معالم التجديد في التفسير الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي نموذجا
الأستاذ يونس مرحوم
معالم التجديد في التفسير
الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي نموذجا
بقلم: الأستاذ يونس مرحوم
مقدمة
إن خير ما تبذل فيه الأزمان وخير ما تصرف فيه الجهود تعلم القرآن وتعليمه. فهو كتاب الله عزوجل، من تمسك به نجا ومن أعرض عنه خسر الدنيا والآخرة فالقرآن الكريم كتاب هداية للبشرية جمعاء به تحيا القلوب وتنهض الشعوب. وفي عصرنا الحديث ظهرت دعوات توجهت نحو التفسير دراسة ونقدا فأثمرت أراءً وافكارا جديدة انطلاقا من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”
ونظرا لمقتضيات العصر ومتطلباته، وحاجة المسلمين الماسة للعودة إلى كتاب الله، كانت بوادر المسارعة إلى التجديد في التفسير بهدف بيان الهدايات القرآنية في شتى مجالات الحياة، لذلك كان على المفسر الرباني أن يتعايش مع هموم أمته ويتفاعل مع قضاياها الراشدة والملحة حاضرا ومستقبلا فظهر دعاة مجددون عاينوا و حملوا عبء الأمة ورفعوا راية الإصلاح أمثال الشيخ العلامة عبد الرحمان بن ناصر السعدي الذي كانت أصوله بموطن جزيرة العرب والذي حاول مجتهدا تنزيل التفسير على واقع الأمة لعلاج أحوالها من خلال إبراز عيون الهدايات القرآنية أملا ورجاءً أن تفيئ إلى ملاذ آمن يحفظها من أي انحرافات أو ضلالات.
التجديد في التفسير
التجديد في اللغة: جدد الشيء، صيره جديدا فتجدد1 واصطلاحا إعادة النظر في الموضوعات وإدخال تعديل عليها بحيث تبدو مبتكرة لدى المتلقي2
والتفسير في اللغة كشف المراد عن اللفظ3 واصطلاحا علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية4 إن المقصود بالتجديد في التفسير هو تجديد الفهم لكتاب الله على ضوء واقع المسلمين المعاصر وفق قواعد التفسير5 وهو مواكبة المفسر لقضايا عصره وإسهامه في إصلاح أوضاع المجتمع الفاسدة وإظهار المقاصد القرآنية والقيم العليا التي ترتقي بأخلاق الناس وتهذب سلوكهم، ويقصد بتجديد الفهم: إرجاع المعنى الذي استفيد من النص وهو غير صواب إلى وجهه الصواب حتى كأنه كما كان أول مرة جديدا لم يطرأ عليه تغيير مع المحافظة على النص الشرعي تقريرا واستدلالا6
ضوابط التجديد في التفسير
لابد أن تحكم كل متصد لتفسير كتاب الله ضوابط علمية، حتى لا يقع في الانحرافات وأن يحيط بقواعد التفسير وأصوله وتتمثل في مطابقة التفسير للمفسر من غير نقص لما يحتاج إليه من إيضاح المعنى مع كشف وجه التناسب بين الآيات وملاحظة أسباب النزول7 وعنده ملكة في كيفية التعامل مع كتاب الله في ظل تحديات العصر وواقع الأمة من خلال إبراز جوانب الهداية والإصلاح. ولا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة، ولا يظهر له أسرار العلم من غيب المعرفة وفي قلبه بدعة أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كبر أو هوى أو حب الدنيا.
بل ينبغي أن يكون نافعا لأهل زمانه مشاركا لهموم أمته ينصح ويعظ ويذكر ويصدع بأمر الله8 وأن يلتزم المفسر المجدد بمنهجية تقوم على أصول علمية راسخة وقواعد ثابتة يضبط بها التفسير المعاصر ويستقيم بها مبدأ التجديد، مازجا بين الرواية والدراية، جامعا بين صحيح المنقول وصريح المعقول، مؤلفا بين تراث السلف ومعارف الخلف،9 بحيث يبذل المفسر جهده ووسعه في فهم النص القرآني، وإدراك معناه، مستندا إلى اللغة والنصوص والأدلة الشرعية، يربط الفروع بأصولها، ويرد الأسباب وآثارها ونتائجها إلى مسببها، فهذا العلم هو الذي يثمر اليقين، وتحصل به الطمأنينة، وتتم به السعادة والفلاح، ويثمر الأخلاق الجميلة، والأعمال الصالحة المصلحة للدين والدنيا،10 ثم الأخذ من التجديد بقدر الحاجة وبما يحقق الهدف، ألا وهو تبليغ معاني القرآن، وإيصال هداياته إلى الناس، والحذر من الاندفاع والتوسع المتكلف الذي يؤدي إلى لي أعناق النصوص، واعتساف التأويل في أحيان كثيرةـ وعدم الانجراف مع كل دعاوي التجديد دونما تحقق من أصالة وشرعية، ما يذهب إليه من ألوان تجديدية في القرآن الكريم 11
الشيخ السعدي وجهوده في التفسير
- اسمه ونسبه: من بني تميم نزح جدهم من قفار قرب حائل
- نشأته: ولد في عنيزة يوم 12 محرم 1307 ه كان والده واعظا وإماما
- طلبه للعلم: نشأ نشأةً صالحة كريمة، وعرف من حداثته بالصلاح والتقى، وانقطع للعلم وجعل كل أوقاته مشغولة في تحصيله، حفظا وفهما ودراسة ومراجعة واستذكارا، حتى أدرك في صباه ما لا يدركه غيره في عمر طويل، هو العالم الجليل والفقيه الأصولي المحدث الشهير المحقق والمدقق….. كما أثنى أحد التلاميذ على أخلاق شيخه فقال: له أخلاق أرق من النسيم، وأعذب من السلسبيل، يتودد ويتحبب إلى البعيد والقريب، ويعطف على الفقير والصغير، ويبذل طاقاته ووسعه في الخير، ويساعد بماله وجاهه، وينشر علمه ونصحه 12
- مؤلفاته: فهي تربو على أربعين مؤلفا في أنواع العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه والأصول والتوحيد، ومن أحسن مصنفاته في هذا الفرع المعظم من العلوم الشرعية، أي علوم القرآن، كتابه المسمى: القواعد الحسان في تفسير القرآن العظيم.
- إضاءات في مسار تجديده: ألف الشيخ السعدي رحمه الله مؤلفات كثيرة تذب عن كتاب الله، ومن أشهر مؤلفاته في التفسير: تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، وله فيها استنباطات وتوجيهات يستقل بها كغيره من أهل العلم، يمتاز بسهولة العبارة والفهم وجزالة الألفاظ، ثم اختصره باسم: تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، انتخب فيه من الآيات الجامعة للأحكام، وتكلم عليها كلاما جيدا، وكذلك ألف كتابا لطيفا جمع فيه قواعد استنبطها من القرآن العظيم، سماها: القواعد الحسان في تفسير القرآن، ذكر فيها سبعين قاعدة من القرآن العظيم، لا يستغني عنها من يبتغي تفهم معاني كتاب الله، ونذكر هنا ثلاثا منها، توافق كل من يبتغي البحث عن أدب الاتباع والاقتداء بسير المهتدين لدينهم في زماننا الحالي:
- اشتمال كثير من ألفاظ القرآن على جوامع الكلم.
- إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
- الصبر أكبر عون على جميع الأمور، والإحاطة بالشيء علما وخبرا هو الذي يعين عل الصبر13
التجديد في خدمة كتاب الله يعني: إعادة رونق التفسير وصفائه، بعد تنقيته وإحياء من اندرس منه ونشره بين الناس بلغة العصر، يقول الشيخ السعدي: “بالدعوة إلى الله وإلى دينه والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والدعوة إلى أصل الدين، والدعوة إلى التزام شرائعه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذلك يكمل العبد بنفسه ويكمل غيره”14
إن من أهم ضوابط التجديد في التفسير عند الشيخ أن يكون المجدد على دراية تامة بأحوال عصره، ومن ملامح التجديد عنده في الجانب العملي هو سعيه لتوحيد كلمة المسلمين، ونبذ الفرقة والتشتت، والدعوة إلى مزج المبادئ النظرية بالممارسات العلمية، وربط العلم بالتعلم في المحتوى الدراسي، والدعوة إلى أسلمة العلوم.
يعتبر التجديد في التفسير ضرورة ملحة في هذا العصر؛ لكونه يجعل المفسر متعايشا مع هموم الأمة، ومتفاعلا مع قضاياها، يواجه العقبات التي تعترض البشرية بالهدايات القرآنية.
خاتمة
لا سبيل لخروج هذه الأمة من أزمتها واسترجاع الريادة الأخلاقية والسياسية، باعتبارها أمة الدعوة إلى الخيرات، والمكلفة بإبلاغ صوتها للعالمين، نورا وهداية علما وعملا، إلا برجوعها إلى كتاب ربها، واعتصامها بحبله المديد، واستلهامها هديه الرشيد، في ضوء دعوة التجديد، ومن هذا المنطلق سعى الشيخ عبد الرحمان السعدي لخدمة هذا الدين، والدعوة فيه إلى التجديد وفق المنهج الرباني الصحيح في جميع مجالات الحياة.
وقد ألف الإمام القدوة الشيخ عبد الرحمان السعدي رسالة أسماها: الدين الصحيح يحل جميع المشاكل، وهي رسالة قصيرة عرض فيها جملة من مشاكل الحياة المهمة، وبين حلولها السليمة المأخوذة من الكتاب والسنة، قال فيها: “فهذه كلمات تتعلق بموضوع الدين الإسلامي وإنه يهدي للتي هي أقوم وأصلح، ويرشد العباد في عقائدهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وتوجيهاته وتأسيساته إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وبيان أنه لا سبيل إلى إصلاح شيء من أمور الخلق الإصلاح التام إلا به15
- القاموس المحيط الفيروز آبادي
- معجم اللغة العربية المعاصرة أحمد عمر مختار
- لسان العرب لابن منظور
- مناهل العرفان في علوم القران للزرقاني
- التجديد في التفسير يحي شطناوي
- دراسات مصطلحية الشاهد البوشيخي
- أصول التفسير وقواعده خالد عبد الرحمان العك
- الرياض الناظرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة العلامة عبد الرحمان بن ناصر السعدي
- كيف نتعامل مع القرآن الكريم د يوسف القرضاوي
- الدلائل القرآنية في أن العلوم والأعمال النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي الشيخ العلامة عبد الرحمان بن ناصر السعدي
- التجديد في الدراسات التفسيرية مقترحات وتجارب عبد الله موسى محمد أبو المجد
- علماء نجد خلال ثمانية قرون عبد الله بسام
- القواعد الحسان في تفسير القرآن عبد الرحمان بن ناصر السعدي
- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان عبد الرحمان بن ناصر السعدي
- الدين الصحيح يحل جميع المشاكل عبد الرحمان بن ناصر السعدي