منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

حضور المقاصد وقواعدها في عمل الصحابة والتابعين

 الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

حضور المقاصد وقواعدها في عمل الصحابة والتابعين

 الدكتور عبد اللطيف بن رحو

باحث في التراث المغربي

المقاصد في عهد الصحابة:

لقد كان للمقاصد في عمل الصحابة حضور مكثف وقوي نسوق منه نماذج وصورا منها على سبيل المثال لا الحصر:

جمع المصحف الشريف خوفا من ضياعه ولحفظ الدين.

تضمين الصناع حفظا للأموال وحقوق الناس وحاجاتهم من الصناعة قال علي كرم الله وجهه: “”لا يصلح للناس إلا ذلك””

عدم توزيع الأراضي المفتوحة على المقاتلين والمقصد هو تقوية بيت المال والقدرة على الانفاق وسد حاجات الدولة.

أمر عثمان رضي الله عنه التقاط الإبل والتعريف بها وبيعها حتى إذا جاء صاحبها أعطاه ثمنها ولم يكن هذا موجوداً في العصر النبوي لقوة الوازع الديني والمقصد هو حفظ حق الغير وسد ذريعة التهاون في ممتلكات الغير.

وصية عمر رضي الله عنه بعدم إقامة حد السرقة عام المجاعة بشبهة الظرف المؤدي لأخذ حق الغير دون إذن للضرورة.

قتل الجماعة بالواحد والمقصد حفظ حياة النفوس إلا واتخذ الناس الاشتراك في القتل ذريعة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “”لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً.””

عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم سهمهم من الزكاة لانتفاء علة ذلك وحكمته، فقد كان ذلك السهم يعطى بغرض تقوية شوكة الإسلام باستعطافهم بالمال، ولما قويت شوكة الإسلام لم تعد الحاجة إلى هذا الاستعطاف.

منع الفقهاء من مغادرة المدينة في عهد عمر رضي الله عنه، والمقصد هو توسيع دائرة الشورى واتخاذ الآراء والمواقف التي فيها صلاح الدولة وتوثيق الأدلة واكتمال صحة الاجتهاد.

تدوين الدواوين ووضع السجلات واتخاذ السجون، وضرب العملة ومراقبة الأسعار في الأسواق، وفصل القضاء عن الإمارة، وضبط التاريخ الهجري.

المقاصد بعد جيل الصحابة:

المقصود هو جيل التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

لعل أول لفتة إلى مقاصد الشريعة واعتمادها في الاجتهاد هو إبراهيم النخعي (ت 96ه) وهو من التابعين وكان شيخاً لحماد بن سلمان شيخ أبي حنيفة النعمان. كان إبراهيم بالعراق بمنزلة سعيد بن المسيب بالحجاز الذي كان أحد كبار التابعين (ت 93ه) والذي أدرك عائشة رضي الله عنها وسمع منها.

فالنخعي من أصحاب الرأي يكثر من القياس ومنه انبثق مذهب أبي حنيفة على خلاف بن المسيب الذي كان من أصحاب الأثر وعنه انبثق مذهب مالك.

كان النخعي يرجع إلى المقاصد في استنباط الأحكام الشرعية وكان يقول: “”إن أحكام الله تعالى لها غايات هي حكم ومصالح راجعة إلينا.”” [الفكر السامي للحجوي ج/1 ص318]

ويستدل بالآيات المناسبة في اجتهاده المقاصدي ومنها قوله تعالى: ﴿وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اِ۬لْيَتَٰم۪يٰ قُلِ اِصْلَٰحٞ لَّهُمْ خَيْرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ اُ۬لْمُفْسِدَ مِنَ اَ۬لْمُصْلِحِۖ وَلَوْ شَآءَ اَ۬للَّهُ لَأَعْنَتَكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞۖ﴾ [سورة البقرة الآية 218].

ومما قيل في منهج النخعي الاجتهادي أنه منهج يقوم على عدم الوقوف على ظواهر النصوص ووجوب إدراك معانيها وبواطنها وعللها، لأن الألفاظ لم توضع إلا للتعبير عن هذه المعاني فهو يأخذ من النص مبدأ فقهيا يطبق على ما لا يحصى من الحوادث، ولا حكما فقهيا يطبق على حادثة معينة، وقد سمي سَيْرَفي الحديث لما خبره من نفوذ خبرته للمعدن من نفوذ خبرته إلى حقيقة المعدن والظاهر لذلك كان يحدث بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.  [الاجتهاد المقاصدي ج/1 ص106-107].

وكذلك مدرسة الأثر التي مثلها الامام مالك رحمه الله كانت أكثر اعتبارا للمصلحة الشرعية من غيرها وعدت نظرية الاستصلاح من أصول المذهب المالكي وهو السر في كون كبار المالكية أصلوا المقاصد وقعدوها أكثر من غيرهم كالقرافي والشاطبي والطاهر بن عشور وعلال الفاسي…

 يتبع…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.