منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

لو رأيتَ يا ولدي..

محمد عناني

1

.. وأرض الجمال.. صارت أرضاً للقذارة.. والكتابة تلح.. والنداء يأتي من وحشة الوجود.. ومن وحشية الإنسان.. الرواية متعبة ورائعة.. وأنا أحلم بما لم أكتب بعد.. كأني أرغب بالمستحيل.. أو بعناق اللانهائي.. رواية أكثف فيها تراجيديا وجودي.. ووجود الوطن ( أحببتك ياوطني طوعا وكراهية..).. ووجود الإنسان المأساة أينما كان..
أجنونٌ هذا، ياولدي، أن أحلمَ بكتابة رواية قصيدة!!
لكن، اِسمعني لتُمْسِكَ بي.. وربما لتتحملَ الأمانة..

(مالون) فَقَدَ عصاه.. ظل مُمَدَّداً على سريره.. لم يعد قادرا على جلب حاجياته بواسطة العصا.. حاول أن يزحف ولم يقدر. بقيت له فقط القدرةُ على اِبتداع الحكايات..

لو رأيتَ ( بروست) في آخر لحظات حياته، يأسَف.. لأن ما زال له ما يحكي ليُتْمِمَ الرواية.. نسيَ أنه هو الروايةُ ذاتُها.. وأنها ستنتهي بنهايته.

لو رأيت ( أوديب) مغلولا في عَماه.. يتسلى بمسراتٍ وأحزانٍ.. يتذكرهما من أيام مضت.. وكأنه ينتظر مُخَلِّصا رحيما يقبلُ.. ولم يأتِ ( غودو).. بقي الليلُ الأبديُّ وحده يعصره..
كانت له عينٌ زائدة.. فقدَ البصرَ ولم يفقدِ البصيرة.. (آلامُ هذا الرجل فوق الوصف..)

لو رأيتَ، ياولدي، ( بروميثيوس) يرزح في أغلاله ويئِن؛ ( ألأَني أحببت بني البشر حبا زائدا.. أستحق كل هذا العذاب..).. ( ألأني أشفقتُ حُرِمتُ أنا من الشفقة..)

لو رأيت كل هذا وأكثر لرأيتني.. ورأيتَ الأرضَ الجميلةَ وقد صارت أرضا للقذارة.. ورأيت الوطنَ.. يصعب الوصفُ.. يصعب الحديث.. إنسانٌ مجرد من إنسانيته.. داخله أكثرُ من رقيبٍ ومن مخبر.. مطمورٌ في كهف.. وكأن تشويهَ بنية الفكر لا يكفي.. بل تشويه الذاكرة أيضا..
فهل أكتب الروايةَ ياولدي ! ومن أين أبتدئ.. وأين أنتهي..!
الإنسان يصنع خرابه بنفسه.. وهو يمضي حتما إلى الهاوية.. لكن.. لكن الرقيب لي معه حكاية .. أنت تعرفُ أني كسير الجناح.. لكن متعتي هي عندما أقرأ.. والكتابة نداء..
لي جناحان إذن من كلمات.. والنجمة الفضية تبدد حلكة هذا الليل.. هذه كينونَتي.. أعيشها وأرثيها..
فإن كانت في العمر بقية، سأترك الروايةَ تكتبني.. وأُسْلِمُ الجسد.. وتبقى الروح من أمر ربي..

تعليق 1
  1. سلام يقول

    رائعة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.