمع في الوعيد بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، ومعلوم أن مشاقة الرسول حرام بل كفر، فكذلك اتباع غير سبيل المؤمنين والوعيد شامل لها، والسبيل هو اتفاقهم على الأحكام وعلى ما يختارونه من قول أو فعل أو اعتقاد[3].

وأجاب المانعون على هذا الاستدلال بقولهم: إن دلالة الآية على الإجماع ظنية فيحتمل أن يكون المعنى“وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ” أي وسبيلهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في الاقتداء بهم، ويقولون إن حمل السبيل على الدليل أولى وأقرب من حمله على اتفاق المؤمنين في الأحكام[4].

ويجاب عن ذلك: بأن السبيل في اللغة يطلق كذلك على ما يختاره الإنسان لنفسه من قول أو عمل، ومنه قوله تعالى:”قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [5] وحينئذ فلا مانع لغة من حمله على الإجماع بل حمله على الإجماع أولى من حمله على الدليل لأن الإجماع يعمل به المجتهد والمقلد، والدليل يعمل به المجتهد فقط والحمل على الأعم أولى تكثيراً للفائدة[6].

واستدل أيضاً بقوله تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ”[7]  ووجه الاستدلال بها: فالخيرية إنما تكون باعتبار كمالهم في الدين، فيكون إجماعهم حجة؛ لأنه لو لم يكن إجماعهم حقاً وحجة لكان ضلالاً فكيف تكون الأمة الضالة خير الأمم؟ [8]

وكذلك استدل الجمهور بقوله تعالى “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…” [9] ووجه الاستدلال بهذه الآية: إن الوسطية هي العدالة ثم كل الفضائل منحصرة في التوسط، ووجه الاحتجاج بالآية أنه عدلهم وجعلهم حجة على الناس في قبول أقوالهم، كما جعل الرسول r حجة علينا في قبول قوله علينا ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى كون أقوالهم حجة على غيرهم[10].

وأجاب المانعون: بأن دلالتها ظنية؛ لأن لفظ (وسطاً) يحتمل تفاسير متعددة[11] والآية ليست نصاً في الغجماع وتحتمل تفسيرات مغايرة.

ثانياً: السنة النبوية

وردت أحاديث عن رسول اللهr تدل في مجموعها على عصمة هذه الأمة من إجماعها على الخطأ والضلال، منها ما رواه عبد الله بن عمر t أن رسول الله r قال:(( إن الله لا يجتمع أمتي أو قال أمة محمد على الضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار [12].

وكذلك ما رواه أنس رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن أمتي لا تجتمع على الضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم}[13]. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على عصمة الأمة.

ثالثاً: العقل

قال شمس الأئمة السرخسي في أصوله: فإن الله تعالى جعل الرسولr خاتم النبيين، وحكم ببقاء شريعته إلى يوم القيامة، وأنه لا نبي بعده، وإلى ذلك أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم}[14]. فلابد أن تكون شريعته ظاهرة في الناس إلى قيام الساعة، وقد انقطع الوحي بوفاته صلى الله عليه وسلم فعرفنا ضرورة أن طريق بقاء شريعته هو عصمة الله أمته من أن يجتمعوا على الضلالة، فإن في الاجتماع على الضلالة رفع للشريعة، وذلك يضاد الموعد من البقاء، وإذا ثبت عصمة جميع الأمة من الإجماع على الضلالة ضاهى ما أجمعوا عليه المسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك موجب للعلم قطعاً فهذا مثله[15].

  • أدلة المنكرين:

استدل منكروا حجية الإجماع على ما ذهبوا إليه أيضاً بالكتاب والسنة والعقل، نكتفي بعرض أهم ما ورد من استدلالاتهم بأسلوب مختصر:

أولاً: الكتاب

استدلوا بقوله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا”[16].ووجه الاستدلال في الآية،أن الله أمرنا بأن نرجع إلى الله ورسوله حال التنازع ولم يذكر الإجماع.

وأجيب: بأن في ثنايا الآية رداً عليهم؛ لأن حجية الإجماع من المتنازع فيه، وبالرد إلى الله ورسله تبين أن الإجماع حجة كما أبنت[17].

ثانياً: السنة

استدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن فقال:(( كيف تقضي؟ قال أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم يكن كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي. قال: فقال رسول الله: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله [18].

وجه الدلالة: أن معاذ ذكر الأدلة المعمول بها، فأقره النبي صلى الله عليه وسلمولم يذكر الإجماع معها؛ فهذا يدل على أنه ليس دليلاً ولو كان دليلا لما تركه مع الحاجة إليه.

ويجاب: أن الإجماع لا يكون دليلاً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبناء على ذلك فليس فيه تأخير عن وقت الحاجة[19].

ثالثاً: العقل

لخص الجويني[20] أدلتهم العقلية على إنكار الإجماع في كتابه النفيس (البرهان) بقوله: فقد أسندوا كلامهم إلى ثلاث جهات مترتبات في العسر، أولها: تعذر عرض مسألة واحدة على الكافة، والأخرى: عسر اتفاقهم والحكم مظنون، الثالثة: تعذر النقل تواتراً [21].

ويرد عليهم: نحن نرى إطباق جيل من الكفار يرى عددهم على عدد المسلمين وهم متفقون على ضلالة، يدرك بأدنى فكر بطلانها، وأيضاً نرى أن أصحاب الشافعي متفقون مع تباعد الديار وتنائي المزار وانقطاع الأسفار.

أما فرض اجتماع على حكم مظنون في مسألة فردة ليست من كليات الدين، ومن ظن أن تصور الإجماع وقوعاً في زماننا في آحاد المسائل المظنونة مع انتفاء الدواعي الجامعة فيهن فليس على بصيرة من أمره، نعم معظم مسائل الإجماع جرى من صحب النبي r مجتمعون أو متقاربون، فهذا منتهى الغرض في تصوير الإجماع[22].

والأحاديث الواردة في حجية الإجماع وإن لم تكن من جملة المتواتر باللفظ إلا أنها تعد من المتواتر بالمعنى.

والراجح والله أعلم هو ما ذهب إليه الجمهور؛ لقوة أدلتهم، وعمل أكثرية علماء الأمة بالإجماع وقبوله كمصدر من مصادر التشريع.


[1]– الشيعة هم الذين ينتسبون إلى أهل بيت رسول الله، ويؤمنون بأن الإمامة منحصرة فيهم وحدد ابن حزم معنى التشيع بقوله: هم الذين يعتقدون أن علياً* رضى الله عنهأ فضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة ووله من بعده أحق بإمامة ومن كان هذا معتقده فهو شيعي؛ فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس بشيعي. ينظر: الفصل في الملل والنحل، لابن حزم، (2/113)

[2]– النساء، 115.

[3]– ينظر: الوجيز في أصول الفقه، الدكتور وهبة الزحيلي، دارنشر إحسان، طهران، ط2، (1423هـ)، (ص51).

[4]– المُصَفّى في أصول الفقه:أحمد بن محمد بن علي الوزير، دار الفكر، دمشق، ط1، (2002م)، (ص395).

[5] – يوسف، 104.

[6]– أصول الفقه: الدكتور محمد أبو النور زهير، دار البصائر، القاهرة، ط1، (1428هـ ـ 2007م)، (ص216).

[7]– آل عمران، 110.

[8] – تسهيل الوصول إلى علم الأصول: محمد بن عبد الرحمن عبد المعلاوي الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1436هـ ـ 2015م)، (ص313)

[9]– البقرة، 143.

[10] – الإحكام في أصول الأحكام: سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 1426هـ ـ 2005م (2/180).

[11] – المُصفّى في أصول الفقه، أحمد بن محمد بن علي اليماني، (ص395).

[12] – رواه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، برقم (2167).

[13] – رواه ابن ماجة في سننه، كتاب الفتن، باب سواد الأعظم، برقم (3950).

[14] – أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، برقم (4950).

[15] – أصول السرخسي، للعلامة أبي بكر محمد بن أحمد أبي سهل السرخسي، تحقيق: أبو الفداء الأفغاني، دارالكتب العلمية، بيروت، ط2، 1426هـ ـ 2005م (1/300).

[16] – النساء: 59.

[17]– أصول الفقه الإسلامي، الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط2، 1424هـ – 2004م (1/547).

[18] – رواه أحمد في مسنده، برقم (22061)، إسناده ضعيف لإبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو، ثم هو مرسل. ينظر: مسند الإمام أحمد، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1421ـ 2001،(36/382).

[19] – المهذب في علم أصول الفقه، الدكتور عبد الكريم نملة، مكتبة الرشد، الرياض، ط3، 1424ه – 2004م) (2/865).

[20] – هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد ضياء الدين أبو المعالي الجويني، ولد في جوين سنة (211هـ) من جارية أبيه، تفقه بأبيه، توفى أبوه وله عشرون سنة، فأقعد مكان والده للتدريس، وله مصنفات، سار تسير الشمس في الأرجاء، وتلقاها الناس بالإعجاب والثناء، من كتبه: (البرهان) في أصول الفقه، و(نهاية المطلب ودراية المذهب) في الفقه، وكان طلابه زهاء أربعمائة، توفي سنة (478هـ)، ودفن بداره، ثم نقل بعد سنين فدفن إلى جانب والده بمقبرة الحسين. ينظر: طبقات الفقهاء الشافعة: لابن صلاح الشهرزوري، (2/799) وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (18/468) ومعجم الأصوليين، أبو طيب مولود السريري السوسي، (ص313).

[21] – البرهان في أصول الفقه، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق: عبد العظيم الديب، دار الوفاء، القاهرة، ط5، 1433هـ – 2012م (1/382).

[22] – ينظر: البرهان في أصول الفقه، للجويني (1/383).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.