منذ ظهور الإنسان، كان الدين. لم ينفصل تفكيرُ الإنسان أبدا عن الدين، فالإنسان بطبعه متدين. عاش المتاهة والحيرة. وحشة العالم. الموت والحياة. أحلام النوم وأحلام اليقظة.. حالات وجْدٍ وإنتشاء مفاجئة.. اللذة والألم.. اللقاء والفراق.. وما لا حصر له من مكونات الإنسان المنسجمة والمتناقضة، تجعل مقارنته بالحيوان عبثية. فحتى في الغرائز التي يتقاطع فيها مع الحيوان، لا يرضيها كما ترضيها البهائم.. بل بطقوس مختلفة..
الإنسان ليس بهيميا.. بل قد يحضر داخله الوحش، بشكل أفظع.. فينحط إلى مرتبة أدنى من البهائم.. ولهذا يحضِّرُ لنهايته القاتمة..
ومع ذلك، فهو ليس من أصل حيواني صرف. ليس للحيوان
لغة، هذا السلاح الرائع والخطير. ليس له مشاعر ووجدان ولا ذاكرة.. والوعي ذاكرة..
الإنسان ليس مجرد تفاعلات كيماوية، كما يقول بذلك الماديون المتطرفون. ( إننا نأكل قبل أن نفكر، إن الفسفور هو ما يفكر فينا) كما قال فيورباخ بكل حماقة. الحيوانات، أيضا، تأكل.. لكنها لا تفكر. فقط أقول؛ الجوع والقدرة على التفكير السليم، من الصعب أن يجتمعا.
( كلُّ قَدْرِ الرجلِ فكرُه).. والفكر عجيب ومريب. عظيم بطبيعته، منحط بعيوبه.
إن كانت الحكمة تبغي الطمأنينة.. والاِنسجام الباطني في الإنسان.. فالدين يجمع الإنسان بالله الذي هو روحه.
من قال؛ أنا لاديني كذب.. فهو إنما مجد العقل.. فألَّهَ الإنسان.. ومن أحبَّ آمن.. ومن فقد الإيمان.. ليس بإنسان..
ومن قال الدين لا يضمن الخبزَ صدق. العمل ضرورة..
أقول له فقط، لقد أخطأت الطريق، إنْ ربطتَ التخلفَ بالدين.. وقد تفعل.. لتتجنبَ ربطَه بالسياسة.. فكل البلاوي، إنما تكمن هنا.. بينما الدين علاقة حميمية بين الفرد وجوهره الميتافيزيقي الخارق..
الحياة شعلةُ الإيمان.. وإن خُصَّتْ الكثير من البهائِم بوفائها للإنسان.. فوحده الإنسان.. يغدر بالإنسان..
السابق بوست