أنور إبراهيم رحلة سياسية استثنائية
أنور إبراهيم رحلة سياسية استثنائية/الدكتور فتحي حسن ملكاوي
أنور إبراهيم رحلة سياسية استثنائية
الدكتور فتحي حسن ملكاوي
أنور إبراهيم اليوم رئيس لوزراء ماليزيا: بعد مسيرة طويلة من النجاحات كان يظهر فيها على أغلفة الصحف العالمية بوصفه من أبرز قادة العالم، وبعد سلسلة من الابتلاءات التي كان فيها صابراً محتسباً، مع إصرار لا يتزعزع وعزيمة لا تلين.
اعتبرت صحيفة فاينشال تايمز البريطانية أن وصول أنور إبراهيم، لمنصب رئيس الوزراء في ماليزيا هو تتويج لواحدة من أكثر الرحلات السياسية استثنائية في العالم، وذلك بعد انتظار دام لنحو 25 عاما. ويوفر وصوله فرصة حاسمة لماليزيا، لمعالجة الانقسامات الاجتماعية والسياسية فيها، واستعادة مصداقيتها على المسرح العالمي، التي نالتها عندما كان أنور وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء، وقاد بلاده بنجاح في الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. وتتعزز أهمية إعادة سمعة ماليزيا بعد جملة من فضائح الفساد التي كان منها إدانة رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق لإساءة استخدام السلطة والاختلال المالي والحكم عليه بالسجن 12 عاماً.
أنور إبراهيم ناشط في مجال السياسة والفكر والتنظيم منذ وقت مبكر من حياته، كان أحد المؤسسين لحركة الشباب المسلم الماليزي في مطلع سبعينيات القرن العشرين، وفي فترة رئاسته للحركة قاد معارضة سياسية للنظام للمطالبة بإصلاحات تتبنى التوجه الإسلامي، وأودع السجن في أوائل عهد محاظر محمد في رئاسة الوزراء عام 1982. وكان قبل ذلك أحد الموقعين على تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا عام 1981م مع الدكتور إسماعيل الفاروقي يرحمه الله، وآخرين. وقد توسط الدكتور الفاروقي الذي كان على صلة بالرئيس محاضر، بين محاظر وأنور من أجل التعاون بينها، فانظم أنور إلى الحزب الحاكم، وتقلد وزارة الشباب أولاً، ثم وزارة الزراعة، ثم وزارة التعليم، ثم وزارة المالية، ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء، استعداداً لخلافة الرئيس محاظر، كما كانت الرؤية السياسية المنتظرة حتى عام 1998.
ودون التقليل من جهود محاظر محمد رئيس وزراء ماليزيا في ثمانينيات ومعظم تسعينيات القرن العشرين في نهضة ماليزيا الحديثة، وهي جهود موثقة ومغطاة بكثير من الكتابات، فإنّ من الإنصاف أن نشير إلى أنّ أنور إبراهيم كان الشريك الأبرز في تلك الإنجازات. فقد كان الذراع التي احتاج إليه محاظر لتحقيق الإصلاحات التي كان يفكر فيها، وأثبت أنور في كل المواقع التي شغلها كفاءة متميزة اكتسب بها مكانة سياسية وفكرية مرموقة في داخل ماليزيا وخارجها.
صحيح أن بعض الخلافات حصلت بين محاظر وأنور عام 1997 بخصوص طريقة التعامل مع الأزمة الاقتصادية، تبع ذلك عام 1998 اتهامات وافتراءات متنوعة مالية وإدارية وأخلاقية استهدفت إنهاء الحياة السياسية لأنور إبراهيم، فحكم عليه بالسجن مرة أخرى في عهد محاظر، ثم تبينت براءته فخرج من السجن، ثم أعيد سجنة بمزيد من الافتراءات الباطلة، ثم احتاج إليه محاظر من جديد أملاً في التعاون للخروج بالبلاد من الفساد والفوضى التي عمت ماليزيا، فعمل على إنهاء معاناته من تلك الافتراءات الظالمة، وإعادة الاعتبار له ، وخرج أنور من السجن ليتحالف من محاظر، ليعود محاظر إلى رئاسة الوزراء من جديد عام 2018 بعد غياب عقدين من الزمن، مع وعد بأن يخلفه أنور بعد سنتين، لكن الوعد لم يتحقق. فكان على أنور أن ينتظر انتخابات 2022 ليخوض الانتخابات رئيساً لتحالف جديد، استطاع بصعوبة أن يأخذ الأغلبية، ويُعيّن رئيساً للوزراء في 24 نوفمبر 2022.
لا شك في أنَّ المهمة التي على أنور إبراهيم أن ينهض بها شديدة الصعوبة في ظل الفوضى التي سادت البلاد في السنوات العشر الأخيرة، وكثرة المتربصين، وتعدد توجهات أطراف التحالف الذي يقوده، فضلاً عن طبيعة المجتمع الماليزي الذي يتصف بأنه متعدد الأعراق واللغات والأديان، نتيجة ما أحدثه الاستعمار البريطاني فيها.
ونسأل الله أن يعين أنور إبراهيم على الخروج من كل ذلك بتحقيق الاستقرار السياسي والتآلف الاجتماعي وتنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي دخل الانتخابات على أساسه، وأن يحقق لماليزيا ما تصبو إليه من استقرار وتقدم، يكون نموذجاً لما تتطلع إليها بلداننا العربية والإسلامية.