مفهوم الطهارة وأقسامها أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس
حسنية الهلالي
مفهوم الطهارة وأقسامها
أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس
بقلم: حسنية الهلالي
مقدمة:
الطهارة خصلة من خصال الإسلام الحميدة أوجبها الله عز وجل على المسلمين لتصح عبادتهم وطريق لنيل محبة الله عز وجل. يقول الله عز وجل:” إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” [1]. تطهر: صيغة استقصاء وتتبع. وفي آية أخرى:” والله يجب المطًّهرين” [2] ، اطَّهَّر صيغة اجتهاد وتكرار. والصلاة عماد الدين فلا دين لمن لا صلاة له والطهارة مفتاح الصلاة، لا صلاة لمن لا طهارة له. لا دين لمن لا يهتم بجزئيات الطهارة اهتمامه بكليات الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم”[3].
والطهارة في شمولها طهارة القلب وصفاؤه وطهارة الجسم من الأوساخ والقاذورات ولا تغني الأولى عن الثانية ولا العكس.
مفهوم الطهارة وأقسامها:
الطهارة لغة: النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية.
واصطلاحا هي رفع الحدث وإزالة النجاسة والطهارة قسمان طهارة الخبث وطهارة الحدث.
أما طهارة الحدث فهي صغرى تتمثل في الوضوء وطهارة كبرى هي الغسل وبدل عنهما وهي التيمم.
طهارة الخبث:
الخبث لغة هو النجاسة ويطلق مجازا على الدنس المعنوي[4] قال تعالى:” إنما المشركون نجس” [5] واصطلاحا هو صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة العبادة له أو به أو فيه، فطهارة الخبث هي إزالة النجاسة عن بدن المصلي وثوبه ومكان صلاته فهي واجبة لقوله سبحانه:” وثيابك فطهر” [6] والنجاسة لا تتعلق بذات المصلي لأن المؤمن لا ينجس وذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء قال:” أين كنت يا أبا هريرة…؟” قال:” يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل…؟” فقال النبي صلى الله عليه وسلم:” سبحان الله إن المؤمن لا ينجس…؟” [7]
الماء الذي تحصل به الطهارة:
- الماء المطلق: قال الله تعالى:” فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيدكم”[8] فالطهارة تكون بالماء في حال وجوده وبالتيمم في حال عدمه، والماء الذي تحصل به هو السالم من التغير. قال الله تعالى:” وأنزلنا من السماء ماء طهورا…” [9] وتدل الآية أن الماء المنزل من السماء طاهر لنفسه مطهر لغيره. أما إذا تغير أحد أوصافه: ريحه، طعمه، أو لونه، لم يصلح أن يتطهر به سواء أن كان مغيره طاهرا كاللبن أو نجسا كالخمر.
- الماء المتغير بنجس: أجمع العلماء على أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت لونه أو ريحه أو طعمه فهو نجس[10]، وبالتالي فهو غير مطهر ولا يجوز استعماله لا في عادة أو عبادة إلا ما رخصوا فيه للضرورة.
- الماء المتغير بطاهر فهو غير مطهر ويجوز استعماله في العادات التي يصلح لها.
- الماء المتغير بملازمه: حكمه حكم الماء المطلق فهو طاهر مطهر إجماعا لعسر الاحتراز منه كالمغرة وهو الطين الأحمر أو ما يشبهه من طحلب وتراب وسمك حي…
- الماء المنعقد وهو الماء الذائب بعد الجمود، حكمه حكم الماء المطلق.
أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس:
- الحيض:
الحيض لغة هو السيلان واصطلاحا أو صفرة أو كدرة يخرج في وقت مخصوص من أقصى الرحم، ويرى كثير من العلماء أن وقته لا يبدأ قبل بلوغ الأنثى تسع سنين فإذا رأت الدم قبل بلوغها هذا السن فلا يكون دم حيض بل دم علة وفساد، وسن الخمسين هو سن اليأس من الحيض.
وأقل الحيض دفقة واحدة يجب منها الغسل ويبطل الصوم ويقضى ذلك اليوم. قال الله تعالى:” ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” [11]. أما أقله في العدة والاستبراء فهو يستمر يوما أو بعض يوم وأكثره يختلف حسب حالة المرأة: مبتدئة أو معتادة… فأكثر الحيض للمبتدئة خمسة عشر يوما وما زاد فهو دم علة وفساد، وهذا القدر هو أقل أيام الطهر عند جميع النساء، فما كان من دم بعد أيام الطهر فهو حيض اتفاقا. وأكثر الحيض للمعتادة ما كان أكثر عادتها وتزيد عليها ثلاثة أيام استظهارا. ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش:” اقعدي أيامك التي كنت تقعدين واستظهري بثلاثة أيام ثم اغسلي وصلي…” [12]
ومن كانت عدتها ثلاثة عشر يوما تستظهر بيومين فقط من كانت عادتها أربعة عشر يوما تستظهر بيوم فقط فإن زاد الدم بعد ذلك فهو دم علة وفساد، تغتسل منه المرأة وتصوم وتصلي وتتوضأ…
- النفاس:
النفاس في اللغة هو الولادة والدم الذي يعقبها ويقال في فعله نفست المرأة بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما وأفصحهما ضم النون، ويقال ذلك أيضا في الحائض. لكن المشهور فيها فتح النون، وحكم النفاس كحكم الحيض فيحرم عليها ما يحرم على الحائض من صلاة وصوم وطواف بالبيت واعتكاف بالمسجد ومس للمصحف ووطء. عن أبي سعيد الخدري قال:” خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال:” يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن:” ولم يا رسول الله؟” قال:” تكثرن اللعن وتكفرن العشير فما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن” قلن:” وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله” قال:” أليس شهادة الرجل مثل نصف شهادة الرجل؟” قلن:” بلى” قال:” فذلك من نقصان عقلها… أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟” قلن:” بلى…” [13] وعن معاذة قالت:” سألت عائشة رضي الله عنها فقلت:” ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة” قالت:” كان يصيبنا ذلك مع رسول الله وسلم فنؤمن بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة” [14].
والنفساء إن طهرت بعد نفاسها وإن كان عقب ولادتها وجب عليها الغسل وحكمها حكم الطاهرات من النساء لأنه لا حد لأقل النفاس كما عليه أكثر الأئمة. وأما أكثره فأربعين يوما لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت:” كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما”[15]
والراجح أنه يخضع لعرف النساء وعادتهن.
- الاستحاضة:
الاستحاضة هو سيلان الدم في غير وقته المعتاد يخالف الحيض في أحكامه.
للمستحاضة حالات ثلاث:
- أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، فالمدة المعروفة هي مدة الحيض وما بقي استحاضة لحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة كانت تهراق الدم فقال:” لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة، ثم لتغتسل ثم لتستثفر ثم تصل” [16]
- أن تكون مدة الحيض ليست معروفة قبل الاستحاضة ولا تستطيع تمييز دم الحيض. في هذه الحالة تكون حيضها ستة أيام أو سبعة لحديث حمنة بنت جحش قالت:” كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أخت زينب بنت جحش قالت:” قلت يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة كثيرة فما ترى فيها وقد منعتني الصلاة والصيام فقال:” أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم” قالت:” هو أكثر من ذلك” قال:” فتلجمي…” قالت:” إنما أثج ثجا” فقال:” سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم” فقال لها:” إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام إلى سبعة في علم الله ثم اغتسلي… حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصل أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثة وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن بميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتؤجلي العصر فتغتسلين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر وتصلين فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك.” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” وهذا أحب الأمرين إلي…” [17]
- ألا تكون لها عادة وتستطيع تمييز دم الحيض. فهذه تعمل على تغيير الدم فتعمل على مقتضاه وهذا لحديث فاطمة بنت حبيش:” كانت تستحاض فقال صلى الله عليه وسلم:” إن دم الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي…”[18].
للمستحاضة حكم الطاهرات فتصلي وتصوم وتعتكف وتقرأ القرآن وتمس المصحف وتقوم بكل العبادات وهذا مجمع عليه.
[1] البقرة الآية 220
[2] التوبة الآية 109
[3] أخرجه أبو داوود والترمذي بسند صحيح عن سيدنا علي بن أبي طالب
[4] القرفي الذخيرة 154 ج1
[5] التوبة الآية 28
[6] المدثر الآية 4
[7] رواه البخاري وغيره
[8] النساء الآية 43
[9] الفرقان الآية 48
[10] الاجماع لابن المنذر ص 21 وبداية المجتهد 1/50
[11] سورة البقرة 222
[12] أنظر الذخيرة الجزء الأول 380
[13] رواه البخاري ومسلم
[14] رواه الجماعة
[15] رواه الخمسة إلا النسائي.
[16] رواه مالك والشافعي والخمسة إلا الترمذي.
[17] رواه أحمد، وأبو داوود والترمذي وقال هذا حديث صحيح
[18] رواه أبو داوود