العلم ومحو الأمية عدة المرأة المربية
بقلم: الأستاذة حسناء ادويشي
مقدمة:
المرأة قطب رحى الأسرة، وأساس بنائها، ومحضن الأبناء، وحصنهم من الأعداء و غزو الغرباء، والساهرة على حمايتهم ورعايتهم، والمسؤولة على حفظ فطرتهم، وسلامة أكلهم ومشربهم. المرأة تقف على ثغر حساس هو الأسرة، اللبنة أساس لتنشئة أجيال مستقبل الأمة، والمبعث لانطلاق رجالها ونسائها، والمعول عليها في غرس القيم والالتزام بالأخلاق، ومركز التدريب على النظافة والنظام والشجاعة والاحترام، والمكان الأول لإبداء الرأي في أمان، والدفاع عنه بحجة وبيان.
هي مهمات صعبة ومسؤوليات جسيمة، تختلف باختلاف طباع الأطفال، وتتطلب من الأم الحاضنة المسؤولة الحافظة علما ودراية بأصول التربية والرعاية كما يريدها الإسلام. ولثقل المهمة، ولصعوبة الحمل وعسر الطلق وسهاد الفطام، وطول نفس مراحل التنشئة ؛كانت الأمومة مهمة مقدسة، قال صلى الله عليه وسلم:
” الزمها فإن الجنة تحت رجليها”[1]
فماهي وظائف المرأة داخل الأسرة؟ وهل تشكل الأمية عائقا أمام أدائها لمهامها؟
أولا: وظيفة المرأة في الأسرة
1-الحفاظ على الفطرة
مهمة الرعاية مسؤولية مشتركة بين الأم والأب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عمر:
” والرجل رَاعٍ في أهله ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ، والمرأة رَاعِيَةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رَعِيَّتِهَا،”[2]، وقد قسم القرآن الأدوار بين الرجل والمرأة، حيث قال الله عزوجل:” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ”[3]، مهمة الرجل يغلب عليها الجانب المادي، ومهمة المرأة حفظ معنوي لفطرة أودعها الله في المولود، قال صلى الله عليه وسلم:” ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ،”[4]،حفظ للغيب، حفظ للفطرة، هو الأعظم، فالحفظ بالنسبة للمرأة يدور مع مقاصد الشرع، فأثمن ما تحفظه المرأة في الصبي حفظ دينه: حفظ يبدأ منذ انتقاء المرأة للزوج الصالح ذي الدين والخلق، ثم في التعاون معه على البر والمسابقة إلى الخيرات، و تحري الحلال ، لقوله تعالى: ” يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”[5]، فكلمة الخير ودعوة الخير تسري في الروح الطيبة والقلب الطاهر.
تنطلق التربية عمليا منذ الولادة، حيث تحرص الأم على أن تسمع الوليد نداء الفطرة، وتذكره بالكلمة الطيبة” لاإله إلا الله” رباطا يوثق في قلبه توحيد خالقه ويعلقه بحبه سبحانه وحب رسوله وحب المؤمنين، فتصنع منه ولدا صالحا بإذن الله، بعدما حصنته ضد كل إغراء وإغواء، فلا يضره إعلام أو شارع أو رفقة، لأنه تعلم أن ينتقي من المعروض الأطايب، ومن الأصدقاء الصالح، وتتوق نفسه لتحسين الرباط بينه وبين خالقه، وبينه وبين نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يتطلع في الدنيا إلا إلى الخير علما وتعلما ودينا وخلقا وذوقا. الأم بهذا الوصف دعامة أسرة هي الحصن والحضن، والبرج الذي تغزو منه ولا تغزى، وأم بهذه المواصفات تحتاج إلى علم وحلم ودراية وتعلم لأصول التربية.
2-الرعاية والتعليم
الأسرة برج المرأة الاستراتيجي، تؤهل فيه النشء روحيا ونفسيا وجسديا وعقليا، حتى يشتد عوده ويصبح قادرا على الاندماج ا لاجتماعي، والإنتاج الاقتصادي، والعطاء الفكري، والمدافعة في الساحة الجهادية، والتأثير الفعال في مجتمعه: فكرا وتربية ومبادرة وصدا لكل أنواع الهجوم. لذلك كله تحوط الأم أبناءها بعناية مادية، تتجلى في مراقبة صحتهم والاهتمام بغذائهم، ورعاية معنوية للنفوس والأرواح والعقول، في كل ذلك تتسلح بالعلم والإيمان، وتستعين بأهل الخبرة، وتستشير من سبقها في الدربة، وتقتفي أثر السلف الصالح الذين ربوا الرجال والنساء حتى أصبحوا منارات أضاءت العالم هدى وعلما.
هذه التربية وتلك العناية تحتاجان إلى فهم وعلم بأصولهما، حتى لا تفسد المرأة من حيث تريد أن تصلح، فمهمة الأمومة شرف يرفع هامات الأمهات، لكنها ليست سهلة، ولا تكفي فيها الوراثة أما عن أم، ولا التبعية لعادات المجتمع، فذلك كله قد يضر ولا ينفع، وقد يفسد ولا يصلح، لذلك فالحاجة ماسة لمزاوجة بين صلة الإيمان التي تمررها الأم لأبنائها وتسري في عروقهم من ثديها ومن دفء حرارة فؤادها العامر بحب الله ورسوله ولهفتها على أن يصير أبناؤها صالحين، وبين التسلح بالعلم الذي يؤهلها للتربية والرعاية. لذلك تحتاج المرأة أن تتخطى عائق الجهل وعقبة الأمية وتسعى إلى العلم النافع،لأن فاقد الشئء لا يعطيه.
ثانيا: حاجة الأم المربية إلى محو الأمية والتسلح بالعلم
تحدي عقبتي الأمية والجهل
إن الأمية والجهل عقبتان أمام قيام المرأة بهمتها الجليلة، فالأمية ظلم في حقها ودليل على التهميش والاستضعاف الذي وصلت إليه عبر سنين العض والجبر. الأمية تجعلها لقمة سهلة للفساد وهي مطية للخرافات والشعوذة ولكل التّهْلكات، وحبل يفتل في التوطين للعادات والتقاليد والأعراف الجاهلية الفاسدة. الجهل والأمية سجن للمرأة يعجزها عن أداء واجبها الفعلي داخل الأسرة، فلا تقدر أن تربي أجيالا صالحة للأمة، وقد تكون سببا للفتنة والإغواء، مقلدة للتيارات الهدامة. لذلك فمحو الأمية هو سبيلها لرؤية الحق ومعرفة الحقيقة، فهي بحاجة إلى محو أميتها الأبجدية ومحو أميتها الفقهية والتربوية، حتى تتحرر من حبائل الشرك الخفية والجلية، التي تكبلها وتعرقل أداءها داخل الأسرة والمجتمع بل تخلفها عن التطلع إلى خير الآخرة. فكيف تلقن الأم ابنها فرائض الدين وسننه ونوافله؟ كيف تعلمه الحلال والحرام؟ كيف تجعله يعرض عن المعاصي ويقبل على الطاعات، إن كانت هي لا توافق الشرع في أفعالها ونياتها؟ بل تجهل ما يجب أن يعلم من الدين بالضرورة، بله ما يؤسس لتربية سليمة من مبادئ وقيم؟. لذلك تحتاج المرأة المربية إلى تحدي عقبتي الأميات والجهل حتى تقوم بمهمتها على بصيرة، وسبيل ذلك كله هو العلم الذي به تحارب الجهل بأنواعه وتدفعه عنها، وبدفعها للجهل ومحاربته تحقق حفظ العقل، الذي يجعلها تميز بين الخبيث والطيب، هذا العقل المتعلم الذي يسهم في جعل المرأة تحافظ على دينها؛ و تدير شؤون أسرتها تربويا ودينيا، فيكون العلم نورا يضيء للمرأة سبل أداء مهمتها الجليلة في برجها الاستراتيجي على بينة، وتكون قد حققت مقاصد الشريعة جلها، بحسن تدبيرها ورعايتها لأسرتها، وحسن إسهامها في مجتمعها.
غايات تعليم المرأة
المستقبل المنشود ينطلق من أساس متين، هم أطفال تلقوا أحسن تربية وتعليم، والإعلام يزاحم الأمهات والآباء في مهماتهم، وكل ذلك يجعل المرأة بحاجة دائمة للتزود بالعلم النافع الذي يطور أداءها التعليمي التربوي داخل الأسرة، ويزودها بما ينفعها من علوم ومعارف ومهارات، تبصرها بالطرق السليمة والمناهج الملائمة في مجال تربية الأبناء ومعاشرة الزوج وتدبير البيت، فمعظم مشاكل الأسرة الزوجية، ومشاكل الأبناء من انحراف وجنوح وانهيار العلاقات العائلية، هو ناتج عن تحمل الأزواج لمهمة الأسرة عن جهل وقلة دراية بأبجديات المعاشرة الزوجية وطرق تربية الأبناء .
العلم النافع زاد للمرأة تتابع به تطور أبنائها وتساير تقلباتهم المزاجية عبر مراحل التنشئة، وتتواصل بشكل إيجابي مع أطرهم التعليمية في المدرسة، ويساعدها على حل مشكلاتهم بتعقل وروية، دونما جنوح زائد إلى عاطفة قد تكون في يعض الأحيان عاصفة مدمرة.
المعرفة والتعلم يؤهلان المرأة لامتلاك أساليب الحوار المنفتح الرصين، و يزودانها بالفقه في الدين، ويفتحان أمامها الآفاق لتسهم هي أيضا في تربية من تتواصل معهم في العائلة أو الحي أو النادي، فيكون نفعها متعديا للغير، أسرة وعائلة ومجتمعا.
خاتمة:
إنه دون قيام المرأة بمهمتها الجليلة -تربية النشء- تحديات وعقبات، تهون إن أدركت المرأة المربية مكانتها التي بوأها الإسلام لشرف مهمة الأمومة، وتسهل إن وطدت علاقتها بخالقها فجعلت غايتها الله ورضاه منيتها، فيصبح ما دون ذلك من تحديات ممكن التجاوز بما تملكه من إرادة تقوت بإرادة وجه الله فيما تقوم به من مهام داخل أسرتها، راعية ومسؤولة، حاضنة وراعية، مراقبة ومتابعة ومعلمة، فيسهل عليها بعد ذلك تجاوز الجهل والأمية بطلب العلم والسعي إلى استفتاح أبوابه، اتباعا لسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، الذي جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وتسلحا بما به تستنير وتستعين في تربية من ستقر عينها بهم في الدنيا وتسعد بهم في الآخرة.
[1] -صحيح مسلم، الرقم3104
[2] – صحيح، متفق عليه
[3] – النساء، الآية34
[4] – صحيح البخاري، 1358
[5] – المؤمنون، الآية 51