“احتضان الرحيم وتفاوض الحكيم ” حدث في الحادي عشر من رمضان
"احتضان الرحيم وتفاوض الحكيم " حدث في الحادي عشر من رمضان / محمد سكويلي
“احتضان الرحيم وتفاوض الحكيم “ حدث في الحادي عشر من رمضان
محمد سكويلي
في الحلقة الحادية عشرة من “سلسلة حدث في رمضان” والتي ستتناول ما وقع في يوم الحادي عشر من رمضان، حلقة سميناها “احتضان الرحيم وتفاوض الحكيم” ، لأننا سنقف فيها على حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على المواساة والاحتضان والتأليف، من خلال زواجه من أم المؤمنين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها، كما سنعرج على حكمته صلى الله عليه وسلم في التفاوض ومرونته وكفاءته في دعوة الناس للإسلام بكل الطرق والوسائل، وصبره على المناوئين، وذلك من خلال حدث قدوم وإسلام وفد ثقيف، ووجب في كلا الحدثين التأسي بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الأسرة والدعوة، جعلنا الله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، فلنتابع على بركة الله.
أولا: زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت خزيمة
في اليوم 11 رمضان عام 3 هـ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها. وهي المعروفة في الجاهلية ب“أم المساكين” لرحمتها بهم وإطعامها إياهم ورقتها عليهم، والدها خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، والدتها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث، التي قيل عنها: “لا تُعْلَم امرأة من العرب كانت أشرف أصهارًا من هند بنت عوف، أُمِّ زينب وميمونة وأخواتهما”.
فأصهارها هم: الرسول، والعباس وحمزة ابنا عبد المطلب، وجعفر وعلي ابنا أبي طالب، وأبو بكر وشداد بن أسامة بن الهاد، وأختها هي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنهما، وهي أختها من الأمِّ، ولدت في مكة قبل البعثة النبوية بـ 13 عاما، وكان لها دور بارز مع المسلمين في غزوة بدر؛ حيث قامت بمعالجة الجرحى وتضميدهم، وقدمت الطعام والشراب لهم.
تزوجت الطفيل بن الحارث بن المطلب فطلَّقها، ثم تزوَّجها عبيدة بن الحارث واستشهد في غزوة بدر، وبعد أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بموت زوجها وترمّلها؛ رقَّ لحالها وتزوجها في شهر رمضان عام 3 هـجرية، لم تمكث أمُّ المؤمنين زينب بنت خزيمة عند رسول الله طويلا؛ فبعد زواجهما بـ 8 أشهر أو أقل توفيت بالمدينة في شهر ربيع الآخر عام 4 هـ، وكان عمرها وقت وفاتها نحو 30 عاما، وصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع، فكانت أول من دُفن بالبقيع من زوجات النبي.
ثانيا: قدوم وإسلام وفد ثقيف
في اليوم 11 رمضان عام 9 هـ قدم وفد ثقيف إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لتقديم البيعة، وقصة إسلامهم أن رئيسهم عروة بن مسعود الثقفي جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من غزوة الطائف في ذي القعدة سنة 8 هـ قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم عروة، ورجع إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام ـ وهو يظن أنهم يطيعونه ؛ لأنه كان سيدا مطاعاً في قومه، وكان أحب إليهم من أبكارهم ـ فلما دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل من كل وجه حتى قتلوه، ثم أقاموا بعد قتله أشهراً، ثم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب مَنْ حولهم من العرب ـ الذين كانوا قد بايعوا وأسلموا ـ فأجمعوا أن يرسلوا رجلاً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكلموا عَبْد يالِيل بن عمرو، وعرضوا عليه ذلك فأبي، وخاف أن يصنعوا به إذا رجع مثل ما صنعوا بعروة. وقال: لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً، فبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك، فصاروا ستة فيهم عثمان بن أبي العاص الثقفي، وكان أحدثهم سناً.
فلما قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو يدعوهم إلى الإسلام، حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قضية صلح بينه وبين ثقيف، يأذن لهم فيه بالزنا وشرب الخمور وأكل الربا، ويترك لهم طاغيتهم اللات، وأن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يقبل شيئاً من ذلك، فخلوا وتشاوروا فلم يجدوا محيصاً عن الاستسلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فاستسلموا وأسلموا، واشترطوا أن يتولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هدم اللات، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم أبداً. فقبل ذلك، وكتب لهم كتاباً، وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي ؛ لأنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم الدين والقرآن. وذلك أن الوفد كانوا كل يوم يغدون إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص في رحالهم، فإذا رجعوا وقالوا بالهاجرة عمد عثمان بن أبي العاص إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستقرأه القرآن، وسأله عن الدين، وإذا وجده نائماً عمد إلى أبي بكر لنفس الغرض وكان من أعظم الناس بركة لقومه في زمن الردة، فإن ثقيفاً لما عزمت على الردة قال لهم: “يا معشر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلاماً، فلا تكونوا أول الناس ردة، فامتنعوا عن الردة، وثبتوا على الإسلام“، ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة، وخوفهم بالحرب والقتال، وأظهر الحزن والكآبة، وأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سألهم الإسلام وترك الزنا والخمر والربا وغيرها وإلا يقاتلهم. فأخذت ثقيفاً نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقي اللّه في قلوبهم الرعب، وقالوا للوفد: “ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل. وحينئذ أبدي الوفد حقيقة الأمر، وأظهروا ما صالحوا عليه، فأسلمت ثقيف”.
وبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجالاً لهدم اللات، أمر عليهم خالد بن الوليد، فقام المغيرة ابن شعبة، فأخذ الكُرْزِين وقال لأصحابه: واللّه لأضحكنكم من ثقيف، فضرب بالكرزين، ثم سقط يركض، فارتج أهل الطائف، وقالوا: أبعد اللّه المغيرة، قتلته الرَّبَّةُ، فوثب المغيرة فقال: قبحكم اللّه، إنما هي لُكَاع حجارة ومَدَر، ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا أعلى سورها، وعلا الرجال فهدموها وسووها بالأرض حتى حفروا أساسها، وأخرجوا حليها ولباسها، فبهتت ثقيف، ورجع خالد مع مفرزته إلى رسول اللّْه صلى الله عليه وسلم بحليها وكسوتها، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، وحمد الله على نصرة نبيه وإعزاز دينه.