(خطبة) الخطوات الصحيحة لتحبيب الصلاة لأبنائنا
(خطبة) الخطوات الصحيحة لتحبيب الصلاة لأبنائنا/ الشيخ بنسالم باهشام
(خطبة) الخطوات الصحيحة لتحبيب الصلاة لأبنائنا
الشيخ بنسالم باهشام
عباد الله، الكثير من الآباء يشتكون من تضييع أبنائهم للصلاة، وهذه أم موظفة على سبيل المثال لا الحصر، طلب إليها ابنها الجامعي بأن توقظه لحضور الامتحان الجامعي، فأيقظته لصلاة الصبح فلم يستجب، وعند الشروق توجهت لعملها ولم توقظه، ولما استيقظ متأخرا، اتصل بأمه ولامها على تفريطها في إيقاظه، وعدم حضوره الامتحان، ردت عليه مستنكرة، لما رسبت في امتحانك مع خالقك لعدم الاستيقاظ لصلاة الصبح في الوقت، رغم محاولاتي اليائسة، أصبح لا يُهمني نجاحك الدنيوي، وهذا التصرف من هذه الأم، يفتقر إلى كثير من الحكمة، لأن اللوم في تفريطه في الصلاة، يرجع بالأساس لأمه التي أهملته في صباه، إذ لو أنها سلكت معه النهج النبوي الحكيم منذ صغره، في ترسيخ الصلاة وتحبيبها له، لكان ابنها مقيما للصلاة في كبره، ولما وجدت معه مشاكل لإقامة الصلاة في وقتها، ولما حرم من امتحانه، لأن من شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
عباد الله، إننا لو اطلعنا على حال أغلب أسرنا، لوجدنا جل أبنائهم تاركين للصلاة، والخطأ ليس في الأبناء المفرطين في صلاتهم، لأنهم ولدوا أصلا على الفطرة، وإنما في الآباء الذين لم يسلكوا الهدي النبوي في تربيتهم على الصلاة وتحبيبها لهم، روى البيهقي في السنن الكبرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ، حَتَّى يُبِنْ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ » [السنن الكبرى للبيهقي، وفي ذيله الجوهر النقي (6/ 203) ح 12502]، وهذه بعض الطرق السليمة والمجربة، والتي ينبغي نهجها لتحبيب الصلاة لأبنائنا منذ صغرهم.
عباد الله، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود، وإسناده حسن، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قد قَالَ: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ …) [أخرجه بطوله أبو داود (496)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده حسن]، فإنه مع بداية السنة السابعة من عمر الطفل، على الأم أن تأمر ابنها أو ابنتها بالصلاة استجابة للتوجيه النبوي السديد، ولا ينبغي أن يكون هذا الأمر بطريقة جافة غير محببة، بل الأفضل أن تقيم له حفلا تدعو إليه أصحابه، وتجهز لذلك زينة وهدايا، وتخبره وسط الحفل أنه قد صار كبيرا، فعليه المحافظة على الصلاة مثل الكبار وفي أوقاتها، كما على الجمعيات الاجتماعية، و لجان الطفولة في الحركات الإسلامية، إقامة حفل جماعي لمن وصلوا سن السابعة من عمرهم، ليكون السلوك جماعيا، والانطلاقة قوية، ويشعر الطفل أنه ليس وحده في الساحة.
عباد الله، لا يكفي الحفل وحده، وترك الحبل على الغارب لأبنائنا، بل لابد من سلوك الوسائل المسهلة لإقامة أبنائنا للصلاة؛ منها:
1 – على الأم أن تجعل لابنها أسباب الصلاة سهلة وميسرة: بتدفئة ماء الوضوء، وتعليمه كيفية التيمم عند انعدام الماء، واختيار حذاء سهل الخلع واللبس، وشراء سجادة خاصة به، والأفضل أن يختارها هو بنفسه. كما تشتري لابنتها حجابا خاصا للصلاة، وأن يكون جذابا ومزركشا ومطرزا، والأفضل أن تتركها تنتقيه بنفسها.
2 – كما ينبغي أن تلفت انتباه ابنها إلى وقت الصلاة، وذلك بترديد الأذان أمامه، وصنع لحظة صمت وقت الأذان؛ حتى يعظم هذه الشعيرة ويستجيب لها ، مصداقا لقوله تعالى من سورة الحج: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].
3 – كما على الأم لكونها هي الملازمة لابنها طيلة اليوم في المنزل، أن ترفع صوتها قليلا في الصلاة حتى يسمعها ليتعلم ويألف ما تقوله في الصلاة.
4 – ولا ننسى أن تهيئ الأم الوسائل المعينة على المحافظة على الصلاة في وقتها، كأن تشتري له ساعة خاصة به، بها مواقيت الصلاة، مثل ساعة الفجر، أو ساعة العصر، أو ساعة الحرمين… و أن تعلق في المنزل ساعة مواقيت الصلاة.
5 – على الأم أن تكثر من ترديد جمل قصيرة أمام ابنها، ولفترات طويلة، مثل: ” لا شيء أجمل من الصلاة”، ” الصلاة راحة”… وغيرها من الجمل المشابهة. وهذه العبارات تَثبُت في ذهن الطفل، ولا ينساها طوال حياته.
6 – لترسيخ حب الصلاة في أبنائنا، على الأم أن تبدأ بتعليم أبنائها منذ الصغر رسم المسجد والمئذنة، وتلوين رسومات لأطفال يصلون.
7 – على الأم أن لا تأمر أبناءها بالصلاة وهم مندمجون في اللعب، بل عليها أن تهيئ الأجواء قبيل الصلاة.
8 – على الأم واجب تشكيل وجدان ابنها أو بنتها، وزرع قيمة الصلاة في قلبهما وعقلهما، بالقصص والتوجيه غير المباشر، عن مكانة الصلاة وأجر وثواب من يحافظ عليها.
9 – على الأب وبتشجع من الأم، أن يحرص على الذهاب مع ولده بعد أن يصليا في المسجد إلى مكان يحبه ابنه، كالحديقة مثلا أو ما شابهها، ليحدث لديه رابط إيجابي، بين الخروج للمسجد وما يحب.
10 – على الأم أن تحبب ابنها أو ابنتها في الله، فيحب لقاءه وقربه ومناجاته.
11 – على الأم أن تسامح ابنها وتتساهل معه حينما يلعب أثناء الصلاة، أو حينما يمر من أمامها، أو يركب على ظهرها.
12 – على الأم أن تشجع ابنها أو بنتها بأن تجعله إماما لها في صلاة النافلة، وأن يقرأ في الليل جهرا بما يحفظه من كتاب الله تعالى، وأن تمدحه على ذلك.
13 – على الأم أن تخصص مكانا في البيت للصلاة، وأن تجعله مسجد المنزل لتعظيم مكانة الصلاة في نفوس الأبناء. فقد روى أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصحَّح إرساله، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : (أَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِبِنَاءِ اَلْمَسَاجِدِ فِي اَلدُّورِ ،وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ.)؛ [رواه أحمد (6/279) ، وأبو داود (455) ، والترمذي (594) ، وتعليل الترمذي إياه بالإرسال ليس بشيء ] . ويفيد هذا الحديث استحباب إعداد مصلًّى في كل بيت يتنفَّل فيه الرجال، وتُصلِّي فيه النساء والأطفال، لما روى أبو داود في سننه في باب التشديد في ترك الجماعة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: ( … وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- …). [رواه أبو داود في سننه ج1/ص151 ح550]، وتطهر تلك الأمكنة التي أُعدَّت للصلاة وتطيب.
14 – على الأم أن تحكي لابنها أو لابنتها قصة فرض الصلاة، وكيف أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، حيث فرضت عليه الصلاة، ليعلم مكانة الصلاة ضمن سائر العبادات، وأنها هدية من الله لعباده، وعروج بالروح إلى السماء، وقرب من الله سبحانه وتعالى، مصداقا لقول الله تعالى في سورة العلق:(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19]
عباد الله، من الأمور الملفتة لنظر أطفالنا، جعل سجادة الصلاة، وحجاب البنت غير البالغة، من أول الأشياء التي تضعها الأم في حقيبة السفر، أو عند الخروج للنزهات، لتعظيم الصلاة في اهتماماتهم، أما صلاة الفجر، فعلى الأم ألا توقظ ابنها أو ابنتها بعنف وفظاظة، بل برفق ولين.
عباد الله، مع كل الخطوات السابقة، علينا أن نعي أهمية لسان الحال في التأثير في أبنائنا، فأعينهم تنعقد على أفعالنا قبل أن تنعقد على أقوالنا، لهذا على الأم في منزلها، وأمام أبنائها، أن تقوم إلى الصلاة بمجرد ما تسمع النداء، لتكون قدوة عملية لأبنائها، لأن لسان الحال أبلغ من لسان المقال. كما على الأب أن يستجيب لنداء المؤذن، ويتجه توّاً لبيت الله لأداء الصلاة مع الجماعة، تاركا كل مشاغل الدنيا، بهذا السلوك العملي من الوالدين أمام أبنائهم، في التعامل مع أداء الصلاة في وقتها، يستوعب الأبناء عمليا معنى قول الله تعالى من سورة النساء: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) [النساء: 103]، فيلتزمون بأداء الصلاة في وقتها كما شاهدوا آباءهم، ويعلمون أنها لا تقبل التأخير ولا التماطل أو التكاسل.
عباد الله، هذه بعض الأسباب المعينة لتحبيب الصلاة لأبنائنا، وترسيخها في حياتهم اليومية، وقبل هذه الخطوات ومعها وبعدها، لابد من مخ العبادة الذي هو دعاء الوالدين لأبنائهما، لما له من أثر فعال في صلاحهم، لهذا على الوالدين الإكثار من الدعاء لأبنائهم بأن يجعلهم الله من المقيمين للصلاة، وأن يذكروا كل واحد باسمه، وهذا هو دأب الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله أجمعين، قال تعالى في سورة إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم: 40].
عباد الله، بهذه الخطوات العملية، يستجيب أبناؤنا بتوفيق الله للصلاة، ويكون الآباء مستجيبين لأمر الله التكليفي من سورة طه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا، نَحْنُ نَرْزُقُكَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132]، ونكون على هدي أبينا إسماعيل عليه السلام الذي مدحه الله في سورة مريم فقال: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم: 55]