منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أبو حيان التوحيدي نموذج المثقف المعارض للسلطة السياسية العباسية (1023-922م)

أبو حيان التوحيدي نموذج المثقف المعارض للسلطة السياسية العباسية (1023-922م)/ د. يسين العمري

0

أبو حيان التوحيدي نموذج المثقف المعارض

للسلطة السياسية العباسية (1023-922م)

د. يسين العمري

 

من كتاب“ المثقف الموالي والمعارض للسلطة السياسية في العصرين الأموي والعباسي”

يمكنكم الاطلاع عليه وتحميله من الرابط التالي:

 

يحيلنا أومليل في معرض الحديث عن استقلال المثقف في التراث، على مفهوم موازٍ للمثقف في معناه الحديث، عثر عليه في حالة أبي حيان التوحيدي، وهي الحالة التي تسمح بطرح مسألة استقلال «المثقف» العربي في التراث، فقد كان الكاتب القديم مرتبطاً بالسلطان، ولم يكن في مقدوره التمتّع بالاستقلال عن السلطان إلا حين يتوجه إلى «العامّة» الذين لم تكن بضاعة المتخصص بالعلوم غير الدينية رائجة لديهم.

 يبرّر أومليل اختياره نموذج أبي حيّان التوحيدي بكونه: «… ليس كاتباً عادياً، بل كاتب أوصل فنّ الكتابة العربي إلى درجة عالية أرّخ بها مؤرّخو الأدب العربي. وليس هذا فحسب، بل لأن التوحيدي حقّق تأليفاً ناجحاً، بل نادر المثال بين الأدب وفنونه من جهة، والفلسفة وعلومها من جهة ثانية. لذا فإن قول القدماء عن أبي حيان إنه كان «أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء» ليس مجرد تلاعب بالألفاظ، لأن أبا حيّان قد أفلح بالفعل في ما يمكننا أن نسميه «تعريب» الفلسفة، بالمعنى الثقافي للتعريب، أي استيعاب المادّة الفلسفية و تأصيلها في خطاب بياني عربي».[1]

 ويرى أومليل في نفس السياق أنّ: «… أبا حيّان مثال للتّردّد الفاجع (تردّد بين طمع الحظوة لدى الأعيان والسلطان متوسّلا إليهم بفنّه وخبرته، وقد فشل في ذلك فشلاً أدى به في نهاية الأمر إلى إحراق كتبه)، وبين العزلة والتّصوّف، وقد ظلّ أبو حيّان بالفعل متردّداً بين البابين، باب السّلطان وباب اللّه، ومن يقرأ لهذا الكاتب يجد نكهة صدق وصراحة، سواء وهو يتحدث عن طمعه في باب السلطان، أو حين يتعلق بباب الله. هو يروي في صراحة نادرة وقوفه على أبواب ذوي الغِنى والسلطان وقوف تكسّب واستجداء، ثم هو أحياناً يثور لنفسه وعليها، يربأ بها، ويحاول طريق المتصوّفة… ويستمرّ متردّداً شقياً بين الوجهتين».[2]

 ويذهب أومليل إلى أنّ: «… «حالة» أبي حيان مناسبة لطرح مسألة استقلال «المثقف» في الماضي، فالكاتب القديم كان مربوطاً إلى «سوق السلطان»، والاستقلال الوحيد الذي كان ممكناً للمثقف القديم هو في استناده إلى «العامّة»، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بالخطاب الدّيني حين يجد له صدى عند هؤلاء. أمّا ما عدا ذلك، فلا منفذ لبضاعته إلا في «سوق السلطان»، وما كان يتطلّبه ذلك من تزاحم على أبواب هؤلاء وندرة «الواصلين»، وهشاشة مراكزهم وتقلّباتها، وكان عند أبي حيان -كما عند غيره- وعي ممزّق بين اعتداد الكاتب بقيمته الذاتية باعتباره مالكاً لمعارف شريفة في ذاتها، وبين اضطراره إلى التّكسّب بها في سوق الأعيان والسلطان».[3]

 ويذكر أومليل أنّ: «…أبا حيّانٍ التوحيدي قد طرح هذه المسألة على معاصره الفيلسوف «مسكويه» التي تعبّر عن هذا التّمزّق الفاجع في وعي «المثقف» الذي لم يكن يجد اعترافاً موضوعياً له بمكانته الحقيقية، فيعيش اختلالاً بين وعيه الذاتي بقيمته، وبين التّقدير الموضوعي لهذه القيمة في سلّم القيم كما يرتّبها المجتمع ويعترف بها في عصره».[4]

 ويعود أومليل للتذكير بأنّ: «… العلاقة بين السلطتين السياسية والعلمية تتحدّد بين أطراف ثلاثة: العالِم، صاحب السلطة والعامّة. هذا الطّرف الأخير مُبعد ومطلوب معاً. فهو مُبعد عن أيّة مشاركة، ولكنّه مطلوب لكلّ سلطة. والعامّة مفهوم سلبيّ تحت أقلام الكتّاب القدماء الذين يستعملون مرادفات أكثر تحقيراً مثل «الرّعاع» و»الغوغاء»، لكن لا بدّ منهم لإنتاج الخيرات ولعمارة الأرض. هم إذاً ضروريون باعتبارهم مادّة للسياسة، وصُنّاعاً للعمران، لكن ينبغي ألا يكون لهم وعي جماعي بذلك، وإلّا طالبوا بحقّ مكافئ للحاجة إليهم، لا يكفي أن ينعتهم أصحاب السّلطة والنّخبة ب «الرّعاع»، بل لا بدّ من أن يرسخ في أذهان هؤلاء أنّهم هم أنفسهم كذلك».[5]

 ويعتبر أومليل أنّ: «… للمجالس التي كانت تتمّ في حضرة ذوي السلطة والأعيان، ويحضرها المفكّرون، لعبت دوراً إيجابيا في الثقافة العربية، ولا سيما مع تعدّد مراكز السلطة الإسلامية، بدل المركز الواحد الذي يفرض المذهب الواحد المرسّم. إنّ ضعف المركزية السياسة، بمقياس القوة السياسية وقوة الدّولة، هو شيء سلبي، لكن ليس بالضرورة أن يترتّب على ذلك ضعف ثقافي، بل ربّما يكون العكس هو الصّحيح. وكان القرن الرابع الهجري، عصر أبي حيّان التوحيدي، أزهى عصور الثقافة العربية الإسلامية، على الرّغم من أنه قرن شهد ضعف مؤسسة الخلافة وتعدّد مراكز السلطة الإسلامية، وقد ترتّب على ذلك تعدّد مراكز الإنتاج الثقافي، وبالتّحديد تعدّد المجالس التي كانت بمثابة معارض للأفكار والمعارف. ومن نتائج تعدّد المراكز، إتاحة جوّ من التّسامح الفكري والدّيني، والعناية بالعلوم الفلسفية، وإسهام أكبر للأقليات غير الإسلامية في الثقافة العربية».[6]

 ويضيف أومليل أمثلة أخرى، ذكر أنّها: «… تطابق تجربتها ما تضمّنته شكوى أبي حيان التوحيدي ويأسه من واقع العامل بالثقافة في عصره، والتي بالمناسبة تجد مقابلات كثيرة لها في واقع المثقف العربي المعاصر الذي لم يتمتّع يوماً بالاستقلال عن السلطة وظلّ يعاني من ثنائية الاستتباع أو الاستبعاد والإقصاء والتهميش. ومن بين الأمثلة التي انطبق عليها هذا الوصف، وضع «التوحيدي» في التاريخ العربي الإسلامي بالنسبة إلى المشتغلين بغير العلوم الدينية، من متكلّمين وفلاسفة وعلماء بيان، ممّن كانوا يتعالون على العامة ويتوجّهون بعلمهم إلى خاصّة الخاصّة، ويطالبون بإبعاد العامة عن الخوض في مسائل الفلسفة والسياسة، فآثروا العزلة بعلمهم الفلسفي عن الناس. ويمكن التماس هذه الإيديولوجيا في «رسالة الطير» لابن سينا و»تدبير المتوحد» لابن باجة ومدينة الفارابي الفاضلة».[7]

من كتاب“ المثقف الموالي والمعارض للسلطة السياسية في العصرين الأموي والعباسي”

يمكنكم الاطلاع عليه وتحميله من الرابط التالي:


[1] – علي أومليل، السلطة الثقافية والسلطة السياسية، ص 103.

[2] – علي أومليل، نفس المصدر، نفس الصفحة.

[3] – علي أومليل، نفس المصدر، ص 103 و 104.

[4] – علي أومليل، نفس المصدر، ص 104.

[5] – علي أومليل، السلطة الثقافية والسلطة السياسية، ص 104.

[6] – علي أومليل، نفس المصدر، ص 107.

[7] – علي أومليل، السلطة الثقافية والسلطة السياسية، ص 167 و ما بعدها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.