القمار وصوره المعاصرة
بقلم: د. عبد اللطيف آيت عمي
نشر بمجلة منار الهدى العدد الثالث من الصفحات: 71 إلى 78
1- تعريف القمار:
جاء في لسان العرب: قامر الرجل مقامرة وقمارا راهنه وهو التقامر والقمار المقامرة وتقامروا لعبوا القمار وقميرك الذي يقامرك. قال الجوهري: قمرت الرجل أقمره بالكسر قمرا إذا لاعبته فيه وقامرته فقمرته أقمره بالضم قمرا إذا فاخرته فيه فغلبته وتقمر الرجل غلب من يقامره[1].
والقمار من القمر الذي يزاد تارة وينقص أخرى وسمي قمارا لأن كل واحد من المقامرين ممن يجوزان يذهب ماله إلى مال صاحبه ويجوز أن يستفيد من مال صاحبه فيجوز الازدياد والنقصان في كل واحد منهما فصار ذلك قمارا وهو حرام بالنص[2].
2- تعريف الميسر:
قال الجوهري: الميسر قمار العرب بالأزلام وفي الحديث إن المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت ويفري به لئام الناس كالياسر الفالج الياسر ممن الميسر وهو القمار.
قال القرطبي: الميسر: قمار العرب بالأزلام. قال ابن عباس: “كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله”. وقال مجاهد ومحمد بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس أيضا: “كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق”.
وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو، وميسر القمار، فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها. وميسر القمار: ما يتخاطر الناي عليه. قال علي بن أبي طالب: الشطرنج ميسر العجم. وكل ما قومر به فهو ميسر عند مالك وغيره من العلماء[3].
والميسر مأخوذ من اليسر، وهو وجوب الشيء لصاحبه، يقال: يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا.
ومنفعة الميسر مصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد ولا تعب، فكانوا يشترون الجزور ويضربون بسهامهم، فمن خرج سهمه أخذ نصيبه من اللحم ولا يكون عليه من الثمن شيء، ومن بقي سهمه آخر كان عليه ثمن الجزور كله ولا يكون له من اللحم شيء. وقيل: منفعته التوسعة على المحاويج، فإن قمر منهم كان لا يأكل من الجزور وكان يفرقه في المحتاجين.
3- الفرق بين الميسر والقمار:
اختلف العلماء على قولين:
الأول: أن الميسر والقمار مترادفان، فكما أن الميسر يكون في المعاوضات المالية والمعاوضات غير المالية، فكذلك القمار يكون عن عوض مالي وعن عوض غير مالي.
والثاني: أن الميسر يفترق عن القمار في نوعه، فإن القمار مغالبة ومخاطرة فيها المال وأما الميسر يشمل كل أنواع المخاطرة مما يكون معاوضة أو يكون معاملة ولهذا قال ابن القيم تبعا لشيخه ابن تيمية: “السلف كانوا بعبرون بالميسر عن كل ما فيه مخاطرة محرمة ولم يشترطوا المال في الميسر” وهذا كما قال الإمام مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو، وميسر القمار، فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها.
من خلال ما سبق يتبين أن الميسر يختلف عن القمار في أن القمار ما فيه مخاطرة وغرر بالمال وأما الميسر فأعم من ذلك، إذن فالميسر عام والقمار بعض صوره أو أحد شقيه عند أكثر أهل العلم.
والميسر يشمل كل معاملة يدخل فيها المتعامل مع التردد فيها لا يدري هل يغنم أو يغرم. فإذن ضابط الميسر أنه دخول في معاملة مع جهالة الحصول على الربح فيها أم لا يحصل وفرق بين هذا وبين التجارة فيها تحصيل سلعة لا يدري هل يذهب ماله بعوض يأتي أو لا يأتي.
فكل معاملة دار الأمر فيها مع المتعامل ما بين تردد حين دخل بين غرمه وغنمه فإنها من الميسر، فإن كان غرمه وغنمه ماليا صارت المعاملة قمارا.
فحقيقة الميسر واضحة أن الشخص يبذل المال وهو لا يدري هل يحصل على مقابل أو لا يحصل.
4- أدلة تحريم الميسر والقمار:
الميسر محرم بالكتاب والسنة، أما الكتاب فقد جاء تحريم الميسر متدرجا قال الله تعال: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)[4]، ثم أنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمير والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)[5].
وأما السنة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من خلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق”[6]، قال الشوكاني: فإن هذه الصدقة كفارة لذنب القمار فأفاد ذلك أنه حرام[7]. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: والقمار حرام باتفاق، والدعاء إلى فعله حرام[8].
5- الحكمة من تحريم القمار:
وأما الحكمة من تحريمه فإنها واضحة منها:
- القمار يجعل الإنسان يعتمد في كسبه على المصادفة والحظ، والأماني الفارغة لا على العمل والجد وكد اليمين، وعرق الجبين، واحترام الأسباب المشروعة.
- القمار أداة لهدم البيوت العامرة، وفقد الأموال في وجوه محرمة، وافتقار العوائل الغنية، وإذلال النفوس العزيزة.
- القمار يورث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين بأكل الأموال بينهم إلى أسوئ الأخلاق، وأقبح العادات.
- القمار يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويدفع بالمتلاعبين إلى أسوئ الأخلاق، وأقبح العادات.
- القمار هواية آثمة تلتهم الوقت والجهد، وتعود على الخمول والكسل، وتعطل الأمة عن العمل والإنتاج.
- القمار يدفع صاحبه إلى الإجرام لأن الفريق المفلس يريد أن يحصل على المال من أي طريق كان، ولو عن طريق السرقة والاغتصاب، أو الرشوة والاختلاس.
- القمار يورث القلق، ويسبب المرض ويحطم الأعصاب، ويولد الحقد، ويؤدي في الغالب إلى الإجرام أو الانتحار أو الجنون أو المرض العضال.
- والقمار يدفع المقامر إلى أفسد الأخلاق كشرب الخمور تناول المخدرات. فكم من بيوت افتقرت بسبب القمار، وكم من بطون جاعت وأجسام عريت أو لبست الأسمال وكم من زواج فشل، ووظيفة ضاعت لأن صاحبها اختلس ليقامر، وكم من رجل باع دينه وعرضه على مائدة القمار، فالقمار يدمر كل شيء وهو إن كان هدفه المال ولكنه يشمل الخمر والتدخين ورفاق السوء والظلام والغموص والغش والكراهية والتربص والاختلاس وكل صفات الشر[9].
6- صور القمار المعاصرة:
صور القمار المحرمة كثيرة لا يمكن حضرها ولهذا سأكتفي بذكر بعضها خاصة التي يكثر السؤال عنها في عصرنا الحاضر، وأختم هذا البحث بذكر قاعدة يمكن أن تطبق عليها أكثر الصور المعاصرة التي يسأل عنها في مسائل القمار والميسر.
- اليانصيب:
اليانصيب ضرب من القمار الذي أتى الإسلام بتحريمه، لما له من أضرار على الفرد والمجتمع. يقول الدكتور عبد الحليم محمد شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله: اليانصيب أوراق لها سعر معين تقوم بإصدارها جماعة أو هيئة، ثم تجمع المبالغ المتحصلة من بيع هذه الأوراق، وتجري قرعة على مبلغ كبير منها.. ومن تستقر عليه القرعة يفز بهذا المبلغ الضخم. والشريعة الإسلامية تنظر إلى هذا العمل على أنه صورة من صور الميسر أو القمار، حيث يدفع مشتري الورقة مبلغا صغيرا ثمنا لهذا في انتظار ربح ضخم، فإذا لم يربح خسر ما دفعه. فاليانصيب صورة منظمة من صور الميسر الذي حرمه الله تعالى في القرآن في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) ثم بين علة هذا التحريم فقال: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون). فاليانصيب -لكونه لونا من ألوان الميسر- ينشر العداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهو مع ذلك يؤدي في ارتباك الحالة النفسية لمن يشترك فيه بين اليأس المقنط والأمل الكبير، ويبعد عن المواجهة الجدية للمشاكل، ويجعل المرء متعلقا بأباطيل الأماني وكواذب الكمال، ومن أجل هذا فالشريعة الإسلامية تحرمه وتحذر منه وتجعل المال المتحصل فيه سحتا لا يحل لمؤمن تناوله أو التعامل به والاستفادة منه. والله أعلم.
- مسابقات نتائج كرة القدم في البطولات والدوريات الوطنية والدولية “طوطو فوت”
طوطو فوت أوراق تتضمن مقابلات كرة القدم المبرمجة في كل مسابقة، ويطلب من المشارك فيها أن يخمن ويضع علامة أمام الفرق التي ستنتصر والفرق التي ستتعادل والفرق التي ستنهزم، وهذه الأوراق لها سعر معين تقوم بإصدارها جماعة أو هيئة، ثم تجمع المبالغ المتحصلة من بيع هذه الأوراق، وعند ظهور نتائج دورة البطولة أو الكأس، فمن يحصل على عدد معين من النتائج الصحيحة يفز بمبلغ مالي معين. والشريعة الإسلامية تنظر إلى هذا العمل على أنه صورة من صور الميسر الذي حرمه الله تعالى في القرآن في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون).
- المسابقات بين نواد كرة القدم
اختلف العلماء في الجائزة على التسابق في غير أدوات القتال، كالمسابقات الرياضية، والعلمية، فجمهور الفقهاء يرون منع ذلك، إلا إذا دخل بينهم ما يسمونه بالمحلل، وهو شخص، أو ناد لا يدفع شيئا، وإذا ربح أخذ الجائزة، وإذا خسر لم يخسر شيئا، واستحسن الفقهاء أن تكون هذه الجائزة من الدولة، أو من هيئة، أو من شخص غير المتسابقين، فإن كان من بعض المتسابقين دون بعض جاز ذلك، لكن إذا كنت الجائزة من جميع المتسابقين فإن جمهور الفقهاء يرون منع ذلك.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- إلى جواز ذلك في مسابقات حفظ القرآن الكريم، وحفظ الحديث الشريف، وفي كل مسابقة تتعلق بطلب العلوم الشرعية. فلا مانع عندهما ما دام الغرض من ذلك كله تقوية المؤمن علميا وأخلاقيا.
- جوائز التسوق أو الجوائز التي تمنحها بعض الشركات للمشترين منها:
يقول فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى أحمد الزرقا رحمه الله إن رأيي في هذه المسألة هو التمييز بين الهدايا البسيطة التي هي من عادة التجار وعرفهم أن من يشتري كمية كبيرة من البضائع عندهم يقدمون إليه هدية بسيطة تقديرية وترغيبية له كعيارة عن لعبة أولاده أو قطعة أو قطعتين زيادة عما اشتراه، وبين هذه الهدايا ذات القيمة الكبيرة التي يجري عليها سحب بطريقة السحب على اليانصيب بالأرقام، فيفوز بها أحد حاملي هذه البطاقات (الكوبونات) من الزبائن. فتلك الهدايا البسيطة المعتادة بين جميع التجار لمن يشتري كمية كبيرة أو مجموعة من الأصناف هي حلال لأنها تقدمه تعبيرية عن تقديرات التاجر لذلك الزبون. أما الهدايا ذات القيمة الكبيرة كالسيارة والثلاجة، مما يجري عليه سحب بحسب دوريا على القسائم لاستحقاق تلك الهدايا الثمينة، والتي أصبح المشترون يشترون من عند هذا التاجر لأخذ هذه القسائم، فلا أراها إلا من قبيل اليانصيب التجاري الذي هو اليوم في نظر علماء الشريعة ضرب من المقامرة محرم يأثم فيه الطرفان التاجر والزبون، ولا يكون ما يستحقه بهذه الطريقة حلالا، ولا سيما أنه يضر اقتصاديا بصغار التجار الذين لا يملكون مثل هذه الوسائل القمارية المغرية، فيصرف عنهم الناس ويخرجهم من السوق، وهذا ضرر اقتصادي كبير.
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: “أنا أؤيد هذا النظر الفقهي العميق، وأرى -إضافة إلى ذلك- أن هذا الأسلوب هو -في النهاية- إغلاء لقيمة السلع على حساب عموم المستهلكين، وهو يعبر عن النمط الغربي الذي يغري الناس بكثرة الاستهلاك للسلع، وإن لم يكن بهم حاجة إليها، على خلاف المنهج الإسلامي الذي يحث على الاعتدال أبدا والله أعلم.
- جوائز شهادات الاستثمار:
يقول يوسف عبد الله القرضاوي شهادات الاستثمار من فئة (أ) و(ب) إما أنها من باب القرض بفائدة، وهو الأمر الواضح بحسب قانون إنشائها، أو من باب المضاربة التي فقدت شروطها الشرعية، فقدت بذلك إذن الشرع فيها، فهي محرمة على كلا الاحتمالين، وهو ما استقرت عليه الفتوى طوال السنوات الماضية. أما الشهادة فئة (ج) فهي التي حدث فيها الخلاف من قبل، فحرمها البعض، وأحلها البعض، وتوقف فيها آخرون. والذي أرجحه أنها كان بمكن أن تجوز بشرطين: الأول: ألا يستخدم البنك حصيلتها استخداما ربويا، بمعنى أن يقرض ما يتحصل منها للآخرين بفوائد، وهذا هو الغالب في البنك الربوي التجاري، فهو لا يستثمر بنفسه، بل بتمويل الآخرين بالربا. الثاني: ألا تنحصر نيته -إذا ساهم في هذه الفئة- في كسب الجائزة، التي رصدها البنك، لأنه إذا دخل بهذه النية يشبه -من جهة- مما يسمونه (اليانصيب) وهو ضرب من الميسر والقمار. وإن كان بينهما بعض الاختلاف. والمفروض أن الذي يشترك في هذا النوع من الشهادات لا هم له إلا احتمال كسب الجائزة الكبيرة المرصودة، فالبنك ليس جمعية خيرية يعطيه الإنسان ماله ليستفيد منه بلا مردود عليه. والحقيقة أن هذا كله تقليد للغرب الرأسمالي الذي لا يحرم الميسر، كما لا يحرم الخمر، وللغرب دينه ولنا ديننا، ولماذا لا يكون لنا تميزنا وشخصيتنا المستقلة في اقتصادنا وسياستنا ونظامنا وتشريعنا.
- البوكيمون:
تشمل لعبة (البوكيمون) على الميسر (القمار) المحرم شرعا، والذي قرنه الله تعالى في كتابه بالخمر والأنصاب والأزلام، واعتبره رجسا من عمل الشيطان. فهناك الكروت التي تشترى بالعشرات أو المئات بل ربما بالآلاف من الريالات أو الدراهم أو الجنيهات أو الدنانير، وخصوصا (الكرت الأقوى). الذي يغلب به صاحبه من يحمل الكرت الأضعف، أو الأقل قوة، بطرق ورموز معروفة عندهم. فإذا لم يرد الطرف الخاسر أن يفقد (كرته) فعليه أن يدفع بدل منه قيمته، وقد تزيد حسبما يحددها الطرف الكاسب فهو الذي من حقه أن يحدد السعر. وهذه إحدى صور القمار أو الميسر في الجاهلية حيث كان الرجل يقامر الآخر على ماليه -وربما على أهله- فأيهما كسب مال الآخر، وربما أهله حسب الاتفاق. ولما جاء الإسلام واستقر التشريع حرم الميسر كما حرم الخمر، ونزل قوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبه لعلكم تفلحون).
- المسابقات التلفزيونية عبر الهاتف:
المسابقات في الأصل حلال لأنها استنهاض لهمة المشاركين، شريطة أن تكون في أمور نافعة،
لا في أسئلة عن أفلام هذا الممثل، والدور الذي لعبته الممثلة في مسرحية ما، فهذا كله مبني على ما الجهل به خیر، عموما هناك بعض الضوابط التي يجب أن نأخذ بها حتى نبتعد بمسابقتنا عن القمار وهي كالتالي: أولا: ألا يتم الاتفاق بين الهيئة المنظمة وإحدى شركات الاتصال ( وهذا غالبا ما يحدث) على إجراء مثل هذه المسابقات، على أن يكون المال الوارد من المكالمات بينهما بعد أخذ ثمن الجائزة منه فهذا أقرب ما يكون إلى الميسر. ثانيا: أن تكون المسابقات بين أفراد لا يدفعون مالا للاشتراك فيها بطريقة أم بأخرى، كزيادة سعر المكالمة إن كانت وسيلة الاشتراك الاتصال الهاتفي. ثالثا: أن تكون في أمور نافعة لا في أسئلة عن أفلام هذا الممثل، والدور الذي أدته الممثلة في مسرحية ما، فهذا كله مبني على الجهل به خیر. رابعا: ألا تقوم على ابتزاز أموال الجمهور المشارك فتؤدي إلى الشره في الاستهلاك، أملا في الحصول على جائزة باهظة القيمة. وخلاصة القول: شراء الجوائز من أموال المشتركين في المسابقات المختلفة، أو تقسيم أموال المشتركين بين الهيئة المنظمة وإحدى شركات الاتصالات، ووجود جوائز باهظة تؤدي إلى الشره في الاستهلاك، فلكل هذه الأسباب نقول: إن مثل هذه المسابقات هي أقرب من كونها مسابقات شريفة لغرض نبيل. وأنت تستطيع من خلال معرفة سير إجراءات المسابقات المختلفة والاستعانة بالضوابط السابقة الحكم على نوعية المسابقة.
- المسابقات المليونية أو ما دون المليون عبر الهواتف الدولية والمحلية:
يقول الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي: هذه المسابقات التي يشترك فيها الناس عن طريق الاتصال بالهواتف الدولية والمحلية، على أمل أن يربحوالمليون، أو ما دون المليون، ثم تكون النتيجة أن الملايين منهم يخسرون أجرة الاتصالات الهاتفية التي يدفعونها لشركات هاتف تتقاسمها مع منظمي المسابقة، ولا يحصلون في النهاية إلا على الربح. هذه المسابقات ليست إلا لونا من القمار – أو الميسر بلغة القرآن – تدخله الملايين الطامعة في المليون أو ما دونه بما تدفعه للهاتف، على احتمال أن تربح أو تخسر، ثم تخسر الأغلبية الساحقة ويكسب واحد في المليون أو في كل عدة ملايين. صحيح أنه لا يخسر مبلغا كبيرا، ولكن العبرة المبدأ، وليس بحجم الخسارة، المهم أنه دخل العملية مقامرا، لعله يكسب ويصبح مليونيرا في لحظة. والإسلام يحرم القمار أو الميسر تحريما باتا، ويقرنه بالخمر في كتاب الله، ويجعله مع الخمر والأنصاب والأزلام رجسا من عمل الشيطان، مما يدل على أنه من كبائر المحرمات لا من صغائرها، وما ذلك إلا ليحمي الناس من التعلق بالأوهام والأحلام الزائفة التي تبنى على غير أساس، والإسلام لا يمنع أن يكسب الإنسان المال، ضمن شبكة الأسباب والمسببات، ووفق سنة الله في الكون والمجتمع، والأصل في هذه السنن أن يكسب الإنسان المال بكد اليمين، وعرق الجبين، وأعمال الفكر، وإجهاد الجسم، ومواصلة الليل بالنهار، حتى يحقق الأمال. أما أن ينام على أذنه، ويغرق في الأحلام، ويحصّل الثروة عن طريق ( ضربة حظ ) تواتيه، فليس هذا من هدي الإسلام، ولا من منهج الإسلام، ولا من خلق المسلمين. ثم إن هذه الشركات التي تنظم هذه المسابقات وأمثالها تجمع من الناس أضعاف ما تدفع لهم، لأنهم أعداد كبيرة، فهي من ناحية أخرى – تأكل أموال الناس بالباطل، أي هي – بصريح العبارة عملية سرقة مقنعة، ومغلفة بالمسابقة. ومما يؤسف له أن يشيع في مجتمعاتنا المسلمة هذا النوع من المسابقات وجوائز السحب الكبرى وألوان اليانصيب ونحوها مما ينكره الإسلام ويحرمه، وينشئ شبابنا المسلم على هذه التطلعات غير المشروعة، ليسبح في غير ماء، ويطير بغیر جناح، وقد حذر سیدنا علي رضي الله عنه قديما من ذلك ابنه الحسن وفي وصية له إذ قال: وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النّوكی ( أي الحمقی ) وقال الشاعر:
ولا تكن عبد المنى
فالمنى رؤوس أموال المفاليس
- جوائز المسابقات التلفزيونية:
المسابقات نوعان: النوع الأول أن تكون هذه الجوائز في مقتبل عمل يقدمه المتسابق سواء كان حلا لمسألة أو نحو ذلك، فهذه الجوائز جائزة ما دامت الجهة التي أعلنت عن المسابقة لم تأخذ أي مبلغ في مقابل هذه الجوائز، أما النوع الثاني: أن تكون هناك جوائز في مقابل أن يدفع المتسابقون مبالغ ولو كانت قليلة أو رمزية، أو تزاد أسعار التليفونات بسبب الأتصال بالجهة المعلنة عن الجائزة كما يحدث في إمارات کول وقطر کول ولبنان كول فهذه الجوائز محرمة شرعا لأنها من القمار واليانصيب والميسر الذي حرمه القرآن الكريم ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).
تقدم أن القمار نوع من أنواع الميسر وقد يعبر عنه بعض العلماء بالميسر.
والقاعدة التي يمكن أن يندرج تحتها أكثر الصور المعاصرة مما يشكل على الناس في قاعدة الميسر والقمار أن المعاملة التي يدخل فيها الداخل والأمر يدور فيها ما بين أن يخرج غانما أو غارما فهي من القمار أو الميسر يدخل وهو متردد لا يدري هل يغنم أو يغرم فهذه تکون میسرا وقمارا. والحالة الثانية أن تدور المعاملة التي تتعامل بها ما بين أن تكون غانما أو سالما، يعني إما أن تغنم وإما أن تسلم إما أن تستفيد وإما أنه لا شيء عليك فهذه الصورة لا شيء فيها وليست من الميسر أو القمار المحرم. مثلا تدخل إلى محل تجاري وتجد فيه جوائز هنا لا بد أن تنظر في هذه الجائزة التي ستعطى هل ستكون ببذل منك لمال أو بشراء لأشياء غير مرادة لك يعني تبذل قدرا معينا من المال أو تشتري أشياء لا حاجة لك فيها وإنما أردت المشاركة، فهنا دار أمرك أن تكون غانما للجائزة أو غارما لهذا المال أو شراؤك للأشياء التي لا تحتاجها فإذا دار الأمر على هذه الصورة صارت محرمة لأنها ميسر، لأن الأمر في الحقيقة دار بين الغنم والغرم وترددت في أي الأمرين يحصل لك. الصورة الثانية: دخلت محل تجاري واشتريت بأي مبلغ السلع التي أنت في حاجة إليها، ثم لما أتيت للمحاسبة طلب منك أن تملأ كوبون فيه اسمك وعنوانك، فهنا دخولك في هذه المعاملة دائر بين احتمالين إما أن تستفيد الجائزة وإما أ، تسلم فلم تخسر شينا فحينئذ دار الأمر ما بين السلامة وما بين الغنم، فهذه المعاملة لا تعتبر من الميسر والقمار، فهذه القاعدة يمكن أن تطبق عليها أكثر الصور المعاصرة التي يسأل عنها كثير من الناس في مسائل القمار والميسر.
[2] البحر الرائق 8/554 وحاشية ابن عابدين 6/403
[3] الجامل لأحكام القرآن 3/53
[4] سورة البقرة، 219.
[5] سورة المائدة، 90-91
[6] أخرجه البخاري (4860) في كتاب التفسير، ومسلم (1647) في كتاب الأيمان.
[7] السيل الجرار 4/380.
[8] فتح الباري 8/788.
[9] كتاب الحياة الاجتماعية في التفكير الإسلامي لأحمد شلبي ص 241.